بعيدًا عن إعلام “أحمد سعيد وَصوت العرب”: هل فشل الإسرائيليون في تحقيق أهدافهم؟!
عباس السيد
بعد نجاح حركة حماس في عمليتها العسكرية النوعية “طُـوفان الأقصى” في السابع من أُكتوبر الماضي، أعلن قادة كيان العدوّ شن حرب على قطاع غزة، وحدّدوا لها ثلاثة أهداف:
ـ القضاء على حماس ـ استعادة الأسرى ـ ضمان عدم تعرض الكيان لأي خطر من قطاع غزة مستقبلًا.
الأهداف الثلاثة تمت صياغتها لتكون شرعيةً ومقبولةً من المجتمع الدولي، وكي تحظى بتأييد ودعم الشارع الإسرائيلي.
لكن خلف الأهداف الثلاثة المعلنة أخفى “مجلس الحرب الإسرائيلي” وقادة العدوّ هدفَهم الحقيقي من حربهم على غزة وهو: القضاء على قطاع غزة “كديموغرافيا فلسطينية” وهذا ما يتجسد بوضوح من خلال طبيعة الحرب التي تشن على القطاع منذ أكثر من شهرين ونصف، وهي حرب بحسب وصف المراقبين والمنظمات الدولية حرب إبادة، تطهير عرقي، تعتمد على القتل والتدمير الشامل وجعل مدن وأحياء القطاع غير صالحة للعيش، ودفع السكان جنوبا تمهيدا للتهجير خارج القطاع.
باستثناء الهدف الثاني ـ استعادة الأسرى ـ يرى قادة العدوّ أنهم بهذه الحرب الوحشية سيحقّقون الهدفين، الأول والثالث، وهما هدفان رئيسيان وينسجمان مع استراتيجية الكيان التوسعية الهادفة لضم ما تبقى من الأراضي الفلسطينية. وعلى مر العقود الماضية، ظلت قيادات العدوّ تنظر إلى قطاع غزة مثل خنجر في ظهر الكيان الغاصب، وهم ينظرون إلى هذه الحرب كفرصة للتخلص من هذا الخنجر نهائيًّا ـ كأرضٍ فلسطينية وكشعب فلسطيني ـ. ولذلك يواصلون حربهم ومجازرهم اليومية رغم الاحتجاجات الرسمية والشعبيّة في أرجاء العالم، بما في ذلك أميركا والدول الأُورُوبية الحليفة للكيان الإسرائيلي.
إفراغُ قطاع غزة من سكانه بالقتل والتهجير تمهيدٌ لضمه إلى دولة الكيان يعد هدفًا استراتيجيًّا لقادة الاحتلال.. هدفٌ يستحقُّ التضحية بسُمعة هذا الكيان، ويستحق التضحية بمئات وآلاف الجنود الإسرائيليين، كما يستحق التضحية بالأسرى أَيْـضاً. وقد تابعنا طريقة تعامل نتنياهو ومجلس الحرب الإسرائيلي مع مِلف الأسرى وعدم جديتهم في استعادة أسراهم الذي جعلوه هدفًا ثانيًا لمُجَـرّد تضليل الخارج العالمي والداخل الإسرائيلي. ولولا الضغوط الداخلية لما تمت عمليات تبادل الأسرى التي شملت المدنيين من النساء والأطفال بعد شهر ونصف من الحرب. ورأينا قبل ذلك كيف تعامل جيش الاحتلال مع المدنيين الإسرائيليين في مستوطنات المجاورة للقطاع وكيف قصفهم بالدبابات والطائرات، بشهادة وسائل إعلام إسرائيلية.
بعد انتهاءِ الهدنة التي استمرت أسبوعًا لتبادل الأسرى، واصل جيش الاحتلال حربه الوحشية على القطاع بوتيرة أعلى من السابق، حرب لم تستثنِ حتى أسراه في القطاع، حَيثُ سقط منهم حتى الآن أكثر من عشرين أسيرًا، ولا يزال قادة الاحتلال يماطلون في عقد صفقات لاستعادة نحو 130 من اسراهم؛ لأَنَّهم يرون أن ثمن استعادتهم سيكون باهضا بالنظر إلى شرط فصائل المقاومة في غزة وهو تبييض السجون الإسرائيلية من آلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
يعتبر قادة العدوّ أن حربهم على غزة حربًا مصيرية، وجودية، بعضهم يرى أنها الحرب الأخيرة؛ ولذلك حشدوا لها كُـلّ إمْكَانياتهم العسكرية، وهكذا يعتبرها حلفاؤهم في واشنطن ولندن، وهي الحربُ الأطولُ في تأريخ الكيان. ومن خلالها يسعون إلى طَيِّ القضية الفلسطينية. ويمكن القول إن الإسرائيليين لم يفشلوا في تحقيق أهدافهم، وهم ماضون لتحقيقها، ما لم يواجهون موقفًا عربيًّا إسلاميًّا رادعًا.
وحدَهم الفلسطينيون في غزة ارتقَوا إلى مستوى المعركة، سواء من خلال الصمود الأُسطوري والتضحيات التي يقدمها سكان غزة، أَو من خلال البطولات التي تسطرها فصائل المقاومة في القطاع في مواجهة الجيش الإسرائيلي.
المفارقة الغريبة والمثيرة هي في وقوفِ حلفاء الكيان الإسرائيلي معه في هذه المعركة. يقدمون له الدعمَ العسكري والسياسي والمالي.. حلفاء تفصلُهم آلاف الأميال، يختلفون في اللغة والعقيدة، ولا توحّدهم سوى أطماعهم الاستعمارية، في حين تقف الدول العربية والإسلامية التي تشارك الفلسطينيين الجغرافيا واللغة والدين رغم ما تملكُه من إمْكَانيات هائلة موقفَ المتفرج، وكأنها من كوكب آخر.
وتزدادُ المفارقةُ إثارةً بوقوف اليمن منفردةً إلى جانب الفلسطينيين في هذه المعركة.. اليمن التي تخوض حربًا وحصارًا من تحالف عربي أمريكي منذ أكثر من 8 سنوات. وحدها اليمن ارتقت إلى مستوى المعركة وقرّرت الانخراط فيها لدعم غزة مهما كانت التضحيات.
لن نهدر الوقت والحبر بالحديث عن خذلان وتواطؤ الأنظمة العربية والإسلامية في هذه المعركة، وسنكتفي هنا بتقييم دور محور المقاومة في هذه المعركة عسكريًّا وإعلاميا.
حركة حماس والفصائل الفلسطينية هي ركن أَسَاسي في محور المقاومة، وهي تقوم بدورها في هذه المعركة على أكمل وجه، وقد أدهشت العالم بصمودها وبطولاتها. وهي بحاجة إلى دعم أكثر من مكونات محور المقاومة لكي تستمر وتنتصر.. بدون ذلك سيحقّق الصهاينة أهدافهم، وسينتقلون إلى حلقة أُخرى.
إعلاميًّا: علينا القطيعة مع “مدرسة صوت العرب في الستينيات” ونقل أحداث المعركة وتداعياتها وأهدافها الحقيقية كما هي، ودفع صناع القرار في محور المقاومة لبذل المزيد.
نحن نقدِّرُ الظروفَ والحسابات التي تحول دون تصعيد مشاركة بعض مكونات محور المقاومة، لكن يفترض البحث عن بدائل وتفعيل بعض الأوراق، كما فعلت صنعاء.
المعركةُ تستحقُّ بذلَ الكثير، وجرائمُ الصهاينة تبرّرُ أيَّةَ ردود عربية إسلامية. أمريكا وحلفاء الكيان وبعد نحو ثمانين يوماً من الجرائم والمجاز الإسرائيلية لا يستطيعون تنفيذَ تهديداتهم التي أعلنوها في بداية المعركة. بايدن وبيتُه الأبيض بات محاصَرًا من شعبه، جرائم الصهاينة باتت عبئًا عليه ولا يمكنُ له التورُّطُ في إشعالِ جبهاتٍ أُخرى في المنطقة.
يستطيعُ “عربُ محور المقاومة” إغلاقَ مضيقَي المندب وهرمز دون أن تتورَّطَ إيران. وليسمع العالم: دماءُ الفلسطينيين أغلى من نفط الخليج.