لماذا السيدُ القائدُ فعل و٥٧ دولةً لم تفعل؟!
أم الحسن أبوطالب
من الواضح والبديهي في الأمر أن تقوم الدول العربية والإسلامية مجتمعة بعمل عظيم لإيقاف القصف الإسرائيلي على غزة ونصرة المجاهدين فيها؛ كونها كما يقال دول ذات سيادة ولديها انتماء ديني وعربي وروابط جوار وقومية مع فلسطين، وَأَيْـضاً لديهم من الأموال والنفط ما يمكنها من دعم الفلسطينيين بشكل كبير، وفي الاتّجاه المعاكس تفعل النفط كورقة ضغط قوية ضد أعداءها بمنع وصوله إلى العدوّ الإسرائيلي.
في اليمن أرض الحكمة والإيمان، البلد المحاصر والذي طاله القصف والقتل والدمار لأكثر من ثمانية أعوام وحاصره جيرانه وقتلوا الأطفال فيه والنساء، وحطموا بنيته التحتية، وجاوزوا في الظلم والطغيان فيه، نرى أهل اليمن رغم كُـلّ ما حَـلّ بهم كانوا هم السباقين لنصرة الأقصى وغزة والشعب الفلسطيني، وليس فقط عن طريق المساندة والموقف، مع أن موقفهم العظيم تجاه القضية الفلسطينية كان هو الأكبر والأقوى والأعظم بين شعوب الأمتين العربية والإسلامية، بل العالم أجمع، لكن ذلك لم يكن كافياً في نظر أحرار اليمن بل سعوا للدخول في معركة الكرامة والحرية مع الشعب الفلسطيني، وأرسلوا صواريخ اليمن ومسيَّراته لتدك العدوّ الإسرائيلي وتصل إلى عقر داره.
الأمر العجيب بعد أُسطورة ما فعله اليمن من مشاركته في حرب غزة ومعركة الطوفان، هو عدم قدرة أي نظام أَو دولة عربية أَو إسلامية ملكية أَو جمهورية أن تقوم بموقف جاد وصريح لنصرة غزة، ناهيك على أن ترسل طائراتها على العدوّ الصهيوني الغاشم وتمنع الإجرام والوحشية بحق الشعب الفلسطيني وقتل الأبرياء فيه، “وما يزيد الطين بلة” -كما يقال- إنه وحتى رغم اجتماع ٥٧ دولة عربية وإسلامية لم يكن هناك من مخرجات اجتماعها ما يعول عليه الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية في نصرتهم وإيقاف حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها العدوّ الإسرائيلي بحقهم، ومع جميع المعطيات السابقة كان لا بُـدَّ من وجود تساؤلٍ وعلامة تعجب كبيرة، لماذا اليمن وقائدها البدر السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، هو من تحَرّك فعلياً لنصرة غزة والفلسطينيين وأمطر سيلاً من الصواريخ والمسيَّرات على العدوّ الإسرائيلي، ولماذا اجتماع سبع وخمسين دولة برؤسائها وملوكها وأمرائها وحكامها وما يمتلكونه من عدتهم وعتادهم وجيوشهم وأموالهم وأسلحتهم عجزوا عن إعلان دخولهم المعركة لنصرة غزة أَو على أقل تقدير أن يكون لهم بيان مشرف يرضي تطلعات شعوبهم لهذه القمة، ويحقّق نصرة غزة وأطفالها الأبرياء الذين تحولوا إلى أشلاء بفعل آلة الحرب الصهيونية البشعة!!
حين أوصى المصطفى -صلوات الله عليه وآله- المسلمين في خطبة الوداع بالاعتصام بحبل الله، دعاهم للتمسك بالثقلين قائلاً: “لقد تركت لكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فَــإنَّ اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض”، هنا كانت المفارقة وهنا صدق وعد المصطفى وتحقّقت ضمانته في كيفية الابتعاد عن الضلال، الضلال الذي أصبحنا نراه في كُـلّ بلاد المسلمين والعرب؛ فجميعهم يؤمنون بأن قضية فلسطين مظلومية عظيمة والدفاع عنها مشروع، وجميعهم أَيْـضاً يعلمون أن إسرائيل هي العدوّ، ولكن لا يتحَرّكون في واقعهم على هذا الأَسَاس لذا نراهم تائهين متخبطين لا يملكون حتى قرارًا واحدًا ينسجم مع معتقداتهم ويترجم المواقف والتي يجب أن يكونوا عليها؛ لأَنَّهم فقدوا القيادة وفقدوا معها المنهجية القرآنية التي يجب أن يسيروا عليها، فأصبحوا ضالين.
وهنا في اليمن وتحت راية قائد يمانيٍ عظيم وبمنهجيةٍ قرآنيةٍ عظيمة، استطاعت اليمن أن تصمد في وجه أكبر تحالف دولي وعربي قصفها ودمّـرها وتسبب بالكثير من الدمار والقتل فيها، وبعد ثماني إلى تسع سنوات من الصمود والثبات والقوة والتحدي أثبت اليمانيون أنهم أصبحوا قوةً لا يستهان بها، ليس فقط أمام أعدائهم ولكن أَيْـضاً أمام العالم أجمع، فبعد أن تمكّن اليمنيون من تحقيق عمليات الردع التي أوقفت الضربات والغارات على اليمن، أصبحوا هم من يتوعدون ويفرضون الأحداث، بل إنهم قاموا بعمل بطولي أُسطوري عجزت عنه دول وممالك لم تكن في حرب أَو حصار بل كانت مسلوبة الإرادَة تحت قيادة عليها بنود الوصاية، فلم تستطع تلك القيادة أن تتحَرّك، ولم تستطع الشعوب المدجَّنة أن تنطلق.
القيادة والمنهجية التي توفرت في أهل اليمن كانت هي السببَ وراء تلك البطولة والشجاعة والتحَرّك الجاد والمسؤول لنجدة أهلنا في غزة، وما المسيّرات والمجنحات والصواريخ التي تحلق أسرابًا باتّجاه الكيان الغاصب إلا ثمرة المشروع القرآني الذي أسسه الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي -سلام الله عليه-، وثمرة القيادة الحكيمة لهذا المشروع التي سار عليها السيد عبدالملك -سلام الله عليه-، فأصبحت اليمن بفضل هذا المشروع وهذا القائد، الدولة الوحيدة -إن صح التعبير- التي تمتلك سيادة ولها مبادئ وموجهات وقضية عادلة تسعى لتحقيقها، كُـلّ ذلك من وحي آيات الله التي ترجمها أهل اليمن الأحرار إلى واقع ملموس، فمن وحي قوله تعالى: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ” قامت الصناعات وتطورت الأسلحة، ومن وحي: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ”، كان صمودهم وثباتهم رغم قلتهم وضعفهم ونصرتهم للمستضعفين، ومن وحي: “إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ” وَثِقوا وانطلقوا، وهكذا منهجيتهم كلها قرآنية لا تحكمها سفارة ولا سفراء، ولا تقيدها وصاية ولا أوصياء، ولا تحدّدها ولايات ولا قوى عظمى ولا استراتيجيات ولا سياسات ولا مصالح شخصية، بل هي رؤية قرآنية حدّدها الله العليم الحكيم العالم بكل شيء ليسيروا عليها، وتكفل سبحانه بنتيجتها المحسومة بالنصر المبين بإذن الله، بل وبالتمكين والاستخلاف في الأرض.