حربُ المفاهيم والمصطلحات
د. شعفل علي عُمير
المفهوم العربي للاستعمار هو إصلاح الأرض وعمارتها هذا هو المفهوم الصحيح لكلمة الاستعمار، واستخدم الاحتلال الغربي كلمة (الاستعمار) قديماً لتضليل الرأي العام للشعوب المحتلّة بحيث تضفي على سلوكِها الاستعبادي للبشر ونهب ثرواتهم طابعاً يوحي للشعوب المحتلّة بأن تلك الدول عندما تسيطر عليها ليس لغرض استغلالها وإنما لنقل الحضارة والتقدم إليها، وحديثاً يعمد الغرب وأمريكا إلى استخدام ذات الأُسلُـوب مِن التضليل والخِداع فأطلق على العلاقات مع الكيان الصهيوني مصطلح (التطبيع) ليوحي للشعوب العربية والإسلامية بأن الوضع الطبيعي يتطلب وجود علاقة مع هذا الكيان المحتلّ للأراضي العربية والمُقدسات الإسلامية، بينما الوضع الطبيعي هو عدم وجود علاقة مع هذا الكيان، فالمصطلحات قد تجعل المحتلّ مستعمراً للأرض، مُعمِراً لها، وتجعل من الأمر غير الطبيعي طبيعياً، لم يدرك العرب أَو المسلمين مدى الخُبث الذي تستخدمه تلك الدول المحتلّة في اختيار المفردات التي تسوّقها لأذهان الشعوب العربية والإسلامية والشعوب الأُخرى التي تسيطر عليها وتنهب ثرواتها بعيدًا عن المعنى الحقيقي للاحتلال، الذي هو غزو دولة على دولة أُخرى لِأجل سرقة ثرواتِها واستعباد مجتمعها.
والسؤال هنا هل الاحتلال فِعل يستوجِب أن يُطلَق عليه استعمار بمعني إعمار الأرض واستصلاحها، هل أتى الاحتلال نتيجة خلل في المجتمعات المحتلّة ليعالجه ويُصلح شأنهُ أم أن العكس هو الصحيح؟ هل هُناك مِن الدول التي احتِلت أصبح حالها أفضل قبل الاحتلال؟!
ومُصطَلح (التطبيع) يمكن أن نُطلِق عليه مُصطلح التطويع الذي يعني (الإخضاع والتذليل) وهو يعني كذلك التَغلُّب والسيطرة، فالشيء الذي يمكن تَطويعهُ يمكن تشكيله بما يخدم المُطوِع، فالمصطلح الذي يجب أن يُطلَق على معنى العلاقة مع الكيان الصهيوني هو (التطويع) وليس (التطبيع) بِمعنى أن الدول المُطبّعة هي الدول الخاضِعة والذليلة، الدول التي يسهل تطويعها بما ينسجم مع المصالح الصهيونية والأمريكية، وليس مع مصالحها كدول تم تطويعها، أي مطبّعة بالمفهوم الدارج، والسؤال الذي يجب أن تجيب عليه الدول التي لها علاقة مع الكيان الصهيوني، هل ما أنتم عليه بعد علاقتكم مع العدوّ الصهيوني أفضل حالاً مما كنتم عليهِ قبل تطويعكم؟! حتماً لن يكون حالهم أفضل؛ لأَنَّهم كسبوا رِضا العدوّ وخسروا رِضا الله عليهم أولاً وشعوبهم ثانياً، وخسروا كذلك التاريخ والمواقف المُشرّفة.