عُقدةُ الطائفية وأثرُها على واقع الأُمَّــة
د. شعفل علي عمير
من المُلفت في عصرنا الحاضر تغلُّبُ أيديولوجيا فكرية وطرق دينية ومذاهب سياسية في واقعنا العربي والإسلامي على توجيهات الله وأوامره؛ فأثَّرت سلباً على وحدة الأُمَّــة وانعكست أكثرَ سلبيةً على مصالحها، ذلك؛ لأَنَّ النُخب من الساسة والمفكرين والعُلماء اتجهوا لخدمة مصالحهم وتوجّـهاتهم بعيدًا عن ما تفتضيه تعاليم الدين فأصبحت أهدافهم في صِدام مع بعضها البعض من جانب وفي خِلاف مع مقتضيات الواجب الديني من جانب آخر.
وما نعيشُهُ في واقعنا من استعباد وتبعية للأجنبي المُعادي لنا ولديننا يُعد ترجمة للانقياد الأعمى لتلك الأفكار والمُعتقدات التي قصمت ظهر الأُمَّــة فقسّمتها إلى طوائفَ وأحزاب وجماعات، فأصبحت هذه المكونات البيئة الخصبة التي وجَد فيها الأعداء فرصة لزرع بذرة النزاعات المذهبية والطائفية التي عصفت بالأمّة، فافرز ذلك التقسيم عداوات بينها لحد التكفير، كما نتج عنها ولاءات وتحالفات مع أعدائها، إلى الحد الذي تقف بعض هذه المكونات مع من يقتل المسلمين ويُدنّس مقدساتهم في خندق واحد ضد إخوانهم في العروبة والإسلام، في تجاوز صريح على الثوابت الدينية التي تُحرّم موالاة اليهود والنصارى، ناهيك عن التحالف معهم والوقوف معهم في خندق واحد ضد المسلمين.
فعندما يكون الولاء لانتماءاتنا المذهبية أَو الطائفية أَو السياسية المتعددة أكثر من ولاءنا لله ورسوله، عندما تُقدَس هذا الانتماءات ويصبح الخروج عنها كفراً، فنحن نمر بمرحلة تُخرجنا عن مقاصد الدين فنبتعد عن الأخوّة الدينية فنكون مهيئين لأن نصبح أدَاة طيّعة بيد أعدائنا، فيكون من السهل أن يُسلط بعضنا، على بعض بالرغم من كُـلّ ما يجمعنا من مقومات الوحدة والأخوّة مثل الدين واللغة والعروبة والجغرافيا، إلَّا أن البعض من هذه المكونات أَو الدول سخّرت كُـلّ إمْكَاناتها في التخطيط والتآمر على إخوانهم في الدول العربية والإسلامية التي لا تقع ضمن مكونها الفكري أَو المذهبي، إلى الحد الذي اعتبر فيه من يقاتل العدوّ الصهيوني عدواً وأصبح الصهيوني صديقاً وحليفاً، كُـلّ هذا كان نتاج البعد عن الثقافة الإيمَـانية الصحيحة للشعوب والنخب والحكام فاعتنقوا ثقافة الكراهية التي أفرزتها انتماءاتهم المتعددة.
وصلت عقدة الطائفية والمذهبية إلى درجة الترحيب بمن لا يجمعك به أي قاسم مُشترك لا دين ولا رسول ولا قِبلة، بينما تُعادي من يجمعك به قواسم مشتركة أهمها الدين الإسلامي، ومن هُنا نستطيع أن نَخلص بأن الدين لم يعد عاملاً مشتركاً في المفهوم الديني لتلك الكيانات، بل أصبح أحد عوامل الخلافات والنزاعات بين تلك الدول أَو الجماعات التي عبدت نهجها الدنيوي وكفرت بنهج الأُمَّــة الديني، وبين الدول والجماعات الأُخرى التي لا تسير في فلكها، إنها ليست عقدة الطائفية فحسب بل واقع كان امتداداً لماضٍ جذّر هذه الأفكارَ والمعتقدات المنحرفة فأصبح التحرّرُ منها كُفراً وأصبح عدمُ العمل بمقتضيات الدين الإسلامي هو الإيمَـانَ في عُقَدِهم ومعتقدِهم.