الخطوط الحمراء الأمريكية.. فشلٌ متراكم
منصور البكالي
تحدث اندرو تابلر، مستشار سابق في وزارة الخارجية الأمريكية، عن وجود خطوط حمراء وخطوط خضراء في السياسات والعلاقات الدولية والحروب والصراعات التي تديرها أمريكا في المنطقة والعالم، ما يعكس غطرستها وهيمنتها الدولية.
بالعودة لتاريخ ومحطات الاستخدام الأمريكي لتكتيك الخطوط الحمراء، تبرز للواجهة تفرُّدُها بضمان الحل السياسي للقضية الفلسطينية، وتدخلها في صراع تايوان مع الصين، وروسيا مع أوكرانيا، وفي شؤون أفغانستان، والعراق، وسوريا وليبيا، وتدخلها اليوم في العدوان على غزة.
هذا التكتيك وإن نجح في بعضه لم يجدِ نفعاً أمام اليمن، بل تحول إلى تهديد مستفز يقود لنتائجَ مغايرةٍ، ومن شواهده العدوانُ على محافظة صعدة في الحرب الأولى وما تلاها من الحروب الست التي كان شعارُ الصرخة خطًّا أحمر بالنسبة للأمريكي ومطلبًا أَسَاسيًّا لوقف تلك الحروب الظالمة، بل أصابت أدواتها الداخلية حينها بالإحراج أمام الشعب، ومنيت بالفشل.
ومن شواهده في مرحلة الحوار الوطني وحروب دماج وكتاف وعمران وضعت السفارة الأمريكي خطوط حمراء أمام مكون أنصار الله، واغتالت اثنين من ممثليها، لفرض تقسيم اليمن، فكان ذلك خطًّا أحمرَ آخرَ تفشل فيه أمريكا بقيام ثورة 21 سبتمبر عام 2014م، الذي قلبت الطاولة رأساً على عقب، فحاولت سياستها الخارجية فرض تلك الخطوط بإعلان تحالف عربي من أكثر من 17 دولة، أعلن من واشنطن يوم 26 مارس 2015م، وهو مُستمرٌّ إلى اليوم، ونتج عنه فشل ذريع لهذا التكتيك.
ومع اتساع دائرة المواجهة والعدوان الأمريكي الإسرائيلي على قطاع غزة، إعلان اليمن دخوله الحرب على الكيان وحصاره البحري لفرض معادلة الحصار بالحصار، لتتسع دائرة فشل نتائج الخطوط الحمراء في وجه حليفها الاستراتيجي الأهم، وعدم القدرة على حماية أمن ومصالح الكيان الغاصب، حين فشلت كُـلّ سفنها وبارجاتها وقواعدها وفرقاطاتها ومدمّـراتها في البحر الأحمر وباب المندب أمام القوات المسلحة اليمنية.
فعلى الإدارة الأمريكية اليومَ إعادةُ القراءة للمشهد اليمني وللحالة النفسية والعسكرية والدينية والسياسية والجغرافية لشعبه العظيم، وتخفيف لهجتها الاستعلائية؛ -كي لا تفقد ما بقي من مكانتها الكامنة في خطوطها الحمراء المفروضة هنا أَو هناك، وتنقلب نتائجها، خلال هذه المرحلة-، وتبادر بوقف العدوان والحصار على قطاع غزة، وسحب قواعدها وقواتها العسكرية من المنطقة، وسرعة الاستجابة للشروط العادلة لعاصمة القرار العربي صنعاء، قبل أن تخسر ما بقي لها من مكانه في قلوب أدواتها الوظيفية.
بل عليها أن تدركَ أن التراجُعَ عن استخدام الخطوط الحمراء مهما كانت اهميتها بالنسبة لها ولكيانها وأدواتها ومصالحها ومصالح حلفائها، تجاه اليمن من الحكمة، وأن تكرارَ محاولة فرضها حماقة، وانجرار نحو الغرق الكلي، وتغيّر الموازين والمعادلات، في ظل غياب البدائل الجذابة، وفقاً لكل الافتراضات القانونية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، والبحث عن خطوط خضراء تتيح لها إمْكَانية النجاح في إيجاد توازن لسياستها الخارجية، وتعاطيها، مع يمن 21 سبتمبر وقيادتها الحكيمة.