مهما كان الثمنُ!

 

خلود الشرفي

أية سفينة مرتبطة بالعدوّ الصهيوني لن تمر من البحر الأحمر مهما كان الثمن! هكذا يقول الرئيس مهدي المشاط، وهو زاماً على شفتيه، وتكاد ملامحُ وجهه أن تنطقَ من شدة العزيمة، وعنفوان الحماس للمعركة المقبلة مع العدوّ الأمريكي، الحضن الدافئ لـ”إسرائيل”، مهما كان الثمن! يكرّرها بكل تَحَـــدٍّ وإصرار، ليفهم العدوّ الأمريكي، وأذنابهم هذه العِبارة جيِّدًا، وليعلموا علم اليقين أن أيةَ مغامرة جديدة ستكون ضربًا من الجنون، ومزيجاً من التهور، وَلهم أن يفتحوا بابَ التساؤلات إلى مداها، كما أن من حقهم أن يقفوا مشدوهين على رِجل واحدة، ولهم المزيد من الوقت؛ لكي يفركوا أعينهم، ويتأكّـدوا من هذا اللغز المحير.. اليمن السعيد، أيعقل أن يكون هذا هو البلد الفقير، الذي طالما جمعوا الجموعَ لتركيعه، وسحق قوته؟!

أليست هذه الدولة هي نفسها تلك الدولة الصغيرة التي طالما استهان بقوتها حلف الإجرام، فكانت المفاجأة التي أذهلت العالم بأكمله، فقد نهض الماردُ اليمني من بين الركام، وانتفض ليُسقط حشراتهم الخبيثة التي حاولت التسلق على كتفيه، فتساقطت بأجمعها واحدةً تلو الأُخرى، وكم حشدوا وكم جمعوا للقضاء على تلك الدولة التي تُسمى الجمهورية اليمنية، ولكن باءت كُـلُّ جهودهم بالفشل، فقد خيَّب الله مساعيَهم، ليكتشفوا أخيرًا أن المستنقع الذي انغمسوا فيه لم يكن إلا بحرًا لُجيًّا من الدماء متلاطم الأمواج، ومتعدد الجنسيات؛ فها هم يحاولون الخروجَ من تلك الورطة؛ حفاظاً على ما تبقى من ماء الوجه الذي أُريق على أيدي المجاهدين اليمنيين الأبطال العظماء، بعظمة بلادهم، وشموخ أرضهم التي تأبى أن تُنجب إلا عظيمًا؛ فهناك جنود الله بالمرصاد لكل من تسول له نفسه المساس بترابها الطاهر، وفي كُـلّ مكان حاولوا الوصول إليه.

نعم، تساؤلات كثيرة تجري في أذهان الكثيرين ممن أعمت أعينهم الأضواء الغربية المزيفة، فذهبت بضوئها وبصيرتها، ونارها ونورها، وكما قال الله تعالى: “فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ”.

وهنا تأتي الإجَابَة المرعبة للعدو، نعم هنا اليمن!! ذلك البلدُ العزيز الكادح كما يسميه السيد حسن نصر الله، ذلك الوطن الكبير، والحضن الدافئ للمظلومين أينما كانوا، إنه ذاك الماردُ اليمني العملاق الذي تحدَّى جموعَ الكفر والنفاق، ومرَّغ أنوف المعتدين في التراب، وأسقط هيبتهم الكاذبة في الوحل.

إنه ذلك الشعبُ اليمني الأصيل، بتفاصيل حياته البسيطة، وجهاده العظيم، وكفاحه المرير.

رغم أنه ما زال يرزحُ تحت وطأةِ العدوان والحصار، منذ ما يقارب العشرة أعوام.

فسُبحانَ الله الذي له في خلقه شؤون، ينصُرُ عبادَه المؤمنين بأبسط خلقه، ويسخِّرُ لهم أضعفَ عباده فإذا هم الغالبون..

نعود للتساؤل مجدّدًا عن شعب الإيمان والحكمة، شعب العروبة والإسلام.

من أين له هذه الإمْكَانيات؟! بل من الأصح من أين جاء بهذه المعنويات؟! وهل هي القيادة وحدها التي دشّـنت هذه المرحلة الخطيرة، أم أن الشعب هو الذي حدّد مساره، أم هما الاثنانِ معاً؟!

إن المتأملَ للأحداث الراهنة، يدركُ على الفور أهميّةَ وجود القيادة الربانية الحكيمة، ومدى تأثير القرارات الرشيدة في تسيير دفة الأمور، وتذليل العقبات، وقبل هذا كله تحدي الصعاب، ومواجهة الأعداء، بكل ثقلهم، وهيمنتهم، وبطشهم، وجبروتهم، وطغيانهم، واستكبارهم، إن هذه النقطة تمثل علامة فارقة ليس في حياة اليمنيين فقط، بل في حياة الشعوب كافة، على المستوى المحلي وَالإقليمي والعالمي، فقد أصبح اليمن جزءًا لا يتجزأ من معادلة دولية، يحسب لها العدوّ الأمريكي قبل الإسرائيلي ألفَ حساب، ولها ثقلُها الكبير في ميزان المعركة، وتحديد الاتّجاهات، ومعرفة الأولويات.

نعم، ملتزمون بنصر إخواننا المظلومين ليس في فلسطين وحدَها، وإنما في كُـلّ الشعوب العربية والإسلامية، بل في كُـلّ بقاع الدنيا، مهما كان الثمن، وقد يكون الثمن غالياّ، وغالياً جِـدًّا، لا ضيرَ في ذلك، فليس ثمة مقارنة بين الآخرة والأولى، والجنة والنار، ومن تاجر مع الله عز وجل فقد ربحت تجارته، وَانتظم أمره، وَزكى حاله، ومن هذا المنطلق القرآني العظيم تتجلى عظمة الجهاد، والاستشهاد في سبيل الله تعالى، فلا خيرَ في الحياة إذَا ساد فيها شرارُ الخلق، وشراذمُ الآفاق.

وتدشيناً للمرحلة المقبلة، والتي سننتصر فيها حتماً بعون الله تعالى، سيكونُ الشعب اليمني العظيم على أتمِّ الجهوزية، وأرقى استعداد، لخوض المعركة الفاصلة.. بل إن الشعبَ اليمني كُلَّه من أقصاه إلى أقصاه يتحرَّقُ شوقاً للدخول في حرب مباشرة مع العدوّ الأمريكي المجرم، وربيبته “إسرائيل”، فليس في الدنيا ألذُّ وأشهى من مواجهة أعداء البشرية، وردعهم، وكسر شوكتهم، وهناك فقط تكون الفرحةُ العظمى والنصرُ المبين، وإن غداً لناظره لقريب.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com