السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطاب له بمناسبة جمعة رجب 1445هـ- 2024م
أي اعتداء أمريكي لن يبقى أبداً بدون رد والرد سيكون أكبر من أي عملية سابقة
موقفنا في البحر الأحمر مزعج جدًّا للصهيوني وللأمريكي والبريطاني ونحن مرتاحون وفرحون ومسرورون جدًّا بمدى ذلك الانزعاج
لسنا في هذا الشعب اليمني ممن يخاف من أمريكا
المسيرة – خاص
أكّد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، أنّ الشعب اليمني لا يخاف من أمريكا، وأنّ أي اعتداء أمريكي لن يبقى أبداً بدون رد، والرد سيكون كبيراً.
وقال في خطاب له بمناسبة جمعة رجب 1445هـ- 2024م: إنّ “موقفنا في البحر الأحمر مزعج جدًّا للصهيوني وللأمريكي والبريطاني، ونحن مرتاحون وفرحون ومسرورون جدًّا بمدى ذلك الانزعاج”.
وأشار إلى أنّ من أهم الجوانب المتعلقة بمناسبة جمعة رجب هي الاعتزاز بصفحة من أنصع صفحات التاريخ للشعب اليمني، وكذلك العمل على ترسيخ وتعزيز الهوية الإيمانية، داعياً الشعب اليمني إلى التحرك على كافة المستويات بكل الممكن وبشكل مستمر، والآفة الكبرى على أمتنا وبالذات في البلدان العربية هي الملل.
إلى نص الخطاب:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
يوم الغد الجمعة هو اليوم الأول من شهر رجب، وترتبط به مناسبةٌ عظيمةٌ ومهمةٌ لشعبنا اليمني المسلم العزيز، تعتبر محطةً من أهم وأقدس وأسمى وأعظم المحطات التاريخية لشعبنا العزيز، في انتمائه الإيماني ودخوله في الإسلام، وفيها كان دخول عددٍ كبيرٍ جدًّا من أبناء شعبنا العزيز في الإسلام، بعد أن قرأ عليهم أمير المؤمنين عليٌّ “عليه السلام” رسالة رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، في اجتماعٍ كبيرٍ في صنعاء، تدعوهم إلى الإسلام؛ فأسلموا طوعاً، وانتشروا وامتد الإسلام إلى مناطق كثيرة؛ فكان ذلك اليوم المبارك من أهم المحطات التاريخية لشعبنا العزيز.
وبهذه المناسبة نتوجه إلى شعبنا العزيز بالتهاني والتبريكات؛ لأنها محطةٌ مهمةٌ للغاية، ونعمةٌ كبيرةٌ وعظيمةٌ، وشرفٌ وفضلٌ عظيم من الله “سبحانه وتعالى”، وتوفيقٌ إلهيٌ كبير لهذا الشعب العزيز.
وشعبنا العزيز له محطات كثيرة في الانتماء للإسلام، بدءاً من المرحلة المكية، حيث كان من السابقين للإسلام شخصيات عظيمة من اليمنيين، عمار بن ياسر “رضوان الله تعالى عليه”، والمقداد، وآخرون كانوا من السابقين، الذين أسلموا مبكراً في بداية دعوة الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” وتبليغه للرسالة الإلهية، ثم كان الأوس والخزرج بإسلامهم وإيوائهم ونصرتهم، ثم انتشر الإسلام في اليمن في مراحل متعددة.
الاحتفاء بهذه الذكرى المباركة هو من الشكر لله “سبحانه وتعالى”، ومن التقدير للنعمة، ومن الاعتراف بها لله “سبحانه وتعالى”، وهي نعمةٌ عظيمةٌ جدًّا؛ ولهذا يقول الله “سبحانه وتعالى”: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ}[الحجرات: من الآية17]، هي أعظم النعم على الإطلاق، ويقول الله “سبحانه وتعالى”: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: الآية58]، نعمة تفوق أي نعمٍ مادية مهما كانت، مهما جمعه الإنسان من الأموال والنفائس، وما يحبه من متاع هذه الحياة، لا يسوى شيئاً في مقابل هذه النعمة الكبرى، والنعمة العظيمة، التي يترتب عليها الفوز العظيم في الآخرة، والشرف الكبير والعزة والخير في الدنيا.
هذا جانبٌ من جوانب الاحتفاء بهذه النعمة: تعبير عن الشكر لله “سبحانه وتعالى”، من خلال الحديث عن هذه النعمة، ومن خلال الأذكار التي يُعَبِّر الإنسان عن الحمد لله، وعن الشكر لله، وعن التنجيد لله “سبحانه وتعالى”، وعن الاعتراف بهذه النعمة العظيمة.
ثم كذلك من الجوانب المهمة المتعلقة بهذه المناسبة هي: الاعتزاز بصفحة من أنصع صفحات التاريخ لشعبنا العزيز، وهي صفحة مهمة جدًّا، دورٌ عظيمٌ وتحولٌ كبيرٌ ومهمٌ جدًّا في تاريخ شعبنا العزيز، نحو الاتجاه الصحيح ونحو الاتجاه العظيم في الإسلام، بكل ما يعنيه لنا الإسلام من أهمية، من قدسية، من عظمة، فالاعتزاز بذلك التاريخ المشرف، تلك الصفحة التي من أنصع صفحات التاريخ، شيءٌ مهم بالنسبة للأمم والشعوب.
ثم كذلك من أهم ما يتعلق بهذه المناسبة هو: العمل على ترسيخ وتعزيز الهوية الإيمانية والانتماء الإيماني لشعبنا العزيز؛ لأنَّ هذا يحتاج إلى أنشطة تثقيفية، أنشطة تربوية، اهتمام على المستوى العملي، والمسألة هذه معروفة على مستوى واقعنا جميعاً، الإنسان بحاجة إلى اهتمام تربوي وتثقيفي وتوعوي، والتزام عملي؛ للارتقاء الإيماني، وكذلك لتربية الجيل الناشئ وحمايته، والحفاظ عليه مما يستهدفه في انتمائه الإيماني، من جهة المنحرفين والمحرفين، وأيضاً تجاه الحرب الناعمة الشرسة جدًّا، التي تستهدف الإنسان المسلم اليوم في كُلّ الأقطار: تستهدفه في وعيه، في ثقافته، في فكره، في أخلاقه، في قيمه، في توجهاته، في مواقفه، في كُلّ شؤون حياته، حتى في زيه، حتى في عاداته وتقاليده، استهداف شامل وغير مسبوق، وبوسائل لم يسبق لها مثيل، فمما يتعلق بهذه المناسبة وعلى امتداد شهر رجب، ومن خلال الأنشطة التربوية والتثقيفية، هو: ملاحظة هذا الجانب المهم جدًّا.
عندما نتحدث عن هذه المناسبة المباركة، التي تشدنا إلى تلك المرحلة المهمة في انتماء شعبنا العزيز للإسلام، فمن المهم جدًّا أن نستوعب المميزات لانتماء شعبنا الإيماني، لدرجة أن يقول رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” في الحديث المشهور بين الأمة: ((الإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يِمَانيَّة))، وهذا تعبير عظيم ومهم جدًّا: (الإيمان يمان)، يدل على عِظَم تَجَذُّر الانتماء الإيماني لشعبنا، وأصالته الإيمانية، ورسوخه الإيماني.
وهناك مميزات مهمة جدًّا لهذا الانتماء الإيماني، نتحدث عن بعضٍ منها باختصار:
بدايتها هو: الإقبال الطوعي برغبة كبيرة، وانسجام مع الإسلام، هناك من القبائل العربية وفي بعض المناطق من دخلوا في حروب مباشرة ضد رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” وضد الإسلام، وكان موقفهم تجاه الإسلام، تجاه الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، تجاه الرسالة الإلهية، موقفاً سلبياً وعدائياً جدًّا، كما هو حال قريش ومجتمع مكة، اتّجه أكثرهم إلى الكفر، إلى التكذيب، إلى الحرب الدعائية، إلى محاولة اغتيال الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” على مدى ثلاثة عشر عاماً، ومن بعد هجرة النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” إلى المدينة دخلوا في حروب شرسة معه، ومناوشات حربية، كانت هناك معارك كبيرة وأحداث كبيرة بدايتها غزوة بدر الكبرى، وتخللت تلك الغزوات المتكررة إلى فتح مكة مناوشات، وحرب دعائية شرسة جدًّا، وحرب اقتصادية، وهناك قبائل أخرى كان لها موقفٌ مشابهٌ لذلك، موقف عدائي، موقف محارب، موقف سلبي، موقف صد عن سبيل الله وعن الإسلام.
بينما كان الموقف للشعب اليمني، سواءً السابقون منه في المرحلة المكية، أو الأوس والخزرج الذين أقبلوا على الإسلام طوعاً، وآووا ونصروا، دخلوا في الإسلام برغبة وانسجام كبير، أيضاً على مستوى اليمن هنا في المناطق اليمنية، عندما أتى أمير المؤمنين “عليه السلام” إلى صنعاء، وذهب أيضاً إلى مذحج، في مختلف المناطق كان الدخول جماعياً وبرغبة وانسجام، أيضاً معاذ بن جبل في بعض المحافظات والمناطق، وهكذا الآخرون الذين أرسلهم الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، وأيضاً الوفود التي وفدت من بعض المناطق وبعض القبائل على النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” وعادت مسلمةً، وأسلم من ورائها من القبائل والمناطق.
فالغالب في إسلام أهل اليمن كان هو الإسلام الطوعي، بدون حروب، بدون مشاكل، برغبة، بانسجامٍ فطري مع الإسلام، وهذا يدل على ما كانوا عليه من انسجام فطري مع قيم الإسلام، مع مبادئه، لم يكونوا قد ابتعدوا بقدر ما ابتعد غيرهم ممن كان موقفهم عدائياً ضد الإسلام، كان هناك حالات محدودة في المحاربة للإسلام، في المعارضة للإسلام، في المواجهة للإسلام، أو في حالة ارتداد، حالات محدودة، لكن الموقف الأعم، الأغلب، الجماهيري، الواسع هو: الدخول في الإسلام طوعاً وانسجاماً مع الإسلام، وارتياحاً لقيَّمه الفطرية، المنسجمة مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، هذا يدل على ما كان عليه أهل اليمن من قيم، من أخلاق منسجمة مع الفطرة؛ ولذلك وجدوا أنفسهم منسجمين مع الإسلام، ومتجهين إليه برغبة، والإقبال الكبير، انسجام وإقبال طوعي وإقبال كبير، يدخلون في الإسلام جماعات بالآلاف المؤلفة، في اليوم الواحد كان يدخل الآلاف في الإسلام ويعتنقونه ثم كان انتماؤهم في الإسلام وانتماؤهم الإيماني متميزاً، بإقبالهم للجهاد في سبيل الله تعالى، بدءاً بالأوس والخزرج الذين كان لهم شرف الإيواء، والمناصرة للنبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، والجهاد في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، فتميزوا بجهادهم، ومواقفهم الإيمانية والمشرفة، وتضحياتهم في سبيل الله، وعطائهم الذي بلغ إلى درجة أن قال الله عنهم: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر: من الآية9]، روحية متميزة وعظيمة تُعَبِّر عن قيم راقية جدًّا، وعن وعيٍ عالٍ وعن إيمانٍ صادقٍ وراسخ، عن توجهٍ جادٍ وصادق، عن كرم وسخاء وشجاعة وإيثار.
وكان منهم نماذج راقية جدًّا في إيمانهم، كعمار بن ياسر الذي قال عنه رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” بأنه: “مُلِئَ إِيْمَاناً مِنْ قِمَّةِ رَأسِهِ إِلَى أَخْمَصِ قَدَمَيه”، وكان له دور بارز في تاريخ الإسلام، وفي الجهاد في سبيل الله تعالى حتى الاستشهاد، المقداد، الأشتر، شخصيات كبيرة وبارزة وكثيرة كان لها دور عظيم ومميز، وحضور فاعل في التاريخ الإسلامي، ومؤثر، وعظيم، وَمُشَرِّف.
ثم مستوى الإسهام، انتماء ترتب عليه مواقف، جهاد، تضحية، وإسهام عظيم في تحقيق إنجازات كبرى، في نشر الإسلام، في مواجهة أعدائه، في الفتوحات الكبرى، وهكذا كان الإسهام عظيماً ومهماً، في مقدمته: إسهام الأوس والخزرج الذين سمَّاهم الله من عنده تسميةً منه “سبحانه وتعالى” بالأنصار، وهذا وسام شرف كبير وعظيم جدًّا.
ثم أيضاً في المحافظة على القيم، والاستمرار عليها، وتوريثها من الآباء إلى الأبناء جيلاً بعد جيل، هذا الإيمان المتميز برسوخه، بكماله، باتجاه المنتمين إليه اتّجاهاً صادقاً في الاستجابة لله “سبحانه وتعالى”، يقابله انتماء وادِّعاء ناقص هو إيمان الأعراب، كما قال الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}[الحجرات: من الآية14]، بالكاد أنكم قد دخلتم في الإسلام وخرجتم من الشرك، لم تبقوا في حالة الشرك، لكن لم ترتقوا بعد إلى مرتبة الإيمان، {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}[الحجرات: 14-15]، انطلقوا في إيمانهم بوعيٍ ويقين، بوعي عالٍ، وبصيرةٍ نافذة، ويقينٍ راسخ؛ لذلك لم يرتابوا مهما كان هناك من تشكيك وتلبيس، ومهما كان هناك من محاولات لزعزعة قناعاتهم الإيمانية الراسخة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[الحجرات: الآية15].
وعندما نتأمل ونقارن ما بين: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} في انتماء الأعراب وادِّعائهم للإيمان، وبين ((الإيمان يمان))، نجد الفارق الكبير جدًّا؛ لأنه برز في مسيرة المؤمنين اليمانيين، هذا التوجه الإيماني المبني على اليقين والوعي والبصيرة، والمبني أيضاً على الجهاد والبذل والتضحية والعطاء، فالمفارقة كبيرة ما بين ((الإيمان يمان))، وما بين: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا}، وفيها درسٌ مهمٌ وعبرةٌ كبيرةٌ.
ثم المحافظة على هذا الانتماء الإيماني في جذوره العظيمة: التحررية، الأخلاقية، الحضارية، على مدى التاريخ، وفي آخر الزمان، هناك أمل من كُلّ أبناء الأمة على مستوى المذاهب المختلفة، ولديهم روايات عن دورٍ مميز لليمنيين في آخر الزمن في نصرة الإسلام، في الموقف لمواجهة أعداء الأمّة، في السعي لإحقاق الحق وإزهاق الباطل، في الثبات على الإسلام، وفي حمل راية الإسلام وراية الجهاد في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، هذا شيءٌ معروف.
آخر الزمن كما ذكر الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم (في سورة المائدة) تواجه الأمّة اختباراً كبيراً، يفرز هذه الأمّة في واقعها، وفي انتمائها، وفي مصداقية انتمائها للإيمان فرزاً كبيراً، الحالة الخطيرة في آخر الزمن كما في الآيات المباركة من سورة المائدة، وهي آياتٌ بيناتٌ واضحات، تبيِّن مدى الاختبار الكبير للأمة، وسقوط الكثير من الناس في ذلك الاختبار، العنوان هو: حالة ارتدادٍ عن مبادئ الدين وَقِيَّمِة في أوساط الأمّة، امتداداً للولاء لليهود والنصارى، في إطار الولاء لليهود والنصارى، في اطار ذلك الولاء لليهود والنصارى تحصل حالة ارتداد عن مبادئ من أهم مبادئ الدين، وقيم من أهم قِيَّمِه، وتشمل كثيراً من أبناء الأمّة، ولهذا قال الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة: الآية54]، هذا الارتداد هو في اتجاهه الأوسع ارتداد عن مبادئ وقيم؛ لأنَّ الارتداد قسمان:
أحدهما خروجٌ عن ملة الإسلام، البعض من الناس يرتد إلى ذلك المستوى من الردة، يعلن الخروج من ملة الاسلام جملةً وتفصيلاً، هذه حالة كفر رهيب، وحالة خطيرة للغاية والعياذ بالله، وخذلان رهيب جدًّا، البعض يصلون إلى تلك الحالة: إلى إعلان الخروج عن ملة الاسلام جملةً وتفصيلاً، والتنكر للإسلام، والكفر به بكله.
ولكن ما رَكَّزَت عليه هذه الآية المباركة بالدرجة الأولى هو: الارتداد الأوسع، الذي يستشري في أوساط الأمّة، وهو الارتداد عن مبادئ مهمة من الدين، وعن قيم أساسية من دين الإسلام؛ ولهذا جاءت المقابلة في الآية المباركة، في قوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}.
لو كان اتجاه الآية في التركيز فقط على الارتداد (الخروج من ملة الإسلام)، لكان ما يقابل ذلك أن يقول: [فسوف يأتي الله بقومٍ يسلمون، ويشهدون ألَّا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لكن لمَّا كانت المسألة مسألة مبادئ وقيَّم أساسية في دين الإسلام، يرتد عنها البعض في إطار ولائه لليهود وأوليائهم من النصارى، أتى ليقابل هذا الارتداد بهذه المبادئ نفسها، وبهذه القيم نفسها: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، وَيُؤمَّل للمؤمنين أبناء شعبنا العزيز الذين ينطلقون في إطار هذه المبادئ والقيم، مع غيرهم من أخيار الأمّة، من أخيار المسلمين في كُلّ العالم الإسلامي، يُؤمَّل للمؤمنين من أبناء شعبنا أن يكون لهم دورٌ بارز، ودورٌ مميز في آخر الزمن، في إطار هذه المبادئ وهذه القيم وهذه العناوين العظيمة والمهمة، التي تمثل الاستمرارية لأصالة الإسلام، لأصالة الدين الإلهي الحق، والتي تكون وِصلَةً للأمة بماضيها المقدس، برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، الإسلام الحق، بإرث الأنبياء والمرسلين، التمسُّك بالقرآن الكريم ونهج الله الحق، والتحرك وفق تعليماته وهديه المبارك.
وهذا شرفٌ كبير، في ظل أن يتجه البعض من أبناء الأمّة في ارتدادهم عن تلك المبادئ في الولاء لأعدائهم وأعداء الأمّة بكلها، وفي طاعتهم، والقرآن حَذَّر من طاعتهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران: الآية100]، في ظل أن يتجه البعض من الأمّة لتسخير أنفسهم، وإمكاناتهم بكلها: إمكاناتهم العسكرية، المادية، الإعلامية، في خدمة اليهود، في التطويع للآخرين لليهود، لم يكفهم أن طوَّعوا أنفسهم لليهود في تسخير إمكاناتهم لمصلحة اليهود، فيتجه الثابتون من أبناء الأمّة، ذوو الانتماء الإيماني الصادق فيما هو شرف، فيما هو فضل، فيما هو خير، بدلاً من أن تُخضِع نفسك لعدوك، الذي لا يريد لك الخير ولا يُحبك، كما قال الله: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران: من الآية119]، بدلاً من أن تضحي في سبيله وهو عدوك ولا يحبك، وهو يحتقرك ويستغلك ويمتهنك، وتكون بذلك خاسراً عند الله “سبحانه وتعالى”، خاسراً في الدنيا والآخرة كما توعدهم الله، في نفس الآيات المباركة من سورة المائدة، ما قبل هذه الآية المباركة، أن يصبحوا خاسرين ونادمين، فالذي يتجه في سبيل الله هو الفائز، ليس بخاسر، هو يُقَدِّم ما يُقَدِّم حيث ينبغي أن يُقَدِّم فيما يُشْرِّفُه، فيما فيه الخير له، فيما فيه الفضل له، فيما عاقبته حسنةٌ عند الله في الدنيا والآخرة، فيما يليق بالإنسان كإنسان سوي الفطرة، مستقيم النفس والخُلُق.
فلذلك الدور المؤمل لأبناء شعبنا العزيز في إطار هذه العناوين القرآنية في آخر الزمن، هو دورٌ عظيمٌ وَمُشَرِّف، قال عنه الله “سبحانه وتعالى”: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، وتلك المبادئ والقيم هي ثوابت، يبنى عليها البرنامج الإيماني، وهي أيضاً معايير للإيمان الصادق الواعي، والمسيرة الثابتة للانتماء للحق بصدقٍ وإخلاص، والمسؤولية كبيرة على شعبنا العزيز في انتمائه الإيماني، عندما قال رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”: ((الإيمان يمان))، هذا وسام شرفٍ كبير وفضل عظيم، ولكن هناك مسؤولية في الحفاظ على هذا الإيمان، في ترسيخه، في تجسيد قِيَّمِه، في تربية الجيل الناشئ عليه؛ ليرث الأبناء هذا الشرف العظيم، وليتربوا على هذه الأصالة الإيمانية.
وهذا الانتماء إلى الإيمان بمميزاته وبجذوره:
جذوره التحررية؛ لأنَّ الإيمان يحررنا عن العبودية لغير الله “سبحانه وتعالى”، وهذا أول وأعظم وأكبر مبادئ الإيمان: أنه يحررنا من العبودية لغير الله “سبحانه وتعالى”، فلا نكون عبيداً إلِّا لله، وهو أيضاً يحررنا من التبعية لأعدائنا، فنتحرك بأصالة في انتمائنا للإيمان، أصالة الفكر، أصالة الهدى الإلهي، أصالة القيم، الأخلاق، المواقف، بعيداً عن التبعية للأعداء.
والجذور الأخلاقية؛ لأنّه دين الأخلاق، والقيم، والكرامة، والعفة، والصلاح، والزكاء، وغير ذلك.
ثم الجذور الحضارية، في بناء الحياة على أساسٍ من هدى الله “سبحانه وتعالى” وتعليماته.
ثم في إطار الانتماء الإيماني على مستوى الموقف الإيماني، التمسُّك به، الثبات عليه، والأمّة- كما قلنا- تواجه اختباراً كبيراً في هذا العصر، ويأتي الاختبار في إطار أيضاً الأحداث الكبيرة، والتحديات والمخاطر التي تواجه الأمّة من جهة أعدائها، وفي المقدمة اللوبي الصهيوني اليهودي، الذي هو العدو الرئيسي لأمتنا الإسلامية، كما قال الله تعالى في القرآن الكريم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}[المائدة: من الآية82]، اليهود في الدرجة الأولى، ويأتي بعد ذلك: {وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}.
وفي هذا العصر يتحرك براية العداء ويحملها ضد أمتنا الإسلامية، وضد الخير اتجاه البشرية بكلها: اللوبي الصهيوني اليهودي، وعداؤه عداءٌ شامل، هو عداءٌ لأمتنا في دينها ودنياها، وتتجلى هذه العداوة الشاملة فيما يفعله الصهاينة اليهود في فلسطين، ضد شعب فلسطين المسلم العزيز المظلوم؛ فالاستهداف للمسجد الأقصى، كمقدس من أعظم مقدسات المسلمين، يأتي في سياق العداء لديننا، لهذه الأمّة في دينها، وانتمائها الإسلامي والإيماني، انتمائها لرسالة الله “سبحانه وتعالى”، والمشاهد للممارسات الإجرامية والحاقدة لليهود الصهاينة وهم يدخلون باحات المسجد الأقصى، ويدخلون إلى المسجد ويعتدون على المصلين، على الرجال وعلى النساء، أحيانا حتى في أثناء الصلاة، أحيانا وهم يتلون كتاب الله، يدرسون القرآن، ممارسات كلها حقد، كلها عداء، كلها كراهية، كلها اعتداءٌ وعدوان، خطتهم الرامية إلى هدم المسجد الأقصى، والتي يُصَرِّحُون بها، وَيُعَبِّرُون عنها، تُعَبِّر عن هذا العداء لهذه الأمّة في دينها، ممارساتهم تجاه القرآن الكريم، وتكررت وتتكرر كثيراً في فلسطين، ومنها الإحراق للمصاحف، التدمير للمساجد، الإحراق للمساجد وما فيها من المصاحف، والإحراق للمصاحف بنفسها، والإساءة إلى النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” في كتاباتهم، في أقوالهم، في هتافاتهم، إساءات كبيرة، إساءات شنيعة، إساءات متكررة وكثيرة ومتنوعة، في كتبهم التي يكتبونها، مقالاتهم…إلخ.
عداؤهم الشديد للمسلم الفلسطيني، وعداء لإسلامه أيضاً، يتجلى في كثير من الممارسات والتعامل، وهم أعداء لكل المسلمين وليس فقط للشعب الفلسطيني، يحملون نفس عقدة العداء والكراهية، التي تتجلى حتى في ارتكاب أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، وقتل الأطفال بشكل رهيب، وبكل استهتار، وبكل جرأة، وبكل حقد، وقتل النساء، وقتل الكبار والصغار، والتفنن في ارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.
ذلك المستوى من الحقد والعداوة هو لكل مسلم، ولو تمكنوا أن يفعلوا بكل المسلمين في كُلّ بلد من أقطار العالم الإسلامي، وأن تصل أيديهم إليه ليفعلوا ذلك لما ترددوا أبداً، هي حالة من الحقد والعداء الشديد لكل المسلمين.
وهم لا يحبون حتى من أحبهم، وتولاهم من الذين ينتمون للإسلام، وهو يحبهم، ويتودد إليهم، ويخدمهم، ويقدم لهم المال، لا يزالون يحتقرونه ويكرهونه؛ وإنما لا مانع عندهم بأن يستغلوه إلى أنهى حدّ، والله قال عنهم: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}، وكلنا نعرف ماذا قابل به ترامب ما قدمه له النظام السعودي من مئات المليارات من الدولارات، (أربعمائة وخمسين مليار دولار) صفقة واحدة، لم يحصل مثلها في تاريخ أمريكا في صفقة واحدة، ومع ذلك قال عنهم: [البقرة الحلوب]، هذا وسام التكريم على الطريقة الأمريكية، لا يحترمون أحداً مهما فعل لهم، ومهما قَدَّم لهم، ومهما عمل من أجلهم، هم قتلوا الكثير من عملائهم بعد أن استغنوا عنهم، كافؤوهم بالقتل والتخلص منهم، أو النبذ، حتى زعماء لدول تخلوا عنهم- في نهاية المطاف- عندما استغنوا عنهم.
ولذلك حقدهم شديد، وعداؤهم شديد، وممارساتهم الإجرامية شنيعة للغاية، يسرفون في الدماء، لا يحملون أيًّا من المشاعر الإنسانية، لديهم استرخاص لدماء الناس، المهم عندهم أن تتهيأ لهم الفرصة ليقتلوا أبناء أمتنا الإسلامية، ثم لا يبالون بأن يقتلوا بالآلاف، أن يقتلوا الأطفال بكل جرأة ووقاحة، وأن يتباهوا بذلك، وأن يتبجحوا بذلك.
ويحصل هذا في هذه الأيام، في جرائمهم الشنيعة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وهم على مدى خمسة وسبعين عاماً وأكثر يتفننون في ارتكاب أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني في كلّ فلسطين، ولا يزالون في هذه الأيام أيضاً في الضفة الغربية يمارسون الجرائم اليومية: القتل اليومي لأبناء الشعب الفلسطيني في الضفة نفسها، الاعتقالات مع الضرب، مع الظلم، مع الاضطهاد، بشكلٍ يومي، والزج بأولئك الأسرى في السجون بطريقة فيها الظلم الكثير والمعاملة القاسية للغاية؛ أمَّا ما يفعلونه في غزة فقد ضجت منه مختلف الشعوب في مختلف أقطار العالم، جرائم رهيبة جدًّا، وشنيعة للغاية، وفظيعة إلى أسوأ حالٍ يتصوره الإنسان، القتل يومياً بأعداد كبيرة من الأطفال والنساء، القتل لأبناء الشعب الفلسطيني في غزة في مساكنهم، بالأحزمة النارية، للتدمير الشامل لأحياء بأكملها على رؤوس من فيها من الأطفال والنساء، فيما يُعَرَّف بجرائم الإبادة الجماعية.
ذلك هو الحقد اليهودي الذي تحدث عنه القرآن الكريم: الإسراف في الدماء، عدم الاحترام للنفس البشرية، ليس للنفس البشرية أي حرمة عندهم، ولا أي قيمة، وهم يكرهون الكل من غيرهم، وبالذات إذا كان الإنسان مسلماً، فالكره مضاعفٌ له، والحقد عليه والعداوة أشد.
فجرائمهم المتنوعة، من مثل: الإبادة الجماعية في المساكن، وفي خارج المساكن، مشاهد الفيديو التي تنشر في كلّ العالم، وهم يقتلون الناس في الشوارع بدمٍ بارد، يقتلون العُزَّل من السلاح بدمٍ بارد، بكل جرأة وعدوانية ووحشية وإجرام، الاستهداف حتى للأطفال الخُدَّج وَالرُضَّع، والاستهداف للنساء، وأكثر الشهداء في فلسطين من الأطفال والنساء، وأضاع الغرب حقوق الطفل، وأضاع حقوق المرأة؛ لأنها فلسطينية مسلمة، ولأنها في إطار مظلوميةٍ حقيقية، وهو لا ينادي بهذه الحقوق إلَّا خارج إطار المظلومية الحقيقية، وفي سياقات أخرى لا صلة لها لا بمظلومية، ولا بقضايا محقة ولا عادلة، عندما تكون المسألة مسألة فساد أخلاقي، وجرائم، وَتَنَكُّر للأخلاق والقيم، يأتي الغرب ليتحدث عن الحُريَّة وعن الحقوق، وعندما تكون مسألة الحقوق الحقيقية للناس: حقهم في الحياة، حقهم في العدالة، حقهم في العيش بكرامة، حقهم في الاستقلال، حقوقهم المشروعة، العظيمة، المقدسة، الأصيلة، يتنكر الغرب لذلك بشكلٍ كامل، الأمريكي يتنكر، البريطاني يتنكر، الفرنسي يتنكر، الألماني يتنكر، الإيطالي يتنكر، وموقفهم تجاه ما يحصل في غزة مخزٍ لهم، وفضيحةٌ كبرى لهم، فضيحة متجددة، وليست هي البداية، كم قد فضحتهم الأحداث فيما قد مضى، لكن الذاكرة العربية ضعيفة تحتاج إلى أحداث متجددة دائماً؛ لتنتبه وتتذكر، ثم لا تلبث أن تنسى، وهذا شيءٌ مؤسفٌ جدًّا.
العدوان من عدوّ الأمّة (اللوبي الصهيوني اليهودي) على الشعب الفلسطيني، والجرائم الرهيبة جدًّا، التي يمارسها بحق الشعب الفلسطيني في غزة في هذه الأيام، وإصراره على الاستمرار، نحن اليوم في اليوم السابع والتسعين في إطار ذلك التصعيد الذي ابتدأه العدو؛ أمَّا المظلومية فلها عقود من الزمن، أكثر من خمسة وسبعين عاماً، جرائم القتل اليومي، جرائم الاعتقال والسجن، الاختطاف، الهدم للبيوت، القلع لأشجار الزيتون، الأخذ للأراضي والاغتصاب لها، الضرب والاضطهاد، كُلّ أشكال الظلم هي على مدى عقود طويلة من الزمن، وهذه نقطة مهمة؛ لأنَّ اليهودي الصهيوني يحاول أن يُقَدِّم وكأن بداية الأحداث هي في السابع من أكتوبر، كأنها بداية الأحداث؛ لِيُحَمِّل المجاهدين في كتائب القسام المسؤولية تجاه ذلك، ويلقي باللوم على حماس؛ بينما الشعب الفلسطيني مظلوم على مدى أكثر من خمسة وسبعين عاماً بكل أشكال الظلم: الاحتلال لأرضه، المصادرة لاستقلاله، الاعتداء عليه بالقتل، الاعتداء باغتصاب الأراضي، بهدم البيوت، باغتصاب المدن والقرى ونهبها، والسطو عليها، والسيطرة عليها، والاختطاف للناس، والزج بهم في السجون، كُلّ أشكال الظلم والتعذيب، والاستهداف للمقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى الشريف، وغير ذلك، كُلّ أشكال الظلم التي من حق الشعب الفلسطيني بكل الاعتبارات المشروعة: قانونياً، وفي الشرع الإلهي، وفي الأعراف الإنسانية، أن يجاهد، وأن يواجه في سبيل دفع ذلك الظلم عنه، واستعادة حريته الكاملة، واستقلاله التام، وتحرير وطنه من احتلال أولئك الصهاينة اليهود المجرمين المعتدين.
فحجم تلك الجرائم، ومستوى تلك المظلومية الواضحة للشعب الفلسطيني، والعدو الإسرائيلي يُصِّر على المواصلة، بارتكاب تلك الجرائم، المحصلة في كُلّ أربع وعشرين ساعة عدد كبير من الشهداء، من الأطفال والنساء، والكبار والصغار، مُصِّر على الاستمرار في التجويع والحصار الشديد، يقابلها مسئولية إيمانية، أخلاقية، إنسانية، على أمتنا الإسلامية بكلها قبل كُلّ العالم، هنا مسئولية إنسانية على كُلّ الناس، على كُلّ البشر، على كُلّ الدول، ليكون لها موقف لإيقاف ذلك الظلم، ذلك الإجرام الرهيب، الذي يمارسه الصهاينة اليهود ضد الشعب الفلسطيني، تجاه تلك المذبحة المجزرة اليومية بحق الشعب الفلسطيني وأطفاله ونسائه، لكن هناك مسئولية إيمانية، أخلاقية، دينية، بكل الاعتبارات على أمتنا الإسلامية؛ لتقف هي في المقدمة، وتقود هي التحرَّك العالمي؛ لمنع استمرار تلك الجرائم، لمنع استمرار الحصار والعدوان ضد أبناء الشعب الفلسطيني في غزة.
ومن هذا المنطلق تحرك شعبنا العزيز بكل ما يمكنه، تحركاً شاملاً: بالمظاهرات والمسيرات التي لا مثيل لها في أي بلدٍ آخر على مستوى كُلّ العالم، بالموقف العسكري، في الاستهداف للعدو الصهيوني بالصواريخ والمُسيَّرات، وفي منع السفن المرتبطة بإسرائيل من العبور في البحر الأحمر، وفي خليج عدن وباب المندب، والاستهداف لها، ومنعها أيضاً من بحر العرب، هذه البحار التي في متناول شعبنا أن يتحرك فيها، وأي مستوى يصل إليه شعبنا بإمكاناته ووسائل لن يتردد في أن يتحرك على أساسه، سقفنا كشعبٍ يمني عالٍ في إطار هذا الموقف العظيم والمقدس، الذي ننطلق فيه انطلاقةً إيمانية، انطلاقةً بانتمائنا للإيمان، في إطار المسؤولية الأخلاقية والإيمانية والدينية.
وشعبنا العزيز يتحرك على كُلّ المستويات: أنشطة التعبئة العسكرية واسعة، وشملت معظم المحافظات، وأصبح المنتمون إليها بالآلاف، وهذا مسار مهم جدًّا.
الأنشطة على مستوى التحرك في الفعاليات المتنوعة: على مستوى التبرع بالمال، الأنشطة الإعلامية في الجبهة الإعلامية، من المنطلقين في الجبهة الإعلامية من هذا المنطلق الإيماني والواعي والمسؤول، تحرك على كُلّ المستويات بكل الممكن، وبشكلٍ مستمر؛ لأن الآفة الكبرى على أمتنا وبالذات في البلدان العربية هي: الملل، هذه آفة كبيرة جدًّا، البعض من الناس تفاعلوا في بداية الأحداث، وَعَبَّروا عن تعاطفهم مع الشعب الفلسطيني، وأظهروا التفاعل، إمَّا على مواقع التواصل الاجتماعي، أو بشكل مظاهرات ومسيرات، أو البعض التفاعل على مستوى المقاطعة للبضاع الأمريكية والإسرائيلية، وهي مسألة مهمة للغاية؛ ولكنَّهم مع الأيام يتروضون ويعتادون على ما يسمعونه عن المآسي والأحداث هناك، وتصبح بالنسبة لهم في ذهنيتهم صورة مكررة معتادة، ولكي يتحمسوا ويتفاعلوا من جديد هم بحاجة إلى مأساة أكبر من تلك المأساة- فما الذي ننتظر ليكون أكبر من تلك المأساة؟!-، ثم يفترون، يقل تفاعلهم؛ لأنَّ المسألة بالنسبة لهم مجرد حالة عاطفية، وتفاعل وجداني محدود، لا يلبث أن يفتر، ليس معه استشعار للمسؤولية أمام الله “سبحانه وتعالى”، استشعار للمسؤولية الإيمانية والدينية، وليس معه عمق في شعور الوجداني الإنساني والإيماني والأخلاقي؛ ليساعد على الاستمرارية، وهي حالة سلبية خطيرة جدًّا.
شعبنا العزيز خرج على مستوى المظاهرات والمسيرات الكبرى، بخروج كبير جدًّا في ميدان السبعين، وفي المحافظات، الخروج في المحافظات أيضاً خروج كبير جدًّا، واستمر على ذلك، وبعد الجريمة الأمريكية في الاعتداء على المجاهدين الأعزاء في القوات البحرية في البحر الأحمر، ازداد التفاعل والخروج، وكان خروج يوم الجمعة الماضي خروجاً بأكبر مما سبقه، وهذا المستوى التصاعد في التحرك والتفاعل والاستمرار أمرٌ مهمٌ جدًّا، ومن مصاديق الانتماء الإيماني الصادق والوعي، ورسوخ الحالة الوجدانية الإنسانية والأخلاقية، ليست ضعيفة لا تلبث أن تتلاشى، راسخة وقوية، وتعبير عن يقظة الضمير، وهي الحالة الإيمانية؛ لأنَّ الإيمان يستند إلى مبادئ، إلى قيم، ويزكي النفوس، ويحيي الضمائر؛ لتكون حيةً ويقظة، ويرفع منسوب التفاعل الوجداني لدى الإنسان، فلا يتحول إلى حالة عابرة وبسيطة، لا تلبث أن تفتر وينهيها الملل؛ لأنَّ الوقت طال، أو لأنَّ الأيام استمرت مع الأحداث، وأصبح الإنسان متروضاً على ذلك المقدار ثم برد تفاعله.
إصرار العدو الصهيوني على الاستمرار في الإجرام بحق الشعب الفلسطيني في غزة، بذلك المستوى من القتل، والتدمير، والحصار، والتجويع، وإصرار الأمريكي الذي يقول في كلّ يوم بأنه يعارض وقف إطلاق النار، يعني: أنه يُصِّر على استمرار الإجرام، يُصِّر على استمرار المذبحة التي قدَّم لها القذائف، وقدَّم لها القنابل، وقدَّم لفعلها المال، وأشرف على ارتكابها، وأدار ارتكابها والتنفيذ لها، وقدَّم لها الحماية على المستوى الإقليمي والدولي، الكل في الدنيا (الدول، الأنظمة، البلدان، الشعوب) تنادي بوقف ذلك العدوان الرهيب، الذي هو وصمة عار في جبين الإنسانية أن يستمر بحق أهل غزة، بحق الشعب الفلسطيني في غزة، والأمريكي يُعَبِّر ويعلن بكل وقاحة أنه يعارض وقف إطلاق النار، يريد أن يستمر إطلاق النار على الأطفال، أن يستمر إطلاق النار لقتل النساء، أن يستمر إطلاق النار بالقنابل، والقذائف، والأحزمة النارية، بكل وسائل القتل والتدمير لقتل المدنيين وَالعُزَّل والشعب الفلسطيني، مجاهرة ووقاحة عجيبة جدًّا في تَبَنِّي الإجرام الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني المظلوم، والبريطاني كذلك معه، وإن لم يكن في مستوى الإمكانات التي لدى أمريكا، لكنَّه في مستوى الحقد، وفي مستوى العدوانية والتآمر مع الأمريكي جنباً إلى جنب، كلهم أذرعة للصهيونية كلهم، الأمريكي، والبريطاني، والإسرائيلي، كلهم أذرعة للصهيونية اليهودية في العالم، هم الأول في التحرك لخدمتها، وهم الذين يتحركون لتنفيذ مؤامراتها، الأمريكي ذراء، والإسرائيلي كذلك والبريطاني، للإخطبوط الصهيوني الذي يتآمر على العالم بكله، ويواجه الشعب الفلسطيني معاناة كبيرة من ظلمه وإجرامه.
ألَا يستفزنا هذا الإصرار من جهة الإسرائيلي، ومن جهة الأمريكي، ومن جهة البريطاني، على الاستمرار في القتل للأطفال والنساء، والمدنيين والعُزَّل، بكل أنواع القتل والتدمير، الأمريكي يُصِّر وَيُقدِّم القنابل لقتل الشعب الفلسطيني، البريطاني يُصِّر كذلك، الإسرائيلي ينفذ، ألَا يستفزنا ذلك؟! ألَا يزيدنا عزماً، إصراراً على موقفنا، الموقف الحق، ثباتاً على موقفنا، تصعيداً في موقفنا؟! ألَا يستفز شعوبنا الإسلامية وعالمنا الإسلامي في البلدان العربية وغيرها ذلك الاستمرار اليومي في الإجرام، وذلك الإصرار الذي يعلن عنه الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي، وَيُعَبِّرون عنه في مؤتمراتهم الصحفية، وفي مناسباتهم المختلفة، وكلماتهم في المناسبات المختلفة؟!
علينا مسؤولية كأمّة مسلمة أن نتحرك، وألَّا نمل، وأن نتجه إلى تصعيد موقفنا، وهناك مسؤولية إيمانية وأخلاقية في كُلّ الشعوب، يجب أن تتسع دائرة المقاطعة للبضاع الأمريكية والإسرائيلية، في دول الخليج، أنا أتوجه بهذا النداء إلى كُلّ الشعوب في الخليج: بوسعكم أن تقاطعوا البضاع الأمريكية والإسرائيلية، وأنتم من أكثر البلدان استيراداً لها؛ بسبب أنظمتكم التي تستوردها، قاطعوا، جاهدوا ولو بالمقاطعة، اتخذوا موقفاً ولو بالمقاطعة، في مِصر، الشعب المصري الكبير من أكثر البلدان استيراداً لبضائع لشركات صهيونية، أو تعاملاً مع شركات صهيونية، أناشد الشعب المصري، وأتوجه إليه، بتذكيره بمسؤوليته الأخلاقية والإسلامية والإنسانية، ليقاطع البضائع الأمريكية والإسرائيلية، عَبِّرُوا بتصاعد عن صوتكم المؤيد للشعب الفلسطيني في كُلّ شعوب عالمنا الإسلامي، في البلدان العربية وغيرها، في مواقع التواصل الاجتماعي، شَهِّروا بالموقف الأمريكي وافضحوه والعنوه، والعنو البريطاني، والعنو الإسرائيلي، عَبِّروا عن عدائكم، عن سخطكم، افضحوهم، العنوهم، عَبِّرُوا عن سخطكم، عن عدائكم لجرائمهم، هذا من أقل ما يمكن أن تفعلوه.
لو وصل الإنسان إلى مستوى ألَّا يفعل شيئاً وألَّا يقول شيئاً، وعلى مستوى شعوب بأكملها، تغلب عليها حالة الصمت، وحالة التَنَصُّل التام عن فعل أي شيء، على مستوى المقاطعة، على مستوى الكلمة، على مستوى أي شيء، فهذه حالة خطيرة على الإنسان، ماذا سيقول يوم القيامة، يوم يقف بين يدي الله “سبحانه وتعالى”، أين جهادك؟ لماذا تفرجت على تلك المظلومية وتجاهلت ما يحصل، وهم جزءٌ منك، أولئك هم جزءٌ من أمتك، أولئك يشملهم قول رسولك ونبيك “صلوات الله وسلامه عليه على آله” في مظلوميتهم وهم من أبناء الأمّة: ((من سمع مسلماً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس من المسلمين))، ((من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن سمع منادياً ينادي يا للمسلمين فلم يجب فليس بمسلم))، كم نادى المظلمون في غزة! نداءاتهم موثقة، نداءات الأطفال اسمعوها، نداءات النساء اسمعوها، وإلَّا فَصُمَّت أُذُنُ من لا يسمع، نداءات أبناء الشعب الفلسطيني يُذَكِّرون الأمّة بمسؤوليتها تجاههم اسمعوها، وافتحوا لها قلوبكم، وتعاملوا معها بضمائركم، واستشعروا مسؤوليتكم.
الذين يتحركون من أبناء الأمّة على مستوى محور المقاومة وغيره، ممن لديهم مواقف، أو جبهات، أو أنشطة في مستوى متقدم، هذا شيءٌ مهم، ويجب ألَّا نمل أبداً، بل إن تصعيد العدو الإسرائيلي لما ارتكبه مؤخراً في لبنان، من جرائم الاغتيالات، والاعتداء على السيادة اللبنانية، يزيد من عزم وإصرار إخوتنا في حزب الله، وفي ثباتهم، وفي تصعيدهم، وفي موقفهم، وهم يتحركون من منطلقٍ إيماني، وهكذا أحرار الأمّة، أبناء الشعب العراقي في الحشد الشعبي، والمجاهدين من أبناء الشعب العراقي.
التحرك من أبناء الأمّة يجب أن يكون تحركاً نشطاً، المظاهرات والمسيرات يجب أن تستعيد زخمها من جديد، في البلدان التي قد تراجعت أو فترت فيها، وأن نزداد في حالة تعبئة مستمرة.
في إطار موقف شعبنا العزيز يمن الإيمان، يمن الحكمة، يمن الجهاد في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، يمن الموقف الإيماني الحق، لن نتردد- إن شاء الله- في فعل كُلّ ما نستطيع، وسنواجه العدوان الأمريكي، أي اعتداء أمريكي لن يبقى أبداً بدون رد، والرد لن يكون فقط بمستوى العملية التي نُفِّذَت أخيراً، في استهداف الأمريكيين في البحر بأكثر من أربع وعشرين طائرة مُسَيَّرة وبعدة صواريخ، الرد أكبر من ذلك، وأكثر من ذلك، كُلّ اعتداء أمريكي لن يبقى بدون رد، ولن يردنا الموقف الأمريكي، والبريطاني الذي يتجه معه عدوانياً، لحماية السفن المرتبطة بإسرائيل؛ ليواصل الإسرائيلي جرائمه بدون إزعاج.
لأنَّ الموقف اليمني في منع السفن المرتبطة بإسرائيل من العبور في البحر الأحمر، والاستهداف لها، هو موقفٌ- بحمد الله “سبحانه وتعالى”- فاعل، ومُؤثِّرٌ جدًّا، وكبَّد العدو الصهيوني الخسائر الكبيرة في اقتصاده، وأثَّر على العدو الصهيوني، وله تأثيراته الممتدة إلى من يقفون معه، ويدعمونه الدعم المفتوح، ويقدِّمون له الغطاء لارتكاب جرائمه، ويتورطون معه في ارتكاب تلك الجرائم، هو موقف فاعل، بالرغم من أنه في بداية الأمر كان هناك من بعض العملاء وبعض الأبواق، بعض الأبواق التابعة لليهود المنتسبين إلى أمتنا العربية، من يستخف بالموقف اليمني، أو يحاول أن يسخر منه، وأن يقلل من فاعليته ومن تأثيره، لمَّا تجلى تأثير هذا الموقف بشكل كبير جدًّا اتجهوا إلى التهويل، لمَّا حصل الاعتداء الأمريكي اتجهوا إلى التهويل، بحمد الله، وبتوفيق الله “سبحانه وتعالى”، لسنا في هذا الشعب اليمني المبارك ممن يخاف من أمريكا، ولا ممن كان سقف موقفه إلى الدرجة التي لا تُغضب أمريكا، الاعتداء الأمريكي على البحرية كان شاهداً من شواهد التأثير لموقفنا، تأثيرها على العدو الصهيوني؛ ولذلك هو مزعجٌ جدًّا للصهيوني، مزعجٌ للعدو الإسرائيلي، ومزعجٌ للأمريكي تبعاً لذلك، ومزعجٌ للبريطاني، لكل أولئك الذين يُقَدِّمون أنفسهم على أنهم يتحملون التزامات لخدمة اليهود بفعل انتمائهم للصهيونية، فانزعاجهم شديد جدًّا، نحن مرتاحون، وفرحون، ومسرورون جدًّا بمدى ذلك الانزعاج.
وأهم شيءٍ بالنسبة للأمريكي- الذي يورِّط نفسه أكثر فأكثر، فيما لا فائدة له فيه وإنما يقدمه خدمة للصهيونية- أهم شيءٍ بالنسبة له أن يورِّط الآخرين معه، هو يبذل كُلّ جهده مع البريطاني لتوريط دول أخرى معه، في المواجهة لشعبنا اليمني العزيز، وفي الدخول في مواجهة عسكرية مع شعبنا، أحياناً يحاول أن يجر الأوروبيين ليورطهم فيما لا مصلحة لهم فيه، وليس لهم فيه قضية تعنيهم؛ لأننا نقول للكل: للأوروبيين، للدول الآسيوية في الشرق والغرب، نقول للجميع، للدول الآسيوية كالصين وغيرها، ونقول للدول الأوروبية في الغرب، نقول للكل في كُلّ العالم: لا مشكلة عليكم في المرور والعبور، من البحر الأحمر، المستهدف فقط وبشكلٍ حصري السفن المرتبطة بإسرائيل، لكن من يريد أن يتورط، وأن يعتدي على أبناء شعبنا العزيز، وأن يستهدف القوات البحرية، وأن يستهدف قوة جيشنا العزيز، فهو يخاطر فعلاً بملاحته، بسفنه التجارية أيضاً، ويخاطر على المستوى العسكري بالدخول في مواجهة سيدفع ثمنها؛ لأننا شعبٌ مجاهد، نعتمد على الله “سبحانه وتعالى”، ونواجه العدو، شعبنا العزيز لا يتهرب من ميدان المواجهة، وأياً كانت هذه المواجهة، ومع أي عدو مهما كانت إمكاناته وقدراته، نحن شعبٌ يعتمد على الله القوي العزيز، الله “سبحانه وتعالى” الأكبر والعظيم.
ولذلك نحن نوجه النصح لكل الدول (الآسيوية، الأوروبية، في الشرق، في الغرب) لكل البلدان: لا تورطكم أمريكا، دعوها تتورط هي، تفرجوا عليها، ولتتورط معها بريطانيا لا مشكلة، البريطاني رصيده الإجرامي، عبوديته للصهيونية وخنوعه لها، وخدماته لها منذ البداية هي تدفعه إلى أن يتورط، فليتورط لا مشكلة، نفسنا- بحمد الله “سبحانه وتعالى”- طويل، قدرة شعبنا على التحمل، ثبات شعبنا في مواقفه، للمواجهات الكبيرة وللمواجهات الطويلة، والخاسر هو من يورط نفسه في الاعتداء على شعبنا، لخدمة إسرائيل، لخدمة استمرار الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
كما أنصح كُلّ الدول العربية، كُلّ الدول والبلدان في عالمنا الإسلامي إلى ألَّا تشترك أبداً مع الأمريكي، في سعيه لحماية السفن الإسرائيلية، خدمة لا قيمة لها، خدمة سيئة، من يخدم الإسرائيلي ليواصل جرائمه يشترك معه في الجريمة، وعمل دنيء، وتافه وسيء، خدمة مجرم، أسوأ مجرم في العالم وأكبر مجرم في العالم هو الإسرائيلي، فمن يخدمه ليواصل جرائمه ضد الشعب الفلسطيني؛ فهو يتنكر لكل الأخلاق، ولكل القيم، ولإنسانيته حتى؛ ولذلك لا يليق بأي بلد عربي أن يخدم إسرائيل، أن يقف مع العدو الصهيوني ليواصل جرائمه في غزة.
فيما حصل من النظام البحريني، هو لا يمثل فيه شعب البحرين، شعب البحرين شعبٌ عزيز، وشعبٌ ثائر، وشعبٌ مظلوم، وواجه الأَمَرّين من نظام آل خليفة، آل خليفة في البحرين هم عبيدٌ للصهاينة، ومتورطون في مفاسد وجرائم أخضعتهم إلى أسوأ حال لليهود الصهاينة، وقصصهم وفضائحهم مشهورة ومعروفة، تحدثت عنها حتى جهات غربية، وافتضحوا بذلك كثيراً، هم لا يمثلون موقف الشعب البحريني، موقف شعب البحرين هو موقف شريف ونزيه، وموقف عظيم، وهم شعبٌ مظلوم، وموقفهم تجاه الشعب الفلسطيني واضح ومظلوميته، وهم يتبنون مظلومية الشعب الفلسطيني، بالرغم مما هم فيه من مظلومية ومعاناة.
بقية الدول العربية والإسلامية نأمل منها ألَّا تتورط أبداً، وليتركوا الأمريكي، والإسرائيلي، والبريطاني، ليتورطوا هم، ونحن -بحمد الله “سبحانه وتعالى”- نرتاح أن تكون المواجهة كما قلنا سابقاً- مباشرة مع الأمريكي والإسرائيلي، ومهما قدّمنا من الشهداء فلن يؤثِّر علينا ذلك، لن يضعف موقفنا، ولن يَفُتَّ في عَضُدِنَا، ولن يقلل من مدى اهتمامنا وثباتنا؛ لأننا قدمنا الآلاف من الشهداء، ونحن نتصدى للذين حاربونا من منتسبي أمتنا، من المنتسبين لأمتنا، من أنظمة وجماعات تكفيرية وغيرهم، ممن قاتلون بالوكالة نيابةً عن أمريكا، قدَّمنا الآلاف من الشهداء ونحن نتصدى لهم، ونواجه عدوانهم علينا، فإذا كانت المواجهة مباشرة مع الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي، فذلك أحب إلينا، ونحن مستعدون لفعل ما يلزم، ونقاتل بكل جرأة؛ لأننا نعتمد على الله ولا نعتمد على أنفسنا، بل نعتمد على الله “سبحانه وتعالى”.
موقفنا تجاه العدوان على الشعب الفلسطيني -كشعبٍ يمني- هو من أهم مصاديق قول رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”: ((الإِيْمَانُ يَمَانٍ))، شهداؤنا من القوات البحرية، في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، إسناداً لطوفان الأقصى وعلى طريق القدس، فازوا فوزاً عظيماً لنيل الشهادة في المعركة المباشرة، وأثناء اعتداء أمريكي مباشر، ونحن بذلك أكثر عزماً على مواصلة المشوار، واستهداف السفن المرتبطة بإسرائيل، ولن نتراجع عن ذلك، وموقفنا إيماني، وعلى الأمريكي أن يعرف ماذا يعني هذا.
ولذلك أدعو شعبنا العزيز إلى مواصلة كُلّ أنشطته في إطار هذا الموقف، في إطار التعبئة والتدريب القتالي، وفي إطار المظاهرات والمسيرات، والفعاليات المتعددة والمتنوعة، وفي إطار التبرع بالمال، بالرغم من الظروف الصعبة بقدر الإمكان، وفي إطار النشاط الإعلامي في الجبهة الإعلامية من الناشطين، إعلامياً، في إطار الموقف الرسمي، وفي إطار الموقف الشعبي، دون تردد ودون تراجع.
كما أدعو المتخاذلين من أبناء أمتنا الإسلامية إلى التحرك، أما آن لكم أن يكون لكم موقف، إذا لم يتحرك الإنسان أمام أحداث كهذه، في ظروفٍ كهذه، تجاه مظلومية بذلك الوضوح، وبذلك المستوى، فمتى سيتحرك، وفي مواجهة من سيتحرك؟! الأعداء هم اليهود الصهاينة، أعداء للأمة في دينها ودنياها وفي كُلّ شيء، والجرائم واضحة، والمظلومية للشعب الفلسطيني، بيِّنة، فمتى سيتحرك الإنسان؟!
شعبنا العزيز سيواصل تحركه من منطلقه الإيماني، يوم الغد يوم الجمعة الأولى من رجب، شعبنا العزيز-بإذن الله وبتوفيق الله، ووصلاً لحاضره بماضيه المُشَرِّف، بتاريخه الناصع، بجهاده، بمواقفه، بانتمائه الأصيل والعظيم للإسلام- سيخرج يوم الغد إن شاء الله خروجاً مشرفاً وكبيراً، خروجاً مليونياً، بدون فتور ولا ملل، بحضورٍ كبيرٍ جدًّا، في ميدان السبعين عصر الجمعة، وفي المحافظات الأخرى، بحسب الترتيبات المعتمدة فيها.
شعبنا العزيز، هذا هو أملي فيكم، بانتمائكم للإيمان، بمواقفكم المُشَرِّفة، بقيمكم وأخلاقكم، ألَّا تكونوا كمن يؤثِّر فيهم الملل والفتور، ويعجزون حتى عن الحضور في مظاهرة أو مسيرة؛ بينما الإنسان يذهب يومياً ويتحرك يومياً -الكثير من الناس- يذهب إلى السوق، يخرج في أشياء لا أهمية لها ولا ضرورة لها، فما بالك إذا كان الخروج يُعَبِّر عن إيمانك وجزءٌ من جهادك، إذا كان الحضور في تلك المظاهرات الكبرى جزءاً من جهادك في سبيل الله، ومن التعبير عن موقفٍ عظيم له أهميته بالمعيار الإيماني، موقف يرضي الله “سبحانه وتعالى”، يرفع الرأس، يشرِّف الإنسان في الدنيا والآخرة، المفروض أن يحضر الإنسان بكل رغبة، بكل تفاعل، وأن يحذر من حالة الملل والفتور.
نسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا وإياكم لما يرضيه عنَّا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يفرج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛