واللهِ ما يدعُنا كتابُ الله أن نسكُت
إبراهيم محمد الهمداني
تجاوز المشروعُ القرآني – في تبنِّيه قضية فلسطين – مستوياتِ التعصب القومي، وحدودَ المِثالية الليبرالية، ومظاهر التعاطف الإنساني، وشكليات أوهام ومثاليات الحداثة، وبقيت القضية متجذرة في أعماقه، بوصفها المبدأ الإيماني الثابت والراسخ، في الاعتقاد والسلوك، في القول والفعل، الذي يعكس طبيعة الشعور بالمسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى، وصورة الاستجابة في القيام بالتكليف، وأداء أمانة الاستخلاف؛ وهو ما يعني أن النظر إلى قضية المسلمين المركزية، والتعاطي معها خارج تلك الأطر، أَو في مستويات موازية لمستوياتها الأصلية، يعد تفريطا كَبيراً، يسلب الأُمَّــة الإسلامية التوفيق والمعية الإلهية، ويضعها في دائرة الحرج والامتهان والذل، والاستباحة والهوان أمام أعدائها، وتصبح فريسة سهلة ومغرية، ليرتكب أعداؤها بحقها أبشع الجرائم والانتهاكات، دون أن تدفع عن نفسها، أَو تحَرّك ساكنا، بينما لو تعرضت أُمَّـة من الأمم الأُخرى، لبعض ما تتعرض له الأُمَّــة الإسلامية، لأقامت الدنيا ولم تقعدها، ولدافعت عن نفسها وكيانها وكينونتها بكل قوة وشراسة، كما يوضح ذلك سيد القول والفعل، سماحة السيد القائد، عبدالملك بدرالدين الحوثي – يحفظه الله – في تشخيصه لواقع الأُمَّــة الإسلامية، وموقفها من أعدائها، وما يرتكبون بحقها من الجرائم والانتهاكات الفظيعة، في ظل استسلامها المخزي، وعجزها المخيف.
ويمكن القول إن استهجان واستنكار، سماحة السيد القائد يحفظه الله، لانحطاط موقف الأُمَّــة وتخاذلها، وتقاعسها عن اتِّخاذ ردود فعل حازمة، وقرارات مواجهة وردع حاسمة، إنما هو استنكار حالة الصمت والسكوت، التي رانت على قلوب وأفواه الحكام والشعوب، في موقف يعد السكوت فيه والتزام الصمت، مخالفة واضحة لصريح الأوامر الإلهية، التي أرَّقت أئمةَ الحق وأعلام الهدى، من آل بيت النبوة الأطهار، وجعلتهم ينتفضون في وجه أعداء الله، في كُـلّ زمان ومكان، وُصُـولاً إلى موقف علم الهدى سماحة السيد القائد، في نصرة إخواننا المستضعفين في غزة، ودعمهم ومساندتهم ضد إجرام الكيان الصهيوني المحتلّ، معلنا باسم الشعب اليمني، الاستعداد الكامل لتقديم كافة أشكال الدعم والمساندة، مؤكّـداً بهذا الموقف الإيماني، والقرار القوي والجريء، حقيقة الاستجابة الإيمانية لأوامر الله سبحانه وتعالى، وموجهاته في محكم آيات الذكر الحكيم، التي يستحيل على المسلم مخالفتها، والتزام السكوت، وفي هذا المقام يقول سيد القول والفعل:- “والله ما يدعنا كتاب الله أن نسكت”.
هكذا آثر الاستجابة للأوامر الإلهية، طمعا في رضوان الله سبحانه وتعالى، معبِّرا عن حالة إيمانية عظيمة، بينما سارع غيره إلى إعلان الامتثال المطلق، لأوامر الشيطان الأكبر، المتجسد في تموضع الهيمنة الأمريكية، خوفا من عصاها الغليظة، ورجاء بعض الفتات والدعم السياسي، ليجسدوا حالة من النفاق الرهيب، الذي استوطن قلوبهم مرضا مزمنا، لا شفاء لهم منه، وقبل أن تصدر إليهم التوجيهات الأمريكية، القاضية بوجوب التخلي عن مسلمي قطاع غزة، وتركهم في مواجهة آلة القتل والإجرام والإبادة الصهيونية الشاملة بمفردهم، سارعت بعض أنظمة العمالة والنفاق العربية، إلى اتِّخاذ كُـلّ التدابير والتحَرّكات، التي تجاوزت مفهوم “التخلي” في الرغبة الأمريكية، إلى استراتيجيات الإسهام الفعلي، في إضعاف وتدمير كُـلّ ممكنات القوة، وعوامل الصمود الفلسطيني، في وجه آلة القتل والدمار والتوحش والقتل الجماعي الإسرائيلية، المدعومة أمريكيا وغربيا، سواء بتشديد قبضة الحصار الخانق، أَو بمحاولات الاختراق الاستخباري، لصالح الكيان الصهيوني الغاصب، وغير ذلك من الطرق والوسائل النفاقية القذرة.
يمكن القول إن أوامر الإدارة الأمريكية، كانت دون مستوى المنجز الفعلي، لأنظمة التطبيع والعمالة، الحريصة على تجسيد صهيونيتها ويهوديتها، التي وصلت حَــدَّ قمع المظاهرات الشعبيّة التضامنية، مع فلسطين أرضا وإنسانا، ورفضا لجرائم الإبادة الجماعية الوحشية، التي يتعرض لها إخوانهم المسلمين، في قطاع غزة.
في الجانب الآخر، كان موقف سيد القول والفعل، ومن خلفه شعب عظيم، وجيش مقدام شجاع، موقفا مشرفا على كافة المستويات، حَيثُ كان جواب القوات المسلحة اليمنية، بما فيها البحرية والصاروخية وسلاح الجو المسير، أسبق إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلّة، والمواقع العسكرية والاستراتيجية الصهيونية الحساسة، من توجيهات البيت الأبيض، عبر الوسطاء، إلى سماحة السيد القائد، بعدم التدخل في هذه الحرب، شأنه شأن بقية الحكام والأنظمة، الذين شملتهم الأوامر الأمريكية، في المنطقة العربية والإسلامية، لتعبر تلك العمليات العسكرية القوية، عن حقيقة ومضمون رد سيد القول والفعل، الذي جاء مزلزلًا عروش الطغيان والاستكبار الإمبريالي، مؤكّـداً أنه ليس ممن يتلقى الأوامر والتوجيهات لا من أمريكا ولا من غيرها، فهو لم ولن يكون ضمن قطعان العمالة والارتهان، وما ينبغي له ذلك.