أمريكا والكيانُ الصهيوني وجهانِ لعُملة واحدة
وفاء بهاني
كأن التاريخ يعيد نفسه مرة ثانية، الأحداث تتكرّر، محتلّان تُسرق أرضهما في عقود مختلفة، فدعم أمريكا للصهاينة، وتقوية شوكتهم على أصحاب الأرض ليس شيئاً غريبًا أَو غير مألوف على أمريكا، بل بدايتها كانت بالطريقة ذاتها حين أبادوا الهنود الحمر واغتصبوا أراضيهم، وطمسوا ثقافتهم، يكرّر الكيان الصهيوني اليوم الحدث ذاته، من تهجير لأصحاب الأرض وقتل لأبرياء مدنيين عزل، وخطف لأرواح أطفال أبرياء لم يروا حلاوة الحياة بعد لولادتهم في أراضٍ يسمع بها دوي القصف أكثر من زقزقة العصافير، ولكن المختلف هذه المرة أن أمريكا تخطط وتدعم والتنفيذ بأيدي الصهاينة.
الاثنان وجهان لعملة واحدة، ألا وهي عملة الخسة والظلم، واستخدام كافة السبل المشروعة، وغير المشروعة؛ مِن أجلِ فرض السيطرة والهيمنة، وكما فعلتها أمريكا سابقًا العيش على دماء الشعوب، والرقص على قبور المدنيين، الكيان الصهيوني اليوم يكرّر الفعل ذاته بدعمٍ من أمريكا.
فلا يمكن أن نفصل بين الدولتين، وَإذَا قارنت بين أيهما أكثر توحشًا ستحتاج إلى حصر العشرات من المجازر التي ارتكبت في حق المدنيين والشعوب من كليهما، فلن تستطيع أن تحدّد الفارق بينهما، وَإذَا محصت التدقيق وتأنيت في التحقّق في أحداث ما بعد حرب غزة ستعلم جيِّدًا أن الكيان المحتلّ وأمريكا كلاهما يداران بأيدي الحركة الصهيونية، وأن هذا التعنت من أمريكا وتغطيتها على وحشية ما يفعلُه جنودُ العدوّ في المدنيين ستعلم أنه هدفٌ مقصودٌ منها، أن يبقى الكيان المحتلّ قائم، وأن تكون عاصمتها القدس ويُعترف بها من قبل الجميع أنها دولة يهودية أولهم العرب.
وأن احتياج الكيان المغتصب لأمريكا في حربها لتمرير هذه الجرائم التي ترتكب في حق المدنيين، والضغط على الدول العربية التي تستنكر ما يفعله الصهاينة، من قبل أمريكا لعدم تدخلها في تلك الحرب عائد إلى محدودية قدرة الكيان الصهيوني العسكرية والحربية، التي أوضح مجاهدي القسام ورجال الله في الأرض مدى هشاشتها، وأزالوا الستار عن فقاعة الجيش الذي لا يقهر، التي يروجون لها من سنوات، وأوضحت كم هذه الفقاعة فارغة.
ولكن ما يحير العقول، لماذا أمريكا بهذا الكيان الصهيوني العسكري والاقتصادي، والسيطرة الدولية لا تدخل حروبًا بمفردها، لماذا دومًا تحتاج إلى دعم وتحالف، على الرغم من أنها لا تشبه كيان الاحتلال الصهيوني على الإطلاق، بل الكيان المحتلّ بالنسبة لها نملة بجوار أرجل الفيل!
الأمر محير، بل طبقًا إلى العقلية العسكرية الأمريكية، ونهجها في التعامل في أوقات الأزمات، التحالف لها مكاسبه وله مبرّراته، وله أهدافه بعيدة المدى.
فبدايةً بالمبرّرات، إن دعوة أمريكا للجميع لتشكيل تحالف دولي بقيادة أمريكا؛ مِن أجلِ فرض السيطرة على اليمن بحراً، هو توريط الدول العربية في هذه المذابح واستخدامها للأسلحة المحرمة، وفي النهاية لن تتحمل نتاج جرائم هذه الحرب لوحدها، بل سيكون كبش الفداء أقزام الدول التي ستشكل معها التحالف، وهي رواية أعدت عدة مرات في سوريا، والعراق وأفغانستان.
ونأتي إلى هدفها الثاني وهي المكاسب وفرض الهيمنة، نعم مع صعود قوى عالمية جديدة، ورغبتها في فرض السيطرة مثل الصين اقتصاديًّا، وروسيا عسكريًّا، فتأبى أمريكا دومًا أن ترى أحدًا نِدًّا لها، وتحقيقًا لذلك فهي ترغب أن يُقال تحالفًا عالميًّا بقيادة أمريكا، فهو فرضٌ للهيمنة، وإحساسٌ بالتفرد بعد تأرجح مكانتها في السنوات الأخيرة.
وبالنسبة إلى المكاسب بعيدة المدة هي “خلق الفتنة” نعم خلق الفتنة بين هذه الشعوب في المنطقة، فحتى بعد سنوات إذَا انتهت الحرب وحقّقت أمريكا مقاصدها ستظل الفتنة قائمة، خَاصَّةً اليمن إذَا تسببت الحرب في قتل أبناء شعبه، فعداوة الدم لا يزيلها الزمان، وغيرها من الخلافات والفتن التي ستشن بين دول المنطقة العربية وهي مكاسب؛ لأَنَّ تحالف الدول العربية سيجعل من الوطن عربي صاحب قوة ورأي وهو ما تخشاه دول الغرب، وحتى أمريكا ذاتها.
على أية حال هذه التارة لن يفيد أمريكا دسها السم في العسل، فلا لدولة عربية حاجة في هذا التحالف، أَو كما يقال هذه الحرب التي ليس لهم جمل بها ولا ناقة، فأساطيل الدول العربية تجول البحر دون أي خطر، فقد أعلنتها مصر صراحةً أنها ليست جزءًا من هذا التحالف، وكذلك السعوديّة بعد حالة الهدنة بعد سنوات أظن أنها لن تعود لهذه الحرب الخاسرة مرة ثانية، وباقي الدول العربية من الإمارات وغيرهَا يعلمون أن اليمن وما يفعله هذا الشعب الحر بات يبث في نفوس الشعوب العربية الفرحة لمساندة اليمن لغزة، فلن يريدوا إثارة سخط شعبهم.