الكويت وما أدراك ما الكويت؟!
أحمد ناصر الشريف
ليست هذه هي المرة الأُوْلَى التي تستضيف دولة الكويت فيها اجتماعاً مهماً لقوى سياسية يمنية؛ بهدف الوصول إلى التغلب على خلافاتها المعقّدة والتي كادت تعصف بالوطن الـيَـمَـني وتدمّره جراء العُـدْوَان عليه رغبةً لطرف معيّن من هذه القوى السياسية حسب الظاهر وإن كانت المؤامرة الخفية على الـيَـمَـن وشعبها أَكْبَر بكثير من مجرد رغبة طرف أو استدعائه الخارج للتدخل في الشأن الـيَـمَـني بالقوة وبحربٍ معلنةٍ عبر تحالف دولي وذلك بخلاف ما كان يحدث في السابق حيث كان يتم التدخلُ بواسطة قوى محلية تنفذ ما يريده الخارج ولم تكن تتجاوز مواجهة الـيَـمَـنيين لبعضهم البعض والخارج يخطط ويمول ويتفرج.. فحين اندلعت الحرب بين شطرَي الـيَـمَـن سابقاً عام 1979م سارعت الكويت إلى استضافة قمة يمنية حضرها رئيسا الشطرين حينها علي عبدالله صالح وعبدالفتاح إسماعيل، وكان ذلك الاجتماع من أهم الاجتماعات بين قيادتَي شطري الوطن كونه حصراً في موضوع واحد يتمثل بالتقريب بيوم إعَادَة تحقيق الوحدة الـيَـمَـنية وقد تشكل يومها مجلس أعلى برئاسة الرئيسين على أَسَاس أن يلتئمَ بعد أشهر قليلة من اجتماع الكويت لمناقشة ما تم الاتفاق عليه والإسراع بتحقيق الوحدة كحل لكل المشاكل التي كان يعاني حينئذ منها الشطران.. لكن انزعاج أَعْدَاء الـيَـمَـن في الخارج وأذنابهم في الداخل عملوا على إجهاض ذلك الاتفاق وسعوا بكل ما أوتوا من قوة لإفشال أي لقاء بين الرئيسين حينها علي عبدالله صالح وعبدالفتاح إسماعيل.. وهو الأمر الذي جعل المعارضين لإعَادَة تحقيق الوحدة في الجنوب ينقلبون على الرئيس عبدالفتاح إسماعيل حيث تم اقصاؤه من الحكم ونفيه إلى الاتحاد السوفيتي السابق ليتعمقَ في العلوم الماركسية كما جاء في تعليق على أحمد ناصر عنتر على الانقلاب ضد عبدالفتاح إسماعيل الذي كان أَكْثَر المتحمسين لتحقيق الوحدة بين الشطرين.
وفي الشمال ضغطت القوى التقليدية وخَاصَّـة تلك المرتبطة بجارة السوء السعودية لتعمل على عرقلة أي تقارب بين الشطرين وتكثيف الحملة الإعْلَامية ضد ما كان يسمى بالجنوب الشيوعي الماركسي.. وحين انشغلت أَمريكا وجارة السوء السعودية بالحرب العراقية الإيْــرَانية التي استمرت ثمان سنوات بدون هدف لتنتهيَ كما بدأت بعد أن حصدت الملايين من البشر بين قتيل وجريح وأسير ودمرت بالأموال السعودية والخليجية إمْـكَانيات البلدين وجدها رئيسا الشطرين ممثلين في علي عبدالله صالح وعلي ناصر محمد فرصة لإحياء التواصل بين الشمال والجنوب من جديد وتم تبادُلُ الزيارات وتشكيل لجان الوحدة، فأزيحت العديد من العقبات وكادت القيادتان في صنعاء وعدن تصل إلى اتفاق يقرب بيوم إعَادَة تحقيق الوحدة الـيَـمَـنية إذا بالـيَـمَـنيين والعرب جَميعاً يفاجؤون باندلاع أحداث 13 يناير 1986م الدامية التي حصد فيها الرفاق خلال عشرة أيام فقط من الاقتتال ما يقارب خمسة عشر ألف شهيد حسب اعترافات من قادوا تلك الأحداث المأساوية فانقسم بعدها الحزب الاشتراكي الـيَـمَـني على نفسه وكذلك الجيش الجنوبي الذي كان يُعد حينها من حيث القوة والتدريب ثالثَ جيش في المنطقة بعد الجيشين الإيْــرَاني والاسرائيلي والذي كانت تخافُه السعودية ودول الخليج العربية فوجدوها فرصةً لتغذية الخلاف بين الرفاق في عدن بعد قتل أهم القيادات من أَعْضَـاء المكتب السياسي للحزب الاشتراكي وهروب من تبقى منهم على قيد الحياة إلى شمال الوطن بما فيهم الرئيس حينها علي ناصر محمد وهو ما عُرف فيما بعد بمصطلح الطغمة والزمرة.. وكاد الزمام يفلت نتيجة غياب القيادات المجربة فكانت تشتد التوترات في حدود الشطرين بفعل تدخل الخارج وخَاصَّـة جارة السوء السعودية بهدف إشعال حرب بين الشطرين لإشغال الـيَـمَـنيين ببعضهم.. لكن انهيار الاتحاد السوفيتي وتصدُّعه أثّر على منظومة الدول الاشتراكية التي كانت تدور في فلكه بما في ذلك جمهورية الـيَـمَـن الديمقراطية الشعبية التي ضعف اقتصادها؛ كونها كانت معتمدة على الدعم السوفيتي، وهو ما شكّل رحمةً بالـيَـمَـنيين للتقارب فيما بينهم فنشطت اللجان الوحدوية وفعلت تواصلها وأعمالها واتخذت قراراتٍ جدية وآمن الجميع بأن الحل لمشاكل الشطرين يكمُنُ في إعَادَة تحقيق وحدتهم التي تم اعلانها يوم 22مايو 1990م.
لكن من سوء حظ الـيَـمَـنيين الملازم لهم أن غزو الكويت واحتلالَها من قبل النظام العراقي قد انعكس عليهم سلباً فتم تفسيرُ الموقف الـيَـمَـني من قبَل جارة السوء السعودية الذي كان يطالب بحلٍّ عربي بعيداً عن التدخل الأجنبي بأنه وقوف إلى جانب العراق وتأييداً لغزو الكويت فوجدتها السعودية فرصة لإخراج أَكْثَر من مليون عامل يمني في غضون شهر واحد ظناً منها أنهم سيشكلون ضغطاً على حكومة الجمهورية الـيَـمَـنية ويحدث انقلاب فتنصب السعودية لرئاسة الـيَـمَـن من تريد من عملائها وتعيدُ الـيَـمَـن الموحد إلى ما كان عليه الوضع قبل 22 مايو 1990م.. وقد صدقها البعض في قيادات الحزب الاشتراكي الـيَـمَـني الذين بدأوا يتواصلون مع النظام السعودي ودول الخليج سراً لافتعال الأزمات وخلق أَوْضَـاع غير مهيأة لاستمرار دولة الوحدة وذلك بالتعاون مع عملاء السعودية في صنعاء فتأزمت الأمور ولم تفلح كُلّ الوساطات الخارجية والداخلية لرأب الصدع فكانت حرب 1994م هي من حسم تلك الخلافات ولكنها مع الأسف تركت في النفوس حزازات وصار لها تداعيات عكست نفسها على الوضع بعد أن وضعت الحرب أوزارها؛ لأن الطرف المنتصر أخذته العزة بالإثم وتغطرس واعتقد أن كُلّ شيء قد أَصْبَح في يده ولا يستطيع احد أن يأخذه منه.. ونتيجة لهذه النظرة القاصرة اشتعلت النار التي كانت خامدة تحت الرماد وكان بالإمْـكَان اطفاؤها لو رافقت تصرفات من بيده الأمر حكمة وتعقل ففلت الزمام من جديد لنصل إلى ما وصلنا إليه اليوم من وضع فرض على الـيَـمَـنيين مقاومته والدفاع عن الوطن الـيَـمَـن وسيادته واستقلاله.. وعليه نأمل أن تستفيد القوى السياسية من تجارب الماضي وتغلب مصلحة الوطن العليا فوق أية مصلحة ذاتية بعيداً عن الانتقام وتصفية الحسابات وبذلك يمكن أن نحقق شيئاً إيجابياً في اجتماع الكويت إذا ما حسنت النيات وكتب له النجاح وإن كان التشاؤم يغلب على التفاؤل، ونسأل الله أن يكون في عون الشعب الـيَـمَـني.