الاحتفالُ بذكرى مولد الزهراء (ع) عودةٌ للقيم والمبادئ الإلهية
علي عبد الرحمن الموشكي
من بديع صنع الخالق هنالك نماذج عظيمة خلقها الله وأكمل صفاتها ونزهها وذكرها في القرآن الكريم كقدوات حسنة؛ لكي يترك للمتأمل والباحث عن النماذج العظيمة والعطرة التي نزهها الله من الأخطاء وَخلدها ذكرها التاريخ، لكي يعود المجتمع المسلم للمبادئ والقيم الإلهية التي أودعها الله في هذه النماذج، التي احتوى فيها كُـلّ الصفات الحسنة، التي تجعل من هذا النموذج جذابًا في سلوكه وتعامله وطريقة حياتها كمبادئ وقيم تسير على ضوئها البشرية جمعاء.
خيرة نساء الأرض وسيدة نساء العالمين الزهراء -عليها السلام- ريحانة وفلذة كبد المصطفى -صلوات الله عليه وعلى آله-، يقول الشهيد القائد -رضوان الله عليه-: “فاطمة -عليها السلام- هي كما قال الرسول -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-: ((سيدة نساء العالمين))، ((فاطمة بضعة مني يُرِيبُني ما يريبها، يؤذيني ما يؤذيها، يغضبني ما يغضبها، من آذاها فقد آذاني، مَن أغضبها فقد أغضبني)) على اختلاف ألفاظ الحديث أَو تعدد رواياته”.
ويقول أَيْـضاً – “في أَيَّـام رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- يوم كان القرآن يتنزل كان هناك أشخاص يعطون مبالغ كبيرة من المال، لكن يأتي ليقول: (ربما، عسى تنزل فيَّ آية تذكرني وتذكر ما قدمت) ولم تنزل فيهم آية واحدة، وعندما قدم الإمام علي -عليه السلام- وفاطمة الزهراء قدموا أقراصاً من الشعير لمسكين ويتيم وأسير وبهذه الروحية: ابتغاء وجه الله، ومن أجل الله، سطّره الله في القرآن الكريم في سورة كاملة؛ لأَنَّه هكذا كان لسان حالهم {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا، إِنَّا نَخَافُ مِن رَبِّنَا يوماً عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}.
فكانت الثلاثة الأقراص الشعير هذه هي ما جعلت تلك الصدقة تخلّد قرآناً يُتلى، مرتلة فيهم في مختلف الأقطار وجيلاً بعد جيل إلى نهاية أَيَّـام الدنيا، وهناك أشخاص أعطوا كميات أُخرى من المال لكن؛ مِن أجل أن يقال وليس حتى؛ مِن أجل أن يقول الآخرون، بل من يريد؛ مِن أجل أن يقول الله له شيئاً وينزل آية في القرآن تذكر له ما قدَّم فيدخل التاريخ كما يقولون، لا، الله سبحانه وتعالى يريد من الإنسان إذَا أنفق فلْينفق بهذه الروحية وبهذه المشاعر، ونحن كما قلت سابقًا بحاجة إلى كُـلّ عمل صالح بحاجة إلى كُـلّ ذرة من عمل صالح تُرصَد لنا عند الله سبحانه وتعالى لنفوز بها فتسهم في نجاتنا، نحن قادمون على يوم الفصل”.
ويقول أَيْـضاً: “يقال إن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- قضى على فاطمة الزهراء بأعمال منزلية، وأعمال ترتبط بالمنزل، وعلى الإمام علي بأعمال خارج المنزل، وهكذا المرأة في اليمن تشارك الرجل في جميع مناحي الحياة، لكن هذه التي هي مشاركة حقيقية، ويلمس الجميع أن زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم يساعدنهم مساعدة كبيرة على تحمل أعباء الحياة، هذه تصنف عند أعدائنا بأنها امتهان للمرأة! لا، المشاركة الحقيقية هي أن تكشف نفسها ووجهها، وتزاحم الرجل هذه هي التنمية أن تزاحم الرجل في المكاتب، أن تزاحم الرجل في محطات التلفزيون، أن تزاحم الرجل في كُـلّ مناحي الأعمال الأُخرى، لا حاجة إلى هذه؛ لأَنَّ هذه ليست مشاركة حقيقية”.
ويقول أَيْـضاً: “رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- جمَع علياً وفاطمة والحسن والحسين، ولفّهم في كساء بعد أن نزلت (آية التطهير) وقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذِهبْ عنهم الرجس وطهرْهم تطهيراً))، وقد سمعنا حول هذا الموضوع فيما يتعلق بطهارة أهل البيت كلاماً جميلاً من أُستاذنا الفاضل (زيد) فنحن عندما نقرأ (آية التطهير) عندما نقرأ (آية المودة) عندما نسمع الرسول -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- في (حديث الثقلين) وفي (حديث السفينة) وفي أحاديث أُخرى منها قوله مخاطباً لأهل بيته: ((والذي نفس محمد بيده لا يؤمن أحدهم حتى يحبكم لله ولقرابتي)) والذي يقول في أهل بيته: ((أنا سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم))”.
ويقول أَيْـضاً: “روي في قضية مشهورة أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- جاء بعلي وفاطمة والحسن والحسين، عندما وفد إليه نصارى نجران وحصلت محاججة قال: فلنتباهل ﴿فَنَجْعَل لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ ثم تراجعوا هم خافوا أن يباهلوا؛ لأَنَّهم عارفون بأن العقوبة قد تكون عليهم هم تنزل اللعنة عليهم، إنه ﴿الْقَصَصُ الْحَقُّ﴾ الذي ليس فيه ما يمكن أن يؤدي إلى أن يُقَدَّم عيسى إلهاً أَو رباً كما عند النصارى؛ أي: أن القصص الآخر الباطل الذي لديهم يكون قصصاً بالشكل الذي يسوِّغ ما قدَّموه من أنه ماذا؟ من أنه رب فجعلوه رباً، نفس القصص يكون مؤثراً، ثم إن بعض الكتَّاب المسيحيين الذي كان في الأصل مسيحياً، عندما أسلم قال -أَيْـضاً-: بأن هذه لم تأتِ إلا متأخرة ربما من بعد المسيح تقريبًا بمائتي سنة أَو نحوها، طرحوا هذه الأُطروحة وجعلوه رباً، لم تأتِ إلا متأخرة”.
هذه القيم والمبادئ والمواقف التي خلدها التاريخ قد حضرتها الزهراء -عليها السلام- جميعها، فيها النموذج العالمي للمرأة المسلمة كيف لا وهي بنت سيد الأولين والآخرين -صلوات الله عليه وعلى آله-، وزوجة الوصي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -عليه السلام-، وأم سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين -عليهم السلام-، ومنهم العترة الطاهرة والأئمة الأطهار -عليهم السلام-، صراط الله المستقيم.