الإعلامُ الغربي وحربُ غزة: سقطاتٌ مهنية ونقصُ الموضوعية وتزييفُ الحقائق
عبدالحكيم عامر
تعتبر حرب غزة واحدة من أهم الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط التي تستقطب اهتمام العالم بأسره، ومع ذلكَ تظهر بعض التحديات عندما يتعلق الأمر بتغطية الإعلام الغربي لهذا الصراع، ففي العديد من الأحيان، تشوب سقطات مهنية ونقص الموضوعية وتزييف الحقائق تقارير الإعلام الغربي بعد معركة “طُوفان الأقصى” التي نفذتها كتائب القسام في السابع من أُكتوبر 2023، سنلقي نظرةً عامةً على هذه المشاكل ونناقش أهميّة تقديم تغطية إعلامية موضوعية ومتوازنة للأحداث.
تأثيرُ الإعلام الغربي على صورة النزاع:
تعتبر وسائل الإعلام الغربية من أقوى الوسائل التي تشكل الرأي العام العالمي، ولذلك فَــإنَّ تأثيرها على صورة الحرب لا يمكن تجاهلها، ومع ذلك، يتعرض الإعلام الغربي لانتقادات عديدة؛ بسَببِ سقطات مهنية ونقص الموضوعية في تغطيته لحرب غزة، فعلى سبيل المثال، يتم تجاهل بعض الأحداث الهامة أَو تضخيمها بشكل غير متناسب، مما يؤثر سلباً على فهم الجمهور للواقع الميداني.
وترى أمريكا والصهيونية وتحالفها أن الحرب الإعلامية ينجم عن تأثيرات سلبية تؤثر على المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة بشكل عام، إلقاء الضوء السلبي المتكرّر على المقاومة الفلسطينية وتصويرها على أنها “إرهابية” يقلل من تأييد الجمهور العالمي لقضية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وتميل الحرب الإعلامية الغربية إلى تجاهل أسباب الصراع والذي سببه الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
سقطات مهنية:
تتضمن السقطات المهنية في تغطية الإعلام الغربي لحرب غزة عدة عناصر، منها: تركيزُه الزائد على الأحداث الدموية والصور الصادمة لما حصل في يوم السابع من أُكتوبر عند اقتحام المستوطنات الإسرائيلية المحتلّة.
ومن المشاهد على سقوط الإعلام الغربي ما يحصل في الحرب على غزة أنه بعد أن خسرت الأنظمة الغربية التي أعلنت الدعم الرسمي للكيان الصهيوني الحرب الإعلامية وبدأت شعوبها بمطالبتها بالكف عن دعم المجاز بـغزة، تم إخراج مصطلح معاداة السامية للعلن لترهيب المتظاهرين وكبح الاحتجاجات التي تتضامن مع غزة وما يحصل في غزة من جرائم وإبادة من العدوّ الإسرائيلي، وهذا قد فضح دول الحريات أنها انزعجت من ممارسة الحرية.
نقصُ الموضوعية في التغطية:
تعاني التقارير الإعلامية الغربية من نقص في الموضوعية عندما يتعلق الأمر بالنزاع مع العدوّ الإسرائيلي، بحيث لم تحقّق بعض وسائل الإعلام الغربية الموضوعية المطلوبة في تغطية حرب غزة، لقد ظهر تحيزٌ واضحٌ في تقاريرهم، حَيثُ تم التركيز بشكل كبير على العدوّ الإسرائيلي، ففي كثير من الأحيان يتم تبرير العمليات العسكرية الإسرائيلية بمصطلح دفاعها عن نفسها، بينما أهملت أَو تجاهلت تماماً الشعب الفلسطيني ومقاومته الذين يعيشون تحت الاحتلال والقصف الإسرائيلي المُستمرّ، وهذا التحيز يؤثر سلبًا على تقديم صورة حقيقية للأحداث ويؤدي إلى تشويه الحقائق.
تزييفُ الحقائق:
يعتبر تزيف الحقائق أحد أبرز المشاكل التي يواجهها الإعلام الغربي في تغطية حرب غزة، فمن المعروف أن الجانبين في النزاع يستخدمان الإعلام كأدَاة لترويج الحرب، ومن هنا يظهر دور الإعلام الغربي في فحص وتحقّق الحقائق قبل نقل الأخبار، ومع ذلك، بعض التقارير الغربية تلجأ إلى تزييف الحقائق أَو استخدام صور قديمة أَو غير صحيحة لتعزيز قصصها.
ومن بعض الأمثلة لتزييف الحقائق:
– التركيز الكبير على القصف الفلسطيني وتجاهل القصف الإسرائيلي الذي تعرضت له غزة من قبل العدوّ الإسرائيلي، والذي أسفر عن مقتل وجرح الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء.
– التحيز الواضح في استخدام اللغة: استخدم بعض الإعلام الغربي تعبيرات محملة بالتحيز والتعاطف مع العدوّ الإسرائيلي، في حين أنها وصفت المقاومة الفلسطينية بألفاظ سلبية ومسيئة.
الإعلامُ الغربي واستخدامُ المصطلحات:
تعتمد الحرب الإعلامية على استخدام المصطلحات والألفاظ القوية والمؤثرة لتشكيل الرأي العام وتوجيهه في اتّجاه معين، تستخدم أمريكا والصهيونية مجموعة من المصطلحات في هذا السياق، مثل “الإرهاب” و”التطرف” و”الأمن القومي” و”حق الدفاع”؛ بهَدفِ تجريم المقاومة الفلسطينية وتبرير سياستها الداعمة للعدو الإسرائيلي، تعد هذه المصطلحات أدوات قوية لتشويه صورة المقاومة الفلسطينية وتوجيه الانتباه بعيدًا عن القضايا الأَسَاسية.
وهنا يمكن القول الحرب الإعلامية تعد أدَاة حديثة وفعالة تستخدمها العديد من الدول والقوى العالمية لتشكيل الرأي العام ونشر رؤيتها السياسية والعسكرية، تبرز الولايات المتحدة كواحدة من أبرز الدول التي تستخدم الحرب الإعلامية بشكل واسع، وخَاصَّة في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتصديها للمقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة.
وفي الأخير يجب على الإعلام العربي أن يقدم تحليلًا عميقًا للأحداث بدلاً من التركيز فقط على العناوين الصاخبة.
ويتعين على الشعوب والإعلام العربي والغربي الحر أن يتصدوا لهذه الجهود ويعملوا على توفير المعلومات الصحيحة والإلمام بالوقائع، ولمواجهة هذه الحرب الإعلامية:
– من أهم أدوار الشعوب العربية في مواجهة الحرب الإعلامية الغربية هو التوعية والتثقيف، يجب على الشعوب أن تكون على دراية بالواقع الفلسطيني، والظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، يمكن تحقيق ذلك من خلال نشر المعلومات الصحيحة والوقوف في وجه التضليل الإعلامي الغربي، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أَو من خلال المناقشات وغيرها.
– تشكل تحالفات دولية تدعم القضية الفلسطينية أحد أهم الخطوات في مواجهة الحرب الإعلامية، يمكن تعزيز الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية ومواجهة الحملات الإعلامية الغربية المشوهة.
– الإعلام العربي الحر يلعب دورًا حاسمًا في توجيه الرأي العام العربي وتوفير المعلومات الصحيحة، وأن يعمل على نشر الحقائق وكشف الأكاذيب، وتوفير تقارير موضوعية وتحقيقات دقيقة تكشف الانتهاكات الإسرائيلية وتعزيز الوعي بنقل المظلومية الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني.
– مِن أجل مواجهة الحرب الإعلامية الغربية، يجب أن يكون الإعلام العربي الحر مبتكرًا ومبدعًا في تقديم المحتوى، يمكن استخدام التقنيات الحديثة ووسائل الاتصال الجديدة للوصول إلى جمهور أوسع وتأثير أكبر، يجب أن يكون هناك تركيز على إنتاج محتوى واقعي ومؤثر يروي قصص العدالة والحقوق في فلسطين.
– يعتبر التعليم الإعلامي جزءًا أَسَاسيًّا في مواجهة الحرب الإعلامية، يجب أن يتم تعزيز قدرات الصحفيين والإعلاميين العرب وتزويدهم بالمهارات اللازمة للتعامل مع الحملات الإعلامية المعادية، وبالتالي تمكين الإعلام العربي الحر من تقديم تغطية شاملة وموثوقة للأحداث.
وعلى الجمهور العربي والغربي الحر أن يكون واعيًا للحرب الإعلامية وأن يعمل على تحليل الأخبار والمصادر الموثوقة المختلفة، وينبغي التركيز على فهم القضية الفلسطينية وحقوقها المشروعة، والتحَرّك نحو تعزيز العدالة للشعب الفلسطيني واستعادة الأراضي الفلسطينية، بعيدًا عن تأثيرات الحرب الإعلامية وتلاعب الأجندات السياسية والعسكرية.