أُستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء الدكتور أمين الغيش في حوارٍ لصحيفة “المسيرة”: الاستيلاءُ على السفينة الإسرائيلية عملية عظيمة جِـدًّا والبحر الأحمر أصبح غيرَ آمنٍ ومغلَقاً في وجه الملاحة الصهيونية
المسيرة – حاوره إبراهيم العنسي:
أكّـد أُستاذُ العلوم السياسية بجامعةِ صنعاءَ، الدكتور أمين الغيش، أن “منطقتنا لا يمكن أن تنعم بالأمن والاستقرار ما لم يتم إخلاؤها من جميع القواعد العسكرية الأمريكية والأجنبية، وفي مقدمتها الكيان الصهيوني؛ باعتباره قاعدةً استعماريةً متقدِّمة للغرب الأُورُوبي والأمريكي”.
وقال في حوارٍ خاص مع صحيفة “المسيرة”: “لولا الحكام العرب لَمَا كانت إسرائيل ولما تجرأت على إبادة غزة بهذا الشكل أمام مرأى ومسمع العالم”.
وأكّـد أن مشاركة اليمن في “طُـوفان الأقصى” وَالاستيلاء على السفينة الإسرائيلية عملية عظيمة جِـدًّا وَالبحر الأحمر أصبح غير آمنٍ ومغلقاً في وجه الملاحة الصهيونية.
إلى نص الحوار:
– بإعلان اليمن دخول المواجهة مع العدوّ الإسرائيلي وقصف أم الرشراش المحتلّة.. كيف انعكس هذا على الداخل اليمني بشكل عام سواءً في مناطقنا أَو في المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الإماراتي السعوديّ كموقف يحصل لأول مرة؟
في البدءِ نَوَدُّ التأكيدَ على أن عمليةَ “طُـوفان الأقصى” التي حدثت في ٧ أُكتوبر ٢٠٢٣م والتي يصفونها بالعُبُور الثاني، نضيفُ إلى ذلك الوصف بالقول بأنها أَيْـضاً حربُ تحرير فلسطين كُـلّ فلسطين من النهر إلى البحر ومن رأس الناقورة إلى أم الرشراش وأنها ليست حربَ تحريك للقضية الفلسطينية فقط.
ثانياً: نؤكّـدُ على أن إطالة أمد الصراع وتوسعة الجبهات وتعدد الأهداف؛ لتشملَ كُـلَّ القواعد الأمريكية في المنطقة بما في ذلك نظام آل سعود وآل نهيان وبالتحديد منشآت أرامكو ومنشآت أدنوك النفطية في الإمارات، ونؤكّـد أن المنطقةَ لا يمكنُ أن تنعَمَ بالأمن والاستقرار ما لم يتم إخلائها من جميع القواعد العسكرية الأمريكية والأجنبية، وفي مقدمتها الكيان الصهيوني؛ باعتباره قاعدةً استعماريةً متقدمةً للغرب الأُورُوبي والأمريكي.
ثالثاً: نؤكّـد على أهميّة هزيمة هذا الكيان؛ باعتباره كما يقول السيد حسن نصر الله، أوهن من بيت العنكبوت، إذَا ما تم توجيه الضربات القاتلة لجيشه؛ لأَنَّ بقاءَه متوقِّفٌ على وجود الجيش؛ فإذا ما انهزم هذا الجيش انهار هذا الكيان وتهاوى وتفككت دولته؛ لأَنَّ المستوطنين هؤلاء لا تربطهم بكيانهم روابط وطنية ومواطنة، وَإنما تربطهم المصلحة، وبالتالي فهم مستوطنون وليسوا مواطنين، فالكيان الصهيوني وعد هؤلاء بالأمن والاستقرار والتنمية والرفاه أفضل مما هو في بلدانهم الأصلية فلجأوا إلى هذه المنطقة وَإذَا ما خسروا أَو فقدوا هذه الأشياء فَــإنَّهم سيعملون على الهجرة العكسية من جديد، واليوم نرى أن هناك ما يزيد عن ٣٠٠ ألف مستوطن صهيوني قد غادروا فلسطين المحتلّة وبعض هؤلاء المستوطنين كملاحظة بعضهم يهود والبعض غير يهود، حَيثُ إن اليهود كما يعلم الجميع ليسوا شعباً واحداً فهم مثلهم مثل المسيحيين مثل المسلمين، متعددي الأعراق والقوميات؛ أي هناك يهودي فرنسي ويهودي بريطاني ويهودي ألماني ويهودي بولندي ويهودي أوكراني وروسي وأمريكي وعربي، وهكذا.
وبالتالي ليس لهم الحق في أن يكونوا في فلسطين باسم دولة يهودية؛ لأَنَّهم ليسوا شعباً واحداً بل هم شعوب حول العالم، وفلسطين هو اسم الدولة وليست إسرائيل.
نؤكّـد أَيْـضاً أنه لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بالكيان الصهيوني وأن التطبيع خيانة وأن تبني خيار الدولتين خيانة.
– لكن تصريحات العرب الهزيلة وفي أعلى سقف لها يمكن القول إنها تمن على أصحاب القضية الفلسطينية بالحديث عن حَـلّ الدولتين؟
في أي مفاوضات قادمة لا يجوز أن يكون هناك تفاوض أَو طرح لمسألة خيار الدولتين، أي أن الثابت هو دولة فلسطينية وَإذَا كان هناك يهودٌ فلسطينيون وأرادوا العيشَ فيها فهم سيكونون ضمنَ الشعب الفلسطيني وليسوا كياناً آخرَ.
أيضاً نؤكّـد على أن تحرير فلسطين يبدأ بتحرير العواصم العربية وأول هذا التحرير يبدأ من رام الله وهذه نتيجة توصل إليها جمال عبدالناصر في حرب ١٩٤٨م حين قال تحرير فلسطين يبدأ بتحرير القاهرة، واليوم لدينا قواهر كثيرة وبعضها كان موجوداً قبل وجود الكيان مثل آل سعود؛ ذلك أنه لولا حكام العرب لَمَا كانت إسرائيل ولَمَا تجرأت على إبادة غزة بهذا الشكل أمام مرأى ومسمع العالم، ولما تجرأ الغرب وعلى رأسه أمريكا بدعم هذا الكيان بهذا الشكل السافر، وإسقاط هذه القيادات شرط أَسَاسي لتحرير فلسطين وبناء الدولة العربية الواحدة.
مع التأكيد على أن ما حدث ويحدث في العراق وفي سورية وفي اليمن وفي لبنان وَليبيا يصدر من مشكاة واحدة وهي الصهيونية.
إذاً الرابط بين هذه الحكومات والغرب والأمريكان للأسف الشديد هي الصهيونية الماسونية، وهذا ما عبر عنه الملك فيصل في رسالته للملك حسين المؤرخة 1969م.
– المؤشرات تقولُ إننا على مقربةٍ من وعد الآخرة بتحرير الأقصى المبارك؟
مشاركتنا كيمنيين مع إخواننا في فلسطين نرجو الله أن تكون هذه هي “وعد الآخرة” وأن نكون وأُولئك المجاهدين عباد الله المذكورين في القرآن الكريم الذي وصفنا وإياهم بعباد الله كما في قوله: “بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ”، فهذا هو موعدنا وهذا هو قدرنا ومسؤوليتنا تجاه ربنا وأمتنا، وقرار المشاركة هي ترجمة عملية لتطلعات شعبنا ومطالب أمتنا ومساندةً ونصرةً لإخواننا الشعب الفلسطيني البطل، ترجمةً لقوله تعالى: “وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ”، وقال تعالى: “إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا”.
إذاً منطلقاتنا أخي العزيز هي منطلقات قرآنية إيمانية مبدئية ومن الطبيعي أن يكون لمثل هذه المشاركة تأثيرات إيجابية على الداخل اليمني؛ على اعتبار أن القضية الفلسطينية هي أُمُّ القضايا وأنها القضية الجامعة والمركزية، وبالتالي فهي معيار لوطنية الفلسطيني وعروبة العربي وإسلامية المسلم وإنسانية الإنسان وهذا هو الإسلام، ولهذا كان تفاعل اليمني في الداخل والخارج هو تفاعل إيجابي إيماني أشعرهم بالفخر والاعتزاز، فغزة اليوم توحدنا؛ وهو ما ينسجم مع قول البعض من اليمنيين نؤجل اختلافاتنا إلى ما بعد غزة، والبعض قال برغم أن الحوثي وأنصار الله هم أشد أعدائي إلا أننا معهم في هذا القرار نؤيدهم ونبارك تحَرّكاتهم وعلى الجميع أن يقف خلف السيد عبدالملك.
وجاءت هذه المشاركة لترد الاعتبار للشعب اليمني والشعب العربي ولتؤكّـد مقولة إن الكيان الصهيوني أوهن من بيت العنكبوت.
– دخول صنعاء معركةَ نصرة ودعم فلسطين كشف الكثيرَ من أقنعة التخفي لأنظمة طال بقاؤها لعقود طويلة في حكم المنطقة العربية خدمةً للمشروع الرأسمالي الصهيوني، في الوقت ذاته كان للموقف الإيماني اليمني أثر وصدى واسع الانتشار.. كيف تشرحون صورة ما جرى؟
كانت لمشاركة اليمن تأثيراتٌ كبيرة جِـدًّا على الشارع العربي والإسلامي، بل حتى على الشارع العالمي إلى درجة أن رأيت أعلامَ اليمن تُرفَعُ في البرازيل.
هذه المشاركة كشفت وعرَّت بعضَ الأنظمة العربية كالنظام السعوديّ والإماراتي والبحريني والأردني والمصري والتي ادَّعت وتدَّعي حرصَها على الأمن القومي العربي والحضن العربي، والتي شاركت جميعها مع أنظمة أُخرى وقادت عدوانًا وحصارًا على اليمن تحت عنوان “الحضن العربي” وَ”الأمن القومي العربي”، وعندما حان موعد أن يكون الناس عرباً وينتصرون للأمن القومي العربي والقضية العربية ظهرت اليمن أنها من تتزعَّمُ وتدافع ُعن هذا الأمن القومي العربي وهي من تدافع عن العرب والقضية العربية المقدسة وهي من تعمل على تأمين الأمن القومي العربي وبالذات في البحر الأحمر، ذلك؛ لأَنَّ هذا البحر كما تعلم أغلب الدول المطلة عليه هي دول عربية باستثناء الكيان الصهيوني في جنوب فلسطين المحتلّة وإرتيريا، لكن؛ لأَنَّ دولًا عربية أُخرى لها علاقات ومعاهدات “استسلام” مع الكيان الصهيوني كما مصر والأردن ووجود دول تطبع مثل السعوديّة والإمارات والسودان بطريقة أَو بأُخرى مع هذا الكيان الغاصب المحتلّ، وبالتالي يصبح اليمن هو المعني بأمن هذا البحر العربي والذي يجب أن يكون بحراً عربياً، لو أن هناك أنظمةَ حكم عربية وطنية، لَمَا سمحت بأن يكون بحراً دوليًّا.
وأمام العدوان على غزة انكشفت هذه الأنظمة وظهرت أنها والكيان الصهيوني شيئاً واحداً فهم أعداء الأُمَّــة العربية والخطر الحقيقي على الأمن القومي العربي وهذه الحقيقة ليست أمراً جديدًا أخي العزيز، فلو عدنا إلى التاريخ القريب ما بعد قيام الثورة المصرية عام ١٩٥٢م، وكيف تآمر كُـلّ هؤلاء الحكام ضد جمال عبدالناصر وقضية فلسطين، مثل النظام السعوديّ والأردني التي كانت خيانتهما ظاهرة وفي وقت لاحق الإمارات ولكن الإشكالية في خيانة نظام السيسي للأسف الشديد، وثبت تواطؤُ كُـلّ هذه الأنظمة مع الكيان الصهيوني وتم تعريتها كذلك حتى الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي للأسف الشديد، رغم أنها تمتلك من أوراق القوة ما يكفي لأن يعدلوا كُـلّ السياسات الدولية وأن يكونوا شركاء فاعلين، حَيثُ عددهم ٥٧ دولة يمثلون ما يقارب مليار وثمانيمئة مليون نسمة، وهاتان المنظمتان ملزمتان وفقًا لميثاقيهما بدعم ومساندة الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره، وعلى أن ينتقل مقر منظمة التعاون الإسلامي من جدة إلى القدس الشريف المقر الدائم، لكن للأسف الشديد تابعنا جميعاً ورأينا كيف كانت القمة الإسلامية هزيمة وكأنها أرادت أن تعطي ضوءاً أخضرَ للكيان الصهيوني.
إذاً هذه الأنظمة هي نقطة الضعف بالنسبة للمقاومة في غزة ونقطة ضعف في جسد النظام العربي، وللأسف الشديد وهي بنفس الوقت نقطة قوة للكيان الصهيوني، حَيثُ كان بالإمْكَان أن نتفهم موقف هذه الأنظمة لو أنها بقيت على الحياد (رغم أن الحياد في هذه القضية يعد خيانة) فليس حياد محايد، لكنها أبت إلا أن تكون متواطئة، إضافةً إلى ذلك فقد كان اقتياد السفينة الصهيونية من قبل القوات البحرية اليمنية بمثابة القشة التي قصمت ظهر هذه الأنظمة العربية، حَيثُ أوعزوا لذبابهم الإلكتروني للأسف الشديد للتقليل والإساءة من هذه العملية البطولية أكثر مما فعل الكيان الصهيوني، بالرغم من أن هذه العملية عظيمة جِـدًّا ولها ما بعدها، حَيثُ أصبح البحر الأحمر بالنسبة للصهاينة غير آمن ولا يمكن المرور فيه، بل أصبح عمليًّا مغلقًا في وجه الملاحة الصهيونية، وهذه ستكون لها آثار وتبعات كبيرة جِـدًّا على هذا الكيان، كما أنها سارعت بإنجاز الهدنة بين المقاومة والكيان الصهيوني، حسب البعض، وستساهم وتساعد إخواننا في فلسطين في تحسين موقفهم التفاوضي لسحب قوات الاحتلال وتحرير غلاف غزة كمرحلة أولى على أن يظلَّ الكفاحُ المسلَّحُ خيارًا وحيدًا لتحرير فلسطين كُـلّ فلسطين، فعملية “طُـوفان الأقصى” قد وجّهت لكمةً قويةً لهذا الكيان وجعلته يترنَّح.
– برأيكم هناك من يقول إن صدى تحَرّك صنعاء في حرب غزة والإعلان الرسمي عن دخول المعركة كان له وقع في السعوديّة والإمارات كدول وظيفية كانت مهامها تتركز في صهينة المنطقة العربية باستخدام النفوذ والمال الخليجي والاستهداف والتآمر على الدول والقوى المناوئة.. هل سقط هذا المشروع التآمري على العرب؟
أولاً: هذه أنظمة وظيفيةٌ، ووظيفتُها معلومةٌ سلفاً منذ النشأة وبالذات النظام السعوديّ والإماراتي والأردني، حَيثُ إن نشأتها هي نشأة بريطانية في الأصل، ونعلم مواقف آل سعود كما قال عبدالعزيز مع المساكين اليهود، حَيثُ قال في رسالة لبيرسي كوكس ممثل بريطانيا في المنطقة إنه لا يمانع من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود وأنه لا يخرج عن رأي بريطانيا حتى تصبح الساعة، وكذلك موقف الملك فيصل فيما بعد منتصف الستينيات، حَيثُ قيل إن احتلال غزة في حرب ١٩٦٧م واحتلال سيناء المصرية كان بطلب من الملك فيصل؛ لأَنَّ ذلك كان من وجهة نظره؛ بهَدفِ إجبار جمال عبدالناصر على الخروج من اليمن وبعدها حصلنا على رسالة موثقة في مجلس الوزراء السعوديّ مرسلة من الملك فيصل إلى الملك الحسين ملك الأردن في ١٩٦٩م وجاء فيها طلب الملك فيصل من ملك الأردن بضرورة مقاومة المقاومة الفلسطينية والناصرية والقومية والبعثية، حَيثُ قال في رسالته: “يشهد الله إن شر إسرائيل لا وجود له مقارنةً بشرور المقاومة الفلسطينية والناصرية والبعثية والقومية” التي وصفها بالزمر المفسدة والملحدة.
وَقال: إن كُـلّ هذه التسميات وإن اختلفت في مجاريها فَــإنَّها تصب في بؤرةٍ واحدة وهي بؤرة الهدم ضدنا وضد أصدقائنا الأمريكان، والإنجليز، وأنصار النظام الغربي، وأنه يؤكّـد رغبته الملحة ورأيه النهائي بالقضاء على كُـلّ هذه الزُّمَرِ المفسدة والملحدة، وهذا يبين أن مواقفَ هذه الأنظمة ليست جديدةً وَلا غريبة.
– لكن هناك بعض المخدوعين من لا يزال يتوهم بهؤلاء خيراً للأُمَّـة!
للأسف هناك من المواطنين العرب لا يزال يظن بهذه الأنظمة أنها أنظمة وطنية وأنها تعمل حتى للقضية الفلسطينية وأنها من تدافع عن الإسلام رغم كُـلّ ما يحدث في الرياض وأبو ظبي أكثر مما كان، ومع ذلك علينا أن نعمل على التوعية وأن نوصل مثل هذه الرسائل الموثقة في مجلس الوزراء السعوديّ لعام ١٩٦٩م، والتي اطلعت عليها قبل فترة.
– ماذا عن التآمر على اليمن.. ألم ترفع مشاركةُ اليمن في هذه المواجهة الكبيرة من أسهم صنعاء عاليًا في المنطقة العربية وحتى في الخليج؟
نعم أسهُمُ صنعاء باتِّخاذها قرارَ المشاركة على مستوى الشارع العربي والعالم عاليةٌ جِـدًّا؛ باعتبارها من وجهة نظر الشعوب تحقّقُ التطلعات وتعبِّرُ عن تطلعات الأُمَّــة العربية وطموحاتها لكنها من الناحية الرسمية خطفت الأضواء كما يقال عن هذين النظامين، النظامُ السعوديّ الذي يتوهم البعض أنه المدافِعُ عن الأُمَّــة وقائدُ الأُمَّــة العربية زوراً وبهتاناً، حَيثُ تسببت لهذه الأنظمة في إحراج وانكشاف وتعرية أمام الأُمَّــة قاطبة ولهذا فَــإنَّها تكن لليمن عداوة يصل إلى الكُره؛ ولهذا فالتآمر على اليمن لا يزال مُستمرًّا وسيستمر ولن يتوقف إلَّا بتوجيه ضربات حاسمة من صنعاء لمنشآت أرامكو السعوديّة وأدنوك الإماراتية وإلغاء اتّفاقيتي الطائف وجدة.
وبطبيعة الحال فَــإنَّ قيادتنا السياسية والثورية مدركة لكل ذلك التآمر على اليمن ومع ذلك فهي أمام القضايا المبدئية مُستمرّة في إسناد المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بفتحها جبهة في البحر الأحمر لتشتيت قوة العدوّ الصهيوني.
– بالنظر للأحداث الأخيرة أسقطت صنعاء طائرة أمريكية تجسسية عالية التقنية إلى جانب الاستيلاء على سفينة “غالاكسي ليدر”.. ألا يظهر هذا أن صنعاء تتحَرّك بذكاء وتخطيط جيد مع إدراك أن أمريكا حذرة من السقوط في البحر الأحمر أَو أنها تخاف من الوقوع في مستنقع استنزاف دولي في اليمن؟
بالفعل صنعاء قيادة وحكومة تتحَرّك بذكاء وفق رؤية واضحة وإدارة متقدمة وخطة دقيقة وتمتلك الشجاعة والجرأة في اتِّخاذ القرار، فالدخول في مواجهة مع أمريكا يحسب له الجميع ألف حساب، لكن بالنسبة لنا على الأقل هو شعار رفع منذ 2002م وهذا يؤكّـد أن الأحداث التي تجري في المنطقة وبالذات في غزة تؤكّـد لكل ذي عقل أن أمريكا وراء كُـلّ ما يحدث في المنطقة، وبالتالي فَــإنَّ شعار الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل هو شعار صحيح؛ لأَنَّ كُـلّ ما يحصل في منطقتنا سببه الأمريكان، أَيْـضاً الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة تقوم على أَسَاس إثارة الصراعات والنزاعات وتغذيتها ولكنها لا ترغب أَو لا تريد أن تتسع هذه الصراعات وتخرج عن السيطرة، حَيثُ إن هذا يقلقها بطبيعة الحال ولا يساعدها.
وفي الحرب الحالية ترى أن هناك محورًا إلى جانب صنعاءَ وقد فتحت عدة جبهات إلى جانب جبهة غزة؛ فهناك جبهة الجنوب مع اليمن وجبهة في جنوب لبنان وشمال فلسطين، وتعرضت القواعد الأمريكية في العراق وسوريا لهجمات بالصواريخ والطيران المسيَّر؛ فأمريكا حذرةٌ جِـدًّا، وبالتالي تحاولُ أن تتجنَّبَ التصعيد، لكنها ستسعى إلى إشغال صنعاء، هي لن تسكُتَ بطبيعة الحال وستعملُ على إشغال صنعاء بإعادة الصراع من جديد وستوظف المرتبات وَالحصار وغيرها.
– احتجاز السفينة الإسرائيلية.. كيف تقرأون ما حدث في سياق سياسي اقتصادي لكيان غاصب يعتمد في تجارته وغذائه على البحر الأحمر ونقصد العدوّ الصهيوني؟
احتجازُ السفينة الإسرائيلية له أكثرُ من بُعْــدٍ؛ فمن الناحيةِ السياسية فَــإنَّ تنفيذ قرار القيادة الثورية باقتياد السفينة قد فتح جبهة جديدة مع الكيان الصهيوني وعدها البعض بأنها ٧ أُكتوبر جديد، التحم فيه طوفانُ اليمن مع “طُـوفان الأقصى” وبيّن شجاعةَ ومبدئيةَ وإيمانَ القيادة اليمنية وعدمَ اكتراثها بسياسة الترغيب والترهيب، كما أنه ترجم التزاماتِ اليمن الدينية والقومية والأخلاقية والإنسانية.
ومن الناحية العملية يعني هذا الحدث إغلاق الملاحة في وجه الكيان الصهيوني عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، والأكثر من ذلك وضع الكيان الصهيوني نفسه في محل تساؤل، مؤكّـداً أنه كيان مؤقت وأن زواله أصبح قريباً وهي ليست تمنيات، بل هي حقيقة القرار الذي أظهر هشاشة كيان العدوّ بعد أن كان يصور على أنه سوبر مان المنطقة.
كذلك فَــإنَّ الاحتلال الإسرائيلي لم يعد قادرًا على القيام بدوره الوظيفي في المنطقة وقد أصبح عبئًا على مشغليه؛ بمعنى أن تكلفةَ بقائه أكبرُ بكثير مما قد يجلِبُه لمشغِّليه من فوائدَ، وقد يتسبب إذَا استمر في مآسٍ لمشغليه، هذا من الناحية السياسية.
من الناحية القانونية يعتبر القرارُ عملاً مشروعاً بنَصِّ الهدف الثاني من أهداف الأمم المتحدة من المادة الأولى الذي يؤكّـد على حَقِّ جميع الشعوب في تقرير المصير، وَهذا الهدف من الأهداف التي تأسَّست عليها الأمم المتحدة وقامت على ثلاثة أهداف.
وهو عملٌ مشروعٌ بنص المادة ٥١ والفقرة ١ من المادة 52 من ميثاق الأمم المتحدة، وكلاهما يتحدثان عن الدفاعِ عن النفس وعن حماية السلم والأمن الدوليَّينِ، وهو كذلك عمل مشروع بتأكيد نصوص ميثاق الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي التي تلزم جميع الدول الأعضاء ٥٧ دولة كما أشرنا قبل بمساندة فلسطين حتى تحقيق استقلالها الكامل.
ومن الناحية العسكرية فبحسب متابعتنا للمحللين العسكريين العرب حتى لا يقال إننا متحيِّزون لرأي المحلل العسكري اليمني، حَيثُ قالوا: إن عملية الإنزال كانت من أرقى عمليات الإنزال والتي تمت على ظهر هدف متحَرّك، وتؤكّـد العملية أن هناك جهودًا كبيرة بُذلت تخطيطاً وإدارةً وتدريباً، وقد أثارت إعجابهم جميعاً، وبالتحديد أنها تمَّت في عُرض البحر الأحمر، حَيثُ توجدُ السفنُ الأمريكية والصهيونية والقواعدُ العسكرية الأُخرى الموجودة في المنطقة.
ومن الناحية الاقتصادية، حَيثُ إن هذا الفعلَ سيكبِّدُ الكيانَ الصهيونيَّ خسائرَ فادحةً وكبيرةً في أسعار السلع وبالذات المواد الغذائية؛ كون أن ٧٠ % أَو أكثر من تجارة الكيان الصهيوني الغاصب تأتي عبر البحر الأحمر وميناء أم الرشراش “إيلات”.
– كيف يمكن أن يساعدَ هذا إخوانَنا في فلسطين وغزة بما فيه مساعدتهم في جانب التفاوض مع العدوّ مع تأكيد صنعاء الاستمرار في تعقب السفن الإسرائيلية؟
لا شك في أن فتحَ جبهة جنوبية جنوبي البحر الأحمر مع الكيان الصهيوني ساعَدَ إخواننا في غزة ورفع معنوياتهم، حَيثُ أشعرهم أنهم ليسوا وحدهم، كما أن الاستيلاء على السفينة وإعلان صنعاء تعقب السفن التابعة للكيان إلى جانب سفن الدول الداعمة للكيان الصهيوني هو تأكيد من صنعاء على أن فلسطين ومقاوميها ليسوا وحدهم، وقد جاء على لسان البعض من الفلسطينيين أن هذه العملية قد سرعت بالتوقيع على اتّفاق الهدنة المؤقتة، حَيثُ كان “النتن ياهو” وقياداته العسكرية قلقون جِـدًّا وخائفون على مصلحتهم كأشخاص، حَيثُ لا يتصرفون كحكومة، هي في استمرار العدوان وإن كان ليس للكيان أية مصلحة في ما يحدث، بل هو في حاجة لهُدنة وتوقف القتال؛ لأَنَّ إطالة أمد الصراع ليس في صالح الكيان كسلطة، وكذلك مصلحة داعميهم الذين لا يرون الاستمرار واتساع الجبهات ليس في صالحهم، وعلى العكس من ذلك يأتي هذا في صالح المقاومة ويخدم هدفها النهائي في التحرير، فكلما اتسعت جبهات المواجهة وطال الأمد فسيخدمها لفرض شروطها نهاية المطاف.
وقد أعطى احتجاز السفينة المقاومة أوراقاً إلى جانب الأوراق التي هي بحوزتها في التفاوض لتتقدم بالمزيد من الطلبات ليس فقط في جانب الهدنة الحالية بل لما هو أبعد، حَيثُ تستطيع أن تطور هذه الاتّفاقات مستقبلاً، بحيث يشمل جميع الأسرى وتبييض السجون وإخراج كُـلّ الأسرى الفلسطينيين من سجون الكيان.
وهي بهذه الأوراق تستطيع أن ترغم العدوّ للانسحاب من كُـلّ المواقع التي وصلها والتي كان فيها غلاف غزة كمرحلة أولى، مع الأخذ في الاعتبار أن الهدف من هذه العملية هي تحرير فلسطين وهذا ما يجب أن يكون عليه، حتى نصل إلى مبتغانا بتحرير الأرض الفلسطينية بالكامل، حَيثُ إن علاقة الشعب الفلسطيني بالأرض هي علاقة انتماء قوية على عكس المستوطنين الصهاينة كما أشرنا قبلًا لعلاقتهم النفعية بالمكان الذي هم فيه دون انتماء.
وبالتالي مهما كان الخراب والدمار وأعداد الشهداء وحجم التضحيات لدى الفلسطينيين فَــإنَّ علاقة الفلسطيني بالأرض هي علاقة متجذرة؛ ولهذا هم متمسكون بالبقاء والصمود، وهذا الصمود مع اتساع الجبهات والصراع ورفض التهجير سيمكن المقاومة من تحقيق شروطها، وعندما نؤكّـد على الصمود والثبات فالله سبحانه وتعالى أكّـد على ذلك بقوله: “وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ، إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ، وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ، وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا”.
وقال تعالى: “أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ”.
وأبطالنا في غزة مع كُـلّ هذا الصمود والثبات يحق لهم أن يستبشروا بالنصر، ويحق لهم أن يدعوا الله بالنصر، والله وعد عباده المظلومين بالنصر كما قال سبحانه: “أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ”.
وقال تعالى: “وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ”، والله سبحانه وتعالى سيمنحهم القوة والثبات مصداقاً لقوله الكريم: “إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا، سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ” صدق الله العظيم.
فاثبتوا واصبروا وصابروا ورابطوا، والنصر حليفكم إن شاء الله.
– متى يمكن برأيكم أن يرتفعَ سقفُ الاستهداف صوبَ السفن الداعمة للعدو؟
رفع السقف من قبل قيادتنا الثورية متوقف ومرتبط كما صرح بذلك الناطق الرسمي للقوات المسلحة اليمنية بتطور الموقف في غزة هذا بالنسبة للدول الداعمة للكيان.
أما بالنسبة للكيان الصهيوني، فالإعلان واضح، والسقف مفتوح.
– ألا يبدو التحَرّك اليمني الجريء وغير المسبوق قد أربك واشنطن وحلفها كثيراً؟
من حَيثُ إن تحَرّك اليمن قد أربك الإدارة الأمريكية هذا أكيد؛ فأي تحَرّك جاد وفاعل يربك العدوّ، حَيثُ لم تكن واشنطن تتوقع مثل هذا القرار الجريء، والإدارة الأمريكية قد خبرت قوة المقاتل اليمني وعقيدته القتالية الواضحة خلال تسع سنوات، واليمن اليوم بقيادته الجديدة وَما تتمتع به من إرادَة وقدرة وَما تتمتع به من موقع فريد ومتميز على مستوى العالم، يجعلها ذات تأثير واضح؛ فاليمن التي تمتلك سواحل وشواطئ طولها حوالى ٢٧٠٠ كيلو متر وتشرف على ثلاثة بحار؛ هي البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن وتطل وتتحكم في مضيق باب المندب وهو من أهم المضائق في العالم، ولديها أوراق قوة، وكما قال البعض إن اليمن تتمتع بموقع فريد جيوبوليتيك؛ ففيه وعدٌ بمصلحة وتهديد بتدخل أجنبي.
وهذه الأوراق تتوقف على فاعلية القيادة وقوة الدولة وتترجم من خلال المواقف والقرارات التي تتخذها سلطات هذه الدولة، وهذا ما فعلته القيادة اليمنية وهو ما أربك واشنطن؛ لأَنَّها لا تريد كما قلنا سابقًا اتساع الصراع حتى لا يخرج عن سيطرتها.
– برأيكم ما انعكاساتُ هذا الدور على الحضور الأمريكي الغربي السعوديّ الإماراتي جنوب الوطن؟
فيما يخص تأثيرات المشاركة وانعكاسها على الحضور الأمريكي والغربي هذا يتوقف على استمرار العمليات العسكرية وهذا ليس من قبل اليمن فقط، بل من قبل محور المقاومة بما فيه اليمن.
وبطبيعة الحال ستكون تأثيراته كبيرة جِـدًّا ليس على المستوى اليمني فقط بل حتى على المستوى العربي أَو ما يسمى بالشرق الأوسط (وهذه تسمية بالمناسبة ليست التسمية الحقيقية للمنطقة بل هي تسمية استعمارية للمنطقة؛ لأَنَّ اسمها الوطن العربي أَو المنطقة العربية، وليس العالم العربي حتى)، وبالتالي كان لدى الأمريكي طموحاتٌ في إعادة رسم خارطة الوطن العربي تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد، أَو الشرق الأوسط الكبير وعلى ما اعتقد أن المتخصص الذين قدم تصورات حول هذا المشروع كان الصهيوني من أصل بريطاني بيرنارد لويس والذي عاش وتجنس أمريكياً، حَيثُ أصبح مستشاراً للرئيس الأمريكي جورج بوش، وقد قدم خارطة مفصلة لكيفية تقسيم الوطن العربي على أَسَاس عرقي ومناطقي ومذهبي، لكن كما جاء الرد سابقًا من قبل حزب الله في جنوب لبنان، من أن رسم خارطة الشرق الأوسط أَو الوطن العربي وهو التسمية الصحيحة، سترسمها المقاومة، واليوم محور المقاومة بما فيه اليمن سيعيد رسم هذه الخارطة إن شاء الله بِمَا يخدم استقلال واستقرار المنطقة وإخراجها عن الوصاية الأمريكية والغربية لتبقى خيرات العرب للعرب، وسيشارك فيها اليمن بقوة.
واليمن وَالحمدُ لله مع القيادة الجديدة بعد ٢٠١٤م وبعد العدوان والحصار الذي ما يزال مُستمرّا أصبح يمناً أقوى ومغايرًا ليمن ما قبل ٢٠١٤م، وله دور أَسَاسي وفاعل في رسم السياسة في المنطقة العربية، إن لم نقل تتعداها؛ فلا يمكن أبداً أن يتخذ قرار بخصوص المنطقة، ما لم يكن لليمن رأيٌ فيه ومحور المقاومة بشكل عام، وهذا هو الأصل.
– ما الذي يمكن أن يفعلَه الأمريكان والغربُ مقابلَ هذا التحول شديد الأثر على إسرائيل لتجاوز هذه المعضلة؟
الأمريكي والغربي بكل حال لا يمكنهم فعلُ الكثير، ومع ذلك فكل الاحتمالات واردة، حَيثُ إن قيادتنا وجيشنا لا يخشون في الله لومة لائم، ولسان حالهم يقول: “الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ” صدق الله العظيم.
ولولا مواقف بعض الأنظمة العربية وبالذات الأنظمة المحيطة بفلسطينَ كالنظام السعوديّ والأردني والمصري، والبعيدة مثل النظام الإماراتي والمغربي، لكنا نحن العرب في وضع يسمح لنا بإملاء شروطنا في الميدان وعلى الطاولة وُصُـولاً إلى تنفيذها، ذلك أن لدى العرب من أوراق القوة أكثر مما هي لدى غيرهم، فلدينا النفط ولدينا المضائق من مضيق هرمز إلى باب المندب إلى قناة السويس، إلى مضيق جبل طارق ولدينا البحار من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط، إلى خليج عدن وبحر العرب والخليج العربي.
ولدينا الجيوش الجرارة، بالإضافة إلى أن العرب يعدون ما يقارب ٥٠٠ مليون نسمة ومساحة ١٤ مليون كيلو متر مربع، ولو كان لهم كلمة أَو على الأقل وقفت مثل هذه الأنظمة على الحياد -علمًا بأن الحياد في مثل هذه الحالة خيانة- لَمَا بقي الكيان؛ فهو عار على هذه الأنظمة وعلى شعوبها أن تبقى فلسطين مستعمرة وقاعدة متقدمة للاستعمار الغربي لفصل مشرق الوطن العربي عن مغربه، ومع ذلك نحن ندعو تحسباً لأي طارئ أن يكون هناك اجتماع على مستوى القمة لقادة دول محور المقاومة ومعهم قادة كُـلٍّ من تونس والجزائر وليبيا والعراق وقطر وعمان وتركيا والكويت التي نعتقد أن لها مواقفَ مؤيِّدةً ومساندةً لغزة وللمقاومة، والطلب من الأنظمة والدول المحيطة بفلسطين أن تفتح المعابر والحدود وأن تسمح بمرور المجاهدين، فسيكون أمراً مناسباً.
– هل يمكنُ القولُ: إن امتلاكَ وانتشارَ السلاح عالميًّا قد سهَّل تقييدَ حركة تحالف العدوان الذي تتزعَّمُه أمريكا، حَيثُ أصبحت بوارجُها وحاملاتُ طائراتها في متناوَلِ استهداف محور المقاومة بقوة بدليل ما يحصل في البحر الأحمر وتأكيد صنعاء قدرتها على ضرب هذه القوات المعتدية حتى خارج منطقة البحر الأحمر؟
انتشارُ السلاح وامتلاكُه وحدَه لا يكفي، يجبُ أن تكونَ هناك قيادةٌ وإرادَةٌ لديها القدرة والجرأة لتفعيل ذلك السلاح واستعماله، فكثير من الأنظمة العربية التي ذكرنا وحتى الأنظمة الإسلامية تمتلك أسلحة أكثر تطوراً وعدداً ولديها جيوش قوية لكنها للأسف بدون عقيدة قتالية، بدون فاعلية، وما تمتلكُه من سلاح هو سيف كما يقال في يد عجوز، بل الأسوأ من ذلك أن تلك الأسلحة وتلك القوة تستخدم لمساندة المعتدي المحتلّ كما حصل في اعتراض الصواريخ البالستية اليمنية والطيران المسيَّر التي أطلقت من اليمن صوب إيلات “أم الرشراش”، وَأمريكا -كما أكّـدنا- تخشى ممَّن لا ينفعُ معهم الترغيبُ أَو الترهيبُ وممن أياديهم خفيفةٌ على الزناد.
وكما يقول الشهيد عيسى محمد سيف: طريقُ النضال مخاطرُ، وطريقُ النصر تضحيات.
– يمكن القولُ: إن العدوانَ على غزة قد قلَب الصورةَ عن صنعاء وأنصار الله ومحور المقاومة رأساً على عقب في الذهنية العربية ومشاعر الشعوب.. ما تعليقُكم؟
ما حصل لم يقلب الصورَ التي رسّخها العملاءُ في أذهان الشعوب عن محور المقاومة فحسب، بل عرَّى بعضَ الأنظمة العربية المهترئة التابعة والخاضعة للغرب، ولسانُ حال الكثير من النشطاء العرب -ومنهم مواطنون كُثْرٌ من هذه الدول العربية- يقول: إن صنعاء انتصرت لغزة وهاجمت الكيان الصهيوني نيابةً عن العرب، ووسائل التواصل الاجتماعي مليئة بتلك المشاركات وفي نفس الوقت أظهروا أن آل سعود يعترضون صواريخ اليمن ومسيَّراته كموقف سعوديّ يناصر الكيان الصهيوني علناً، وهذا أمرٌ مؤسِفٌ، حالُه حالُ الأردن الذي اعترض صواريخَ لليمن، وهذا ليس جديدًا عليهما بالنظر لتاريخهما المتآمر على العرب.
– مع هذا هل تعيشُ السعوديّة والإمارات حالةً من التوجُّس لما بعد هذه المرحلة؟
نعم هما يتوجَّسان من عملية “طُـوفان الأقصى”، ومشاركةُ صنعاء قد عرَّتهما، وأكّـدت علاقتَهما بالكيان الصهيوني، وهما اليوم يتمنَّيان هزيمةَ المقاومة لكن الله سيخيِّبُ آمالَهما، ويجعلُ كيدَهما في تضليل، وبالذات وهما اللذان قد تماديا في طغيانهما وغيِّهما، وأوصلهما إلى مرحلة الغرور والدخول في مواجهة مع كُـلّ الأُمَّــة، وتلك جرأةٌ على الله وذلك من ذنوبهم المستوجِبة للعقاب الرباني قال تعالى: “وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ”.
وقال سُبحانَه: “وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا”، وذلك المترف هو من يضع نفسه فوق المساءلة، وهذا حال محمد بن سلمان ومحمد بن زايد للأسف الشديد، وفوق ذلك لم يكتفيا فقد خذلا المقاومة وتآمرا عليها وهنا يصدق قول الله تعالى: “إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا” صدق الله العظيم.
– بالنظر للقوة التي أظهرتها اليمن مع “طُـوفان الأقصى”.. ما حجم التأثير على مواقف وتحَرّكات وقناعات القوى الدولية فيما يخص التعامل مع اليمن ومع صنعاء كقوة حاضرة ومؤثرة في الأحداث؟
في البداية أود التأكيد على أن القوة اليمنية قوة دفاعية وموجّهة لخير الأُمَّــة ومصالحها وليست موجهة ضد أية دولة بعينها والواقع يؤكّـد ذلك.
وبالتالي المنطق يفترض من جميع الدول العربية والإسلامية احتراماً لسيادة واستقلال الدول أن تقيم علاقتها مع صنعاء؛ باعتبارها المعبرة بصدق عن إرادَة الشعب اليمني في الحرية والاستقلال، وهي المعبِّرةُ عن إرادَة الأُمَّــة في نصرة وتحرير فلسطين لكن للأسف هناك حساباتٍ سياسيةً أُخرى لصُنَّاع القرار، حَيثُ تغلب المصالح الآنية على المبدئية، واليوم الشيء المؤكّـد أن تلك الدول تحسب لصنعاء ألف حساب عندما تتخذ قراراً أَو تنوي القيام بأي عمل في المنطقة.
– كلمة أخيرة؟
“طُـوفان الأقصى” ٧ أُكتوبر هو تاريخ لتحرير فلسطين، كُـلّ فلسطين من رأس الناقورة إلى أم الرشراش ومن النهر إلى البحر، وليست عملية تحريك للقضية الفلسطينية.
كما نؤكّـد أن خيار الدولتَينِ قد سقط، وأن خيارَ الكفاح المسلح هو الخيارُ الوحيدُ لتحرير فلسطين وأخذ الحقوق وأن فلسطين ليست إلا لأبناء فلسطين عرباً مسلمين ومسيحيين ويهودًا، وأن على جميع المستوطنين الذين جُمِّعوا من كُـلّ أقطار العالم أن يعودوا إلى بلدانهم.
وأن إلحاقَ الهزيمة بالكيان الصهيوني قريبٌ، ورحيلُ أُولئك متوقف على هزيمة ذلك الجيش؛ فحين يفقد التجمعُ الصهيوني الأمنَ تنهار تلك الدولة وذلك الكيان، حَيثُ إن المصلحةَ هي كُـلّ ما يربطهم لا الوطنية والانتماء، على عكس الشعب الفلسطيني البطل المتمسِّكِ والمدافِعِ عن وطنه في كُـلِّ الظروف.