البحرُ يلتهمُ أمريكا كما التهم فرعون من قبل
هياف الهمداني
كان بني إسرائيل مستضعفين في الأرض، يحكمهم ويستعبدهم ملك يدعى فرعون، عرف بظلمه وطغيانه وجبروته، وكان المنجمين قد أخبروا فرعون بأن زوال ملكه سيكون على يد نبي يبعثه الله من بني إسرائيل، فأمر بقتل كُـلّ ذكرٍ يولد منهم.
وفي ذلك الوقت ولد سيدنا موسى -عليه السلام-، فألهم الله أمه أن ترضعه وتشبعه وتضعه في تابوت صغير وتلقي به في البحر الموجود أمام منزلها؛ إذ كان بيتها على شاطئ اليم، فالتقطت الجواري التابوت وذهبن به إلى زوجة فرعون (آسيا بنت مزاحم)، فطلبت آسيا من فرعون أن يبقيه لها.
تربى موسى في قصر فرعون حتى بلغ أشده فآتاه الله الحكم والعلم.
وفي أحد الأيّام دخل موسى المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد رجلين يقتتلان، أحدهما من شيعته والآخر من أعدائه، فاستغاثه الذي من شيعته، فوكز موسى الرجل الذي من أعدائه فقضى عليه، قال هذا من عمل الشيطان، إنه عدو مضل مبين.
بعد تلك الحادثة دعا موسى ربه واستغفره، فغفر الله له، وقطع عهداً بالنعمة التي أنعم بها الله عليه ألا يكون ظهيراً للمجرمين.
وتوجّـه صوب مدين بعد أن أجمع الملأ من قوم فرعون على قتله، خرج مهاجرًا إلى مدين لمدة طالت عشر سنوات، حتى أتى التوجيه الإلهي له بالعودة إلى فرعون وملئه ودعوتهم إلى الإيمان بالله، فاستكبر فرعون وقال لملئه: “ما علمت لكم من إلهٍ غيري”، وأمر هامان ببناء صرح رفيع البنيان ليطَّلِع إلى إله موسى؛ مِن أجل أن يثبت لأتباعه أن موسى من الكاذبين، فأخذه الله وجنوده فنبذهم في اليم، وكانت عاقبة الظالمين في الدنيا وفي الآخرة، أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب.
وها نحن نرى الحدث يتكرّر في زماننا هذا، فإسرائيل تعتبر فرعون العصر، فقد طغت وتجبرت، وظلمت وعاثت في الأرض الفساد، قتلت الأطفال والنساء والشيوخ في فلسطين، وهدمت البيوت فوق رؤوس سكانيها بدون رحمة أَو شفقة، وحاصرت ملايين البشر، ومنعت دخول الغذاء والدواء إلى قطاع صغير يسمى (قطاع غزة).
فحصل أمر جلل، انطلاقة شعار الصرخة من جبال مران، والهتاف بالموت لأمريكا والموت لإسرائيل، تنفيذاً لأوامر الله سبحانه وتعالى، وتجسيداً للبراءة ممن أعلن الله ورسوله البراءة منهم في كتابه الكريم.
عندها عرف الكيان الإسرائيلي بأن زواله سيكون على يد اليمنيين بقيادة آل بيت رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، فقاموا باستدعاء الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح لزيارة أمريكا ليعلن من واشنطن الحرب على من أسماهم بالإرهابيين المتمردين على الدولة.
وكان الهدف من تلك الحرب الظالمة القضاء على كُـلّ من يهتف بشعار (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام) حتى لا يبقى خطر يهدّد إسرائيل.
لكنهم فشلوا، فلم يستطيعوا القضاء على هذا الشعار المبارك (شعار الصرخة)، بل كلما تآمروا عليه ليقضوا عليه ازداد اتساعاً، جندوا ضده الأحزاب والعقائديين للقضاء عليه مرة أُخرى، فانتصر المكبرون بالشعار في كُـلّ المعارك التي كانوا يخوضونها، وقد انتشر حتى وصل كُـلّ محافظات الجمهورية اليمنية، فأصبحت الدولة بقبضة أبطال المسيرة القرآنية بقيادة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي.
وفي عام 2015م يظهر وزير حكومة العدوّ الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطابٍ له معبراً عن قلقه بشأن باب المندب بعد سيطرة جماعة أنصار الله عليه، قائلاً: “إن سيطرة الحوثيين على باب المندب أخطر من النووي الإيراني”.
لم تمضِ سوى أَيَّـام قليلة على هذا الخطاب حتى أعلن العدوان على اليمن من واشنطن من قبل ما سُمي بالتحالف العربي الذي تقوده مملكة آل سلول، بذريعة استعادة الشريعة من الانقلابيين؛ فخاض اليمن معركة التصدي لهم بكل قوة وعنفوان، حتى كسر غرور التحالف العربي المزعوم، وخرج منتصراً، رافعاً رأسه بكل فخر واعتزاز.
وما كانت تخشاه إسرائيل تحقّق عندما شنت عدوانها الهمجي الظالم على قطاع غزة، وقتلت الأطفال والنساء على مرأى ومسمع العالم، ولم يتحَرّك الضمير العالمي لنصرة الفلسطينيين حتى على المستوى الإنساني، تجاه ما تقوم به إسرائيل من قتل ودمار وحصار خانق، واستهداف لكل مقومات الحياة، حتى المستشفيات والمساجد تم قصفها.
لكن اليمن لم يستطع أن يبقى متفرجاً أمام ما يراه من ظلم وطغيان، فدخل اليمن المعركة لنصرة إخواننا في قطاع غزة، غير مكترث لتهديدات أمريكا وغيرها.
تمادت إسرائيل في إجرامها، وأسرفت في القتل والحصار والاستهداف الممنهج للأبرياء، فـاتجه اليمن بقواته المسلحة إلى باب المندب لاستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر والبحر العربي، وكذلك منع السفن المتجهة إلى إسرائيل.
فرضت القوات المسلحة اليمنية بذلك الاستهداف للسفن الإسرائيلية معادلة الحصار بالحصار، مؤكّـدة بأنه لن يتم رفع الحصار عن إسرائيل إلَّا بفتح معبر رفح لإدخَال المساعدات إلى قطاع غزة.