زمنُ الشعوب الحرة
د. فواد عبدالوهَّـاب الشامي
عمل الاستعمارُ القديمُ والحديثُ على تدجين وتكبيل الأنظمة الرسمية الحاكمة في مختلف الدول المستضعفة بالاتّفاقيات والقوانين الدولية، وفي ظل هذا الوضع لم تستطع تلك الأنظمة أن تعمل لمصلحة شعوبها إلَّا في الإطار الذي تسمح به الدول المهيمنة على النظام العالمي، وبذلك أصبحت الشعوب يائسة عن أي تحَرّك رسمي إزاء أية قضية تهمها أَو تهم الأُمَّــة، وهذا كان واضحًا في موضوع الحرب على غزة، فقد تعرض النظام الرسمي العربي للضغوط من الشعوب للوقوف إلى جانب الإخوة الفلسطينيين في غزة، خَاصَّةً بعد المجازر والجرائم التي يرتكبها الجيش الصهيوني في حق المدنيين والنساء والأطفال بدعم من أمريكا وأمام أعين الجميع، ولكن لم تتمكّن الأنظمة العربية من اتِّخاذ أي موقف أمام ذلك سوى الإدانة والشجب والدعوة لوقف إطلاق النار، برغم تعرض القادة العرب للإهانات من المسؤولين الصهاينة، ولم تكتفِ أمريكا بمواقف العرب التي ذكرناها بل فرضت عليهم أن يقوموا بالضغط على المقاومة الفلسطينية لتقديم تنازلات للعدو الصهيوني، وبذلك تحول القادة العرب إلى وسطاءَ، وهذا موقفٌ مخزٍ سوف يكتبه التاريخ في صفحات حياتهم.
وقد دفعت مواقفُ القادة العرب الشعوب إلى أن تميز مواقفها عن المواقف الرسمية، من خلال قيامها بأنشطة تعتبر ثورية، منها الاشتراك في المظاهرات التي خرجت في عدد من العواصم العربية تُطالِبُ قادتَها باتِّخاذ مواقفَ واضحة وعملية إلى جانب غزة، وهذه المظاهرات بدأت بالتراجع في بعض العواصم، ومن الضروري عودةُ نشاطها إلى المستوى السابقِ؛ لما فيه من تأثير إيجابي على مجريات الأحداث في غزة، ومما يؤكّـد أهميّة المظاهرات الخروج الكبير للشعب اليمني يوم الجمعة، في ميدان السبعين لدعم ما تقوم به القواتُ المسلحة اليمنية من تحَرّكات في البحر الأحمر.
والموقفُ الشعبي يساعدُ الموقفَ الرسمي في توسيع هذه التحَرّكات لمنع السفن الصهيونية أَو المتجهة إلى الموانئ الصهيونية من عبور البحر، ومن الأنشطة التي تقوم الشعوب أَيْـضاً المقاطعةُ للبضائع الصهيونية والأمريكية وبضائع الشركات الداعمة للكيان الصهيوني، إضافةً إلى الأنشطة النقابية من إضرابات ووقفات احتجاجية وغيرها.
وأما الأهمُّ هو خروجُ حركات المقاومة من رحم الشعوب التي توفر لها الدعمَ والمساندة، وهذه الحركاتُ هي التي تتصدَّرُ المشهدَ في أحداث غزةَ لمواجهة الكيان الصهيوني والعدوّ الأمريكي.
والأملُ معلَّقٌ على هذه الحركات لاستعادة الحقوقِ العربية والفلسطينية، واستعادة الكرامةِ العربية التي تنازلت عنها السلطاتُ الرسمية.