غزةُ في عيونِ اليمن
خلود الشرفي
مع غزة حتى النصر، شعار مسيرات مليونية غاضبة، وحشود إنسانية ثائرة، جموع غفيرة تأتي من كُـلّ فَجٍّ عميق، تسونامي يمني يساند “طُـوفان الأقصى” الشريف بكل قوة وعنفوان، لتلتقي الجماهير الثائرة في قلب العاصمة صنعاء، والمحافظات اليمنية الأبية..
حشود مباركة تأتي من كُـلّ حدبٍ وصوب، لسان حالها يخاطب أهل البأس والصمود، وأُسطورة المقاومة والتنكيل، نيابةً عن الأُمَّــة العربية والإسلامية، يقول لستم وحدكم أيها المجاهدون الأحرار، لستم وحدكم أيها الصامدون الأطهار، فها هنا شعب عظيم خرج عن بكرة أبيه، إلى ساحات الصمود والاستبسال، إلى ميادين الوغى، إلى ميدان الشرف والبطولة، مجدّدًا دعمه الكامل لكافة الخيارات الاستراتيجية في مواجهة عدو الأمم كلها، ذلك الوغد اللئيم، ذلك المسخ ذو الوجه الطويل، والأنف الأحمر، ذلك اليهودي الذي ملأ الدنيا فساداً وإفساداً، حفيد أُولئك الذين لُعنوا على لسان داوود وعيسى بن مريم، “ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ”.
هذا الكيان الإجرامي الغاصب الذي لا يجيد إلا لغة القتل العشوائي، وتدمير المساكن على رؤوس ساكنيها وهم نيام، ذلك العدوّ اللئيم عدو البشرية كلها، الذي طالما أثخن فيها، وتوغل في دمائها، واقتات على تضحيات أبنائها!!
وبالرغم من هذه الحقائق الجليّة أمام أعيننا، فما زال الكثير من حثالات البشر، وشذاذ الآفاق، يغمض عينيه، خشية النور الأزهر الساطع من جنبات المقاومة، وأحرار البشرية، ويتغاضى عن الحقائق، ويلتمس المعاذير، ويجامل ويداهن، ويلف ويدور، لعله يجد مخرجاً من تبعات المسؤولية، فترى القادة العرب مثالًا للتخاذل الكبير، والهروب من واقع يفرض نفسه عليهم وليس العكس.
فبدلاً عن أن تكون الأحداث الجارية في غزة، سبباً لتوحيد كلمة الشعوب العربية، ورص صفوفهم المبعثرة، وبدلاً من أن تكون تلك المجازر الدامية التي فاقت الوصف سبباً في يقظة القادة العرب من أوهام الكراسي الزائفة، ونشوة العروش البائدة، رأينا العجب العجاب!! أمر مؤسف يندى له جبين الإنسانية، حينما تقف الدول العربية بأجمعها على رجلٍ واحدة تتفرج على الأحداث الدامية في غزة، وبكل برودة أعصاب، وبكل وقاحة لا متناهية تعقد اجتماعات طارئة لفك الحصار المفروض على إسرائيل من قبل دولة صغيرة اسمها اليمن، تتربع على موقع جغرافي هام، وتمتلك مفتاحًا حيويًّا استراتيجيًّا، لتقلب طاولة اللعبة، وتغير موازين القوى، وتتحكم في الصادر والوارد للكيان الإسرائيلي الغاصب، ليصبح ذلك الكيان المجرم تحت رحمتها، تذيقه من السياط التي طالما جَلَدَ بها الأُمَّــة الإسلامية على مر الدهور.
فما زالت أمريكا وحلفاؤها يستخدمون الحصار، وضغوط الورقة الاقتصادية للانتقام من أية دولة تخرج عن الحضيرة الأمريكية النتنة، وضد أي شعب يفكر ولو مُجَـرّد تفكير في التمرد على الأوامر الملكية الصادرة من البيت “الأسود” المشؤوم، وما زالت الأمور تجري هكذا عاماً بعد عام، وتتعقد يوماً بعد يوم، وكأن السماء أطبقت على الأرض، فلا مكان للفكاك، ولا مجال للخلاص!!
في حين أن الحلَّ موجود في كتاب الله تعالى، فهَـا هو الله جل في عُلاه يقول في كتابه الكريم ناصحاً ومحذراً، ومبشراً ومنذراً: “وَلَا تَرْكَنُوا إلى الَّذِينَ ظَلَـمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أولياء ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ”، فمتى خالف الإنسان هذه الآية الصريحة، وأخذ يتعامل مع الظالمين بكل بساطة، وبكل أريحية، وبلا مبالاة، كان حتماً عليهم أن يجروه بتلابيبه إلى مستنقع العمالة، ويسحبوه من أم رأسه إلى حظيرتهم القذرة، ويجعلونه يكتب ما يُملى عليه وهو بكامل إرادته، ولا نقول مغمض عينيه، بل مطبع معهم بكامل مشاعره، وغارق في نشوة وعودهم، التي هي كالسراب، فلا مجال للوفاء لديهم، ولا ذمة في الوفادة عليهم، وهناك تكون الطامة الكبرى والخسران المبين، “وَسَيَعْلَـمُ الَّذِينَ ظَلَـمُوا أي مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ”.