كُلُّ شيء مرتبطٌ بمعركة غزة.. هناك بدأت وهناك تنتهي

 

حسين عبد السلام النهاري

 

السيد عبد الملك الحوثي:

“سنواصل إسناد غزة حتى وقف العدوان على غزة”.

السيد حسن نصر الله:

“عملياتنا مرتبطة بميدان غزة”.

المقاومة الإسلامية في العراق:

“عملياتنا إسناداً لغزة وفي مسار طرد القوات الأجنبية”.

السيد علي الخامنئي:

“إن الحد الفاصل بين عالم الإسلام وبين عالم الكفر وأمريكا هو في ‫غزة الآن”.

يبدو أن كُـلّ من يساند غزة يمتلك أوراق قوة عسكريّة لكن استخدامها يتم بناءً على مقتضيات المعركة وتطورها في ميدان غزة، خُصُوصاً أن “إسرائيل” تعيش مأزقاً حقيقيًّا وغيرَ مسبوق بكل تفاصيله العسكرية والأمنية والاقتصادية والدبلوماسية، رغم حجم الدعم الأمريكي والغربي (غير المحدود) دون إنجازات ميدانية تحقّق ولو هدفاً من أهداف تل أبيب.

منذ الـ7 من أُكتوبر كان للولايات المتحدة الأمريكية هدفان رئيسيان:

أولاً: الاستفراد بجبهة غزة من قبل الجانب الإسرائيلي مع دعمه عسكريًّا وسياسيًّا وإعلامياً بشكل لا محدود (يتضمن جسراً جويًّا عسكريًّا، زيارات لكبار المسؤولين الغربيين، حملات تشويه إعلامية فاضحة مهنياً)؛ بهَدفِ تحقيق الأهداف الإسرائيلية المعلنة، وهذا الأمر فشل تماماً مع انطلاق جبهات المساندة لغزة (الضفة، المقاومة الإسلامية في لبنان والعراق، سوريا، اليمن، وإيران)، وهنا تضمنت المساندة أشكال الدعم العسكري أَو الدبلوماسي أَو اللوجستي أَو الإعلامي.

ثانياً: محاولة نقل التركيز الإعلامي والعالمي من مركز المعركة في غزة إلى خارجها، لتخفيف الضغط على تل أبيب جراء المأزق العسكري على أرض الميدان في غزة وتكبدها خسائر لم يسبق أن تكبدتها من قبلُ، وتخفيف الضغط الدولي الرسمي والشعبي الذي يطالب بوقف الحرب والحصار على قطاع غزة، خُصُوصاً مع حجم المأساة التي خلقتها حكومة الحرب الإسرائيلية.

مع انطلاق العملية الإسرائيلية البرية في قطاع غزة، تحَرّكت واشنطن عبر إرسال رسائل التهديد والترغيب لكل جبهات المساندة بدءاً من الضفة وحتى اليمن مصحوبة بحشد القطع العسكرية البحرية والتلويح بالقوة المفرطة وعسكرة المنطقة من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط وما صاحبه من تضخيم إعلامي.

وهنا ردت جبهات المساندة بأن المعركة تَخُصُّ غزة وترتبطُ بميدانها، وأرفقت بذلك رسائلَ لواشنطن مفادُها “أن استعراضَ القوة المفرطة لن يغيِّرَ الموقف”، ولعل أبرزَ التطورات كان على جبهة المساندة في اليمن وما صاحبها من تصعيد متدرج؛ حتى بات الأمريكي في واجهة المعركة بل وأطلق السيدُ عبدُ الملك الحوثي، مسمَّى للمعركة مع الأمريكي “‫معركة الفتح الموعود”.

بناءً على مؤشراتٍ حقيقيةٍ ليس من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية اتساعُ دائرةِ الصراع في المنطقة مما هي عليه، خُصُوصاً في منطقة البحر الأحمر التي تعد بالنسبة لها “قلب العالم”، لعلمها أن أي تصعيد لا يمكن ضمان نتائجه، قد يصب في صالح قوى صاعدة إقليمية كانت أَو دولية، لكن الإدارة الأمريكية وجدت نفسها في مأزق الخيارات المحدودة، وتحديداً بين خيارَينِ:

الأول: الحرب والتصعيد وبذلك تهدّد أمن وسلامة المنطقة ودولها وشعوبها وتتسبب بأزمة عالمية وفي الداخل الأمريكي على وجه التحديد، فقد كشفت تقارير غربية منها ما ورد في صحيفة بلومبيرغ بأن كبارَ مسؤولي الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يراقبون هجمات البحر الأحمر، وأشَارَت إلى الأثر الاقتصادي الذي ستحدثه على الداخل الأمريكي وموقع الرئيس نفسه في الانتخابات الأمريكية، خُصُوصاً بعد إطلاق الرئيس الأمريكي جو بايدن حملته للانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024م بخطاب حذّر فيه من خطر سلفه ومنافسه المرجح دونالد ترامب وما تعاني منه بلاده من أزمات داخلية.

الثاني: خيار الدبلوماسية، في محاولة لاستثمار عمليات القوات المسلحة اليمنية وعمليات المقاومة الإسلامية في لبنان والعراق بشكل عكسي من جهة في محاولة توظيفها للأنظمة العربية والصديقة لواشنطن كـ “تهديد مشترك للمنطقة”.

ومن جهة ثانية استثمار عمليات الاغتيال المُستمرّة لقيادات المقاومة في سوريا ولبنان والعراق، لإظهار الردع مرة أُخرى وطمأنة أصدقاء “إسرائيل” بالحماية بشكل يشبه الغطاء الذي قدمه المسؤولون الغربيون بعد السابع من أُكتوبر لتل أبيب (لا لضبط التصعيد في المنطقة) كما تدَّعي إدارة بايدن، بل لكسبِ مزيدٍ من الوقت والبحث عن خروج بأقل التكاليف من ورطة الرد المتوقع القادم من اليمن ومن جنوبي لبنان، يفسر ذلك ما أعلن من زيارات للمبعوثين الأمريكيين آموس هوكشتين وتيموثي ليندركينغ، بالإضافة إلى زيارة وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن إلى جانب زيارة مسؤول السياسة الخارجية في الاتّحاد الأُورُوبي، جوزيب بوريل ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى المنطقة.

بالمحصلة، تتجه الولايات المتحدة الأمريكية من وراء حراكها الدبلوماسي الأخير لتوريط الأنظمة الصديقة لها في المنطقة (ولو لم يكن ذلك بعمل عسكري واسع)؛ بهَدفِ تفادي المأزِق الإسرائيلي – الأمريكي المشترك على حساب توظيف الردع الأمريكي وإبقاء حضورها في المنطقة، بتثبيت ما يسمى الخطر الإيراني المزعوم، ومحاولة الحفاظ على خيوط اللعبة الطائفية بالإضافة لبقاء نافذة لاستئناف عملية التطبيع والتي تدرك واشنطن أن جميعها ضربت بعد عملية السابع من أُكتوبر إلا أنها تطمح لإقناع دول المنطقة الصديقة بالحماية وهو ما تعجز عن تقديمه لتل أبيب.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com