“طُـوفانُ اليمن” وتأثيراتُه القُصوى

 

عبدالجبار الغراب

انطلقت معركة “”طُـوفان الأقصى”” من العاصمة اليمنية صنعاء لإسناد ودعم المقاومة الفلسطينية كيقين إيماني مطلق راسخ، ونضال مشروع حقيقي، وجهاد وكفاح واجب أكيد، عنوانه البارز استرداد الأرضي المحتلّة والمقدسات المغتصبة من دنس الاحتلال الإسرائيلي البغيض، فما تم أخذه بالقوة لن يتم استعادته إلَّا بالقوة والتعاون والاصطفاف، وهذا ما سارت وأكّـدت عليه القيادة الثورية والسياسية ومعها مختلف مكونات وطوائف الشعب اليمني؛ مِن أجل القيام بتحقيقه، لتسير القيادة اليمنية في صنعاء ضمن هذا الإطار المبني على الالتزام التام نحو خلقها للأفعال وتأكيدها لصناعة الانتصار الذي طال انتظاره، وبهذا الشكل النادر في الاستخدام للقرار والذي شكل صدمة للأمريكان وللاحتلال الإسرائيلي بقوة القرار المتخذ من العاصمة اليمنية صنعاء لمساندة ومناصرة ودعم الشعب الفلسطيني بالأفعال والتنفيذ العسكري والمباشر، ليدلل هذا القرار اليمني نحو الصحوة العربية والإسلامية والشعور بالمسؤولية التي يتمناها ويحلم بالوصول إليها مختلف شعوب الأمتين العربية والإسلامية لاتِّخاذ مثل هذه القرارات للقادة والحكام أسوةً بالموقف الشجاع والعروبي والإسلامي الذي اتخذته القيادة في اليمن الغارق في الحصار والواقع تحت العدوان منذ أكثر من تسعة أعوام.

ليتبلور الموقف اليمني بالمشاركة الفعلية في معركة “”طُـوفان الأقصى””، ليكون لهذا الموقف النادر والشجاع شكله الأول في دعم ومناصرة وإسناد فعلي مباشر بالسلاح لنصرة القضية الفلسطينية، فلم يكن لهذا الموقف حدوثه في السابق لدعم وإسناد عربي للصراع مع الكيان الإسرائيلي، فبعد أن كانت أجزاء من أراضي مصر والأردن قابعة تحت سيطرة الكيان الإسرائيلي كان للصراع العربي الإسرائيلي زخمُه وشكلُه في التكاتف والاتّحاد كدول معها أراضٍ مستقطعة تحت سيطرة الكيان الإسرائيلي، وبعد أن تحرّرت أراضي سيناء وأقامت مصر والأردن علاقات تطبيع مع الكيان الإسرائيلي، كان تركهم لفلسطين وحيدةً تصارعُ وتقاوم الاحتلال منفردة لا داعم لها ولا مساند يسند ظهرها، لتدخل اليمن وتضع معادلة فريدة من نوعها أحيت بها الأُمَّــة الإسلامية وأعادت إلى الضمائر الإنسانية تفكيرها الصحيح لمناصرة المستضعفين في الأرض لمواجهة الطغاة المستكبرين في هذا الكون لإسنادها الفعلي لنصرة الشعب الفلسطيني بشكل مباشر وقوي وفعال.

وبالتالي إنَّ ما تحقّق للقضية الفلسطينية من ثمار عبر الإسناد والدعم الفعلي من الشعب اليمني فاق كُـلَّ التوقعات وبلغ مداه الكبير المؤثر، من خلال عدة عوامل وأوجه مختلفة هامة اتضحت معالمها ومؤشراتها الأولية المتصاعد تدريجيًّا، وهذا ما جعل الصهاينة ومعهم الأمريكان يعيدون ويراجعون حساباتهم للتطور السريع الذي أحدثه الجيش اليمني في استهدافه للكيان الإسرائيلي في عمق الأراضي المحتلّة، وكلّ هذا ظهر وبان وأوضحته مختلف وسائل الإعلام التابعة لهم، ومنها ما تم تداوله بالأحاديث لقادة العدوّ الإسرائيلي بالتعبير عن مخاوفهم من العمليات العسكرية والهجوم اليمني بالطائرات المسيَّرة والصواريخ الباليستية والمجنحة ووصولها لهذا البعد الجغرافي ولمسافات طويلة ضربت أهدافًا داخل الأراضي المحتلّة، وقلقهم التام لتنامي والتطور السريع للقدرات اليمنية وجدية تنفيذها للعمليات العسكرية ضد الكيان الإسرائيلي، وهي ما أربكت حسابات العدوّ الإسرائيلي وشتتت من أفكاره وجابهت كافةَ المخطّطات الأمريكية الحالية، خُصُوصاً في المنطقة والمتعلقة بدعمها للكيان الإسرائيلي بعدوانه على قطاع غزة من خلال نشرها واستقدامها للعديد من القطع الحربية العملاقة ولحاملات الطائرات والسفن والأساطيل البحرية بجعلها كردع أمريكي لأية محاولات قد تتخذ لإسناد المقاومة الفلسطينية وتحديداً من دول محور المقاومة الإسلامية.

وبمُجَـرّد الرد اليمني المباشر رغم مختلف الضغوطات والإغراءات والرسائل المقدمة لصنعاء عبر العديد من الوسطاء لإبعاد اليمن من اشتراكها لدعم المقاومة الفلسطينية، إلا أنه كان للقرار فعله التأكيدي وقوله الصادق لنصرة الشعب الفلسطيني، فالصورة تم إرسالها بشكلها الأولى للرد على التواجد الأمريكي وعدم مبالاتهم بهذا التواجد، وتنفيذهم لعدة عمليات عسكرية وإدخَالهم لمعادلة جديدة في الصراع مع العدوّ الإسرائيلي بضرب أي سفن تمر في البحر الأحمر وجعلها هدفًا مشروعًا يتوقف تنفيذه بإيقاف العدوان على قطاع غزة، والذي معها نجحت اليمن من عملياتها العسكرية في إحداث تأثيراتها الحالية وعلى المدى القريب على إعادة البحر الأحمر إلى الحاضنة الغربية، كُـلّ هذا أشعل مختلف المخاوف لدى الغرب والأمريكان لجدية تطور الصراع وتوسعه، لتعطي العمليات العسكرية اليمنية تأثيراتها القصوى نحو مختلف الأبعاد، فكان للدراسة والتحليل صور عديدة لوضع الحسابات؛ مِن أجل تداولها أمريكياً مع الكيان الصهيوني بخفض التصعيد تدريجيًّا، وَأَيْـضاً ما حقّقته القوات اليمنية في أنها أعادت إلى الذاكرة العربية الحلم العربي بالسيادة العربية.

لتعطي العمليات العسكرية العديدة للقوات المسلحة اليمنية تأثيراتها المتعددة، فاحتجاز السفينة الإسرائيلية في البحر الأحمر وبتلك المشاهد النوعية في طريقة الاحتجاز والسيطرة على السفينة الإسرائيلية عظمتها في السيطرة والتنفيذ، لتدرك بعدها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل خطورة هذا التأثير على جوانبهما الاقتصادية بالذات وأنه ما من خيار أمامها إلَّا وضع العديد من الترتيبات اللازمة تقود من خلالها بوادر أولية للخروج من الورطة التي أقدم عليها الصهاينة بعدوانهم الوحشي على قطاع غزة واستحالة تحقيق النصر طالما والمخاطر تزداد والأهداف تضرب والسيطرة والوجود الأمريكي يتقلص ويهدّد في البحار والممرات.

إن ما أحدثتها القوات اليمنية من معادلات كبيرة غيرت معها قواعد اللعبة في الصراع مع الأمريكان والصهاينة وأثبتت نجاحها وجعلت ما حقّقته القوات اليمنية من احتجازها للسفينة الإسرائيلية ضمن خيارات المقاومة الفلسطينية للتفاوض عليها، وأن العمليات العسكرية للقوات اليمنية أثناء الهدنة في حال ترقب ومتابعة وستعود وبفاعلية كبيرة طالما عاد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com