العربُ وآفةُ الاعتياد

 

زينب إبراهيم الديلمي

كفانا حزناً وتأوُّهاً على غزة، حتامَ هذا التكليف على أنفسنا وتحميلها ما لا طاقة لها، هي لحظة غضب وجيزة وانتهت، كم عسانا نتحمل ٦٠ يوماً ألماً ووجعاً وهو شيء ليس حاصلاً في أرضنا، لقد ضقنا ذرعاً من تحريم أنفسنا للمنتجات المُقاطِعة؟!

ماذا سنأكل إن لم نجد ما يسد رمق جوعنا غير هذه المُنتجات!! هي مرحلةٌ مؤقَّتة للكف عن تناول مأكولات مكدونالد وكنتاكي وبَلِّ الريق الناشف من كوكاكولا وستاربكس وبيبسي وسفن آب، والتحلية السريعة من جالكسي وسنيكرز وثمّ سنعاود مجدّدًا لتناولها، إلى متى سنبكي يوميًّا على الدماء المسألة، نريدُ أنّ نمارس حياتنا الطبيعيّة وقد تلُفَت عواطفنا؛ بسَببِ البكاء اليومي، لقد أصبحت أخبار غزة معتادة بالنسبة لنا، ما الجدوى من بكائنا ونحيبنا وما زال الإسرائيلي يقصف غزة، كفى كفى”؟!

هذا هو المنطوق الساذج والغبي للعرب الذين تعاطفوا مع مظلومية غزة كذباً وزوراً، وقد غزاهم آفة الملل والاعتياد وبرود المشاعر وجمود النّفير تجاه ما يحصل من إبادة صهيونيّة قذرة تطال الغزاويين برجالهم وأطفالهم ونسائهم وكهولهم وشبابهم، ولم يُبقِ هذا العدوّ الحقير شيئاً إلا وقد وضعه في إحداثيات الاستهداف الجبان، حتى الأسرى الفلسطينيين لم يسلموا من التوحش الصهيوني، إذ قام هذا العدوّ النافح برائحة النتانة والدعشنة بتعريتهم واقتيادهم إلى مكان الإعدام؛ ليرتكب هذه الجريمة الأبشع التي لا ترضى لها نواميس الكون بشن الجرائم بحق الأسرى المُسالمين.

نأسف أنّكم عرب وما أنتم بذلك، ونأسف أنّكم تتشدقون باسم الإسلام، وما الإسلام يرضى بأفعالكم التي تخدم أعداءه “اليهود والنصارى”، لقد لطختم عروبتكم بكيد التطبيع من هو أشدّ الناس عداوة لكم، وما أنتم بفالحين سوى إصدار التنديدات الكلامية التي لم تحَرّك ساكناً لنجدة أهلنا في غزة، ولم يكن مُخطئاً أبا عبيدة حينما وضعكم في قائمة “لا سمح الله” ووبخكم بالعتاب الصادح بأوجاع وآلام ودماء الغزاويين، وقد استثنى أحرار محور المُقاومة والجهاد الذين قاموا بواجب النصرة والغوث لنداء المكلومين والمظلومين في غزة.

وخلال الستين يوماً من التوحش الإسرائيلي على غزة الصمود والثبات، تعلّمنا أن عروبتنا الصحيحة الصّالقة في أوردتنا تُملي علينا أنّ نحزنَ لحزن نساء وأطفال غزّة وأن نتلمّس أوجاعهم ونتذكر كيف يُعانون من بين أروقة القصف والرُّكام، تعلّمنا أنّ لا نسكت عن ضيم الكيان المؤقت الذي يُحاول نحت تمثال إجرامه على شكل انتصار واهن، وأنّ نسعى بكل ما نستطيع تحطيم هذا التمثال العفن، تعلّمنا أنّ العودة إلى شراء المُنتجات المُقاطعة تعني العودة إلى الخيانة بحق الدّماء المُراقة، تعني دفع المزيد من الأموال لصالح الأعداء ليصنعوا بها صواريخ الموت، تعني أننا شُركاء في جرائم الإبادة لشعب غزة وجُغرافيّة غزّة.

فلن نكون كما الذين جنوا على أنفسهم عار الاعتياد وخزي اللامُبالاة، لن نكون كما الذين عادوا لاقتراف خطيئة العودة إلى شراء المُنتجات العلقميّة الصهيونية، لن نكون كما الذين بكوا بكاءً تمساحيًّا ثمّ مسحوا وجناتهم تخفيفاً لعبء ما تحملوه، ولن يهدأ لنا بال حتى نرى سرطان الأُمَّــة “العدوّ الصّهيوني” يتهاوى ويموت موتاً حتميّاً ووالياً إلى غير رجعة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com