بين التهديد والوعيد.. قائدٌ يتحدَّى المستكبِرين

 

دروب العزي

قائدٌ قرآني، عَلَمٌ رباني، محمدي الروحية، علوي العزة، حيدري البأس، قرآني القول والفعل، لا يخاف في الله لومة لائم، لا يهزُّهُ ترهيب ولا يغرنّهُ ترغيب، أذهل العالم بعنفوانه وحكمتهِ وحنكته، ففي العشرينيات من عُمره فقد موساه وبقي يكمل المشوار هارونَ يقود ثلةً من حواريي عصره في مواجهة سُلطةٍ حملت على عاتقها حرب أولياء الله القائمين بالقسط بجيشٍ مغرر وفئات شعب دُجنت بفعل علماء سوءٍ تصهينوا، وباسم الدين يُدجنون الأُمَّــة، ستُ حروب وتبعاتها لكنه انتصر بالله، وفي ثلاثينياته واجه العالم بأكمله وخاض ضدهم معارك أشبه بمعجزات، تسعة أعوام وبقوة الله كان طيلتها هو المنتصر.

وفي ظل أربعينياته أخذ على عاتقهِ المُثقل نصرة أمته وأبى إلا مواجهة اليهود رأساً في البر والبحر والجو، ولم يُعِقْه بُعْدُ الكيلو مترات عن بلوغ هدفه والتنكيل بكيان زائل لا محالة.

أرأيت كيف عاش حياته محارباً فذاً لا تُردعهُ قوة ولا يهزمه عدوان؟!

في ظل المرحلة لم يشهد العالم لشجاعته مثيلاً، يكفيك فقط سماع وتأمل خطابه الأخير في “تدشين الذكرى السنوية للشهيد” ستذعنُ كُـلّ مشاعرك حباً وتعظيماً له، ذُهل الصديق وصُعق العدوّ، أثلج صدور وأغاظ صدورًا أُخرى.

فـلو جئت تتأمل كلامه، نبرة صوته، ملامح وجهه، بريق عينيه، حركة يديه، شدته ولينه في الكلام لوجدت في شخصه قرآناً ناطقاً يحق له أن يقود الأُمَّــة بل والعالم وبكل جدارة، ألم تَرَ كيف جسد روحية رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وأنه ترجمان لقول الله سبحانه وتعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَـمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} في حرصه على هذه الأُمَّــة التي هانت وذلت ولم تؤمن بما يفعله اليهود في فلسطين، هل لاحظت نبرة صوته وهو يتحدث عن أُمَّـة المليار والنصف التي لم تحَرّك ساكناً، وكيف يؤلمه موقف الراقصون على جراح غزة ومشاعر أحرار الأُمَّــة المقهورة!!

أما رأيت بريق الألم الذي في عينيه والتي أنبأتنا به نبرته وقسمات وجهه الشريف بينما يتحدث عن نزف غزة، عن وحشية الجرائم ودموية المشهد، فَــإنَّ كان الألم والحزن والقهر قد فاض في ظاهره، فكيف ذاك الذي يُخفيه بداخلهِ!!

أوَما رأيتَهُ مِصّداقاً لقول الله سبحانه وتعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}؛ إذ هو يقول لإخوته المؤمنين بكل ثقةٍ إنه لن يتوانى لا هو ولا شعبه عن تقديم كُـلّ ما يمكن لنصرة المستضعفين وهو مستعد لتفويج الرجال ويستعد ليقسم حتى كسرة الخبز لشعب فلسطين!!

ولك أنْ تتأمل مع ذَلك بأية لهجة شديدة غاضبة هدّد بها العدوّ وكلّ من في فلكه؛ إذ يقول -وفعله يسبق قوله-: “سنُنكل بكم، سنظفر بسفنكم سنُلاحقكم في البحر، سنُخطط لما هو أكبر ولن نتوقف عن قصفكم في فلسطين أَو غير فلسطين”، ولك أن تتخيل ما يقصده بـغير فلسطين! وإلى أي مدى سيصل، رغم أنه وشعبه ما زال مُحارباً، محاصراً، جنوب بلده تحت الاحتلال، مُنع عنه الدواء والغذاء وقد يعود القصف الجوي عليه في أية لحظة، إلا أنه هدّد وتوعد -والكل يعرفه تماماً- بما لم تجرؤ سبعٌ وخمسون دولةً بقضها وقضيضها في قمةٍ فاشلة حتى أن تُصّرح به ولو من باب الضغط على العدوّ ليوقف جرائمه بحق غزة، لكن هو هدّد بملء الفم، وفعل ولا زال يفعل ولن يتوقف حتى يكف العدوان على غزة وحتى تتحرّر القدس.

حقيقةً تترقرق العيون دامعةً، حقاً يحق لنا في الشعب اليمني أن نسجد لله شكراً أن أكرمنا بهذا القائد العلم ومَنَّ علينا لنكون من أنصاره، يحق لألسنتنا ألا تكل عن حمد الله أن جعلنا من هذا الشعب الذي هكذا قيادته، يتوجب لأمة الإسلام أن تفخر وتفاخر به وبوجوده في قيادتها.

إنها القيادة الحيدرية اليمانية التي سابقًا العالم {جَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أنفسهُمْ} جحد بها المعتدون لكنهم اليوم ما عاد في الكون أحد إلا ويعرف هذا القائد وصدقه، والعالم قاطبة يشهد بشجاعته، وكيف أنهُ رغم تهديد ووعيد أمريكا ظهر هو ليتحدى أمريكا ويتحدى العالم المتصهين أجمع.

أَيَّةُ عزة هذه؟ وَأَيَّةُ عظمة؟ وأيُّ فضل نِلناه كشعبٍ يمني وكأمةٍ إسلامية، وأي وصف يفيه وَأَيَّةُ حروفٍ تحتويه؟

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com