العدوانُ الدولي على اليمن

 

عبد الرحمن مراد

خاض اليمن على مدى تسعة أعوام حرباً مع وكلاء الصهيونية وأمريكا وبريطانيا واليوم تخرج المعركة إلى المواجهة المباشرة بين الصهيونية وأمريكا وبريطانيا وبين اليمن.

نفذت أمريكا وبريطانيا غارات على عدد من المحافظات اليمنية ليلة الجمعة غرة رجب 1445هجرية، الموافق 12 يناير 2024م بحجّـة حماية طرق الملاحة وحماية الازدهار في البحر الأحمر.

اليمن تعهد الغارات وعهدتها على مدى أعوام تسعة، فالوكلاء لم يتركوا شبراً في اليمن دون أن يكون هدفاً للغارات سواء أكان عسكريًّا أَو مدنياً أَو تنموياً، فالحرب بالنسبة لليمن لم تعد إلا خياراً استراتيجياً متعدد الأبعاد؛ فهو بلد تحاصره قوى العدوان وتقطع عنه كُـلّ أسباب الحياة، وليس لدى قوى العدوان اليوم ما يمكنها أن تشكل به ضغطاً على اليمن، أَو يمكنه أن يثني اليمن عن نصرة المستضعفين في غزة، فالمعركة بالنسبة لليمن تشكل خياراً استراتيجياً مهماً بعد أن عمل العدوان عبر الوكلاء على تدمير مقومات الحياة فيه.

ما قامت به أمريكا وبريطانيا ليس أكثر من تصرف رمزي هدفه حفظ ماء الوجه أمام الرأي العام العالمي، فالموقف اليمني من أمن البحر الأحمر واضح، وقد تفاعل معه شرفاء العالم، خَاصَّة وإسرائيل تمارس حرب إبادة وتدمير في غزة، وتقوم بتهجير سكان غزة، وهو تصرف استنكره الضمير الجمعي العالمي الشريف.

ولذلك قالت أمريكا إنها لا تريد التصعيد في البحر الأحمر، فلماذا أقدمت على خطوة وهي تدرك خطورتها سلفاً؟ خَاصَّة وقد فشل تحالفها الدولي “حارس الازدهار” ورأت الكثير من الدول عدم جدواه وأثره الأخلاقي والعسكري وضرره على مصالح الكثير من الدول التي كانت أمريكا ترغب في مشاركتهم، أَو تعول عليهم في خوض المعركة بالنيابة عنها، ولذلك سارعت إلى ضربة خاطفة، واتبعتها بتصريح أنها تريد حماية طرق الملاحة، ولا ترغب بالتصعيد، وهي بذلك تقر بالخطأ الذي ارتكبته، خَاصَّة وأن هجومها لن يمر دون رد من قبل صنعاء التي سبق لها وأن حذرت أمريكا وإسرائيل وحذرت الدول التي سوف تشارك مع أمريكا بالعدوان على اليمن أن مثل ذلك لن يمر دون رد، وهو حق مشروع لليمن وفق كُـلّ القوانين والأعراف الدولية.

دخول أمريكا وبريطانيا في العدوان على اليمن إعلان واضح وصريح بانحيازهما إلى جرائم القتل والتدمير والتهجير التي تقوم بها الآلة العسكرية الصهيونية في غزة، وهذا الإعلان الصريح والمباشر حشر حلفاء أمريكا من العرب في زوايا أخلاقية ودينية في غاية الضيق، خَاصَّة وأن موقف اليمن كان واضحًا، وهو الانتصار لمظلومية شعبنا في فلسطين، وانتصاراً للأقصى الشريف، وجاء العدوان على اليمن تأييداً لحكومة إسرائيل في كُـلّ الانتهاكات التي تحدث في غزة.

اليوم أمام الأنظمة العربية خياران لا ثالث لهما، الخيار الأول الانتصار لمظلومية الشعب الفلسطيني والاصطفاف مع محور المقاومة وهو الخيار الأمثل لهم، أَو الاصطفاف مع الصهيونية وأمريكا وبريطانيا، وهو الأمر الذي سيجعل الشعوب تنتفض فتموج الأرض من تحت أقدامهم، أَو التزام الصمت، ومثل ذلك أمر صعب بالنسبة للأنظمة؛ لأَنَّها ستبدو أمام شعوبها كسيرة ذليلة مهانة.

اليمن ستخوض المعركة بكل عنفوان المارد الخارج من بين رمادها على مدى تسع سنوات عجاف ولا مشكلة لديه، المشكلة الكبرى والمعقدة لدى بريطانيا وأمريكا وإسرائيل وكلّ من تحالف معهم في إطار منظومة “حارس الازدهار” فالمعركة سوف تترك أثراً مدمّـراً عليهم من حَيثُ استهداف المصالح وتعطلها، ومن حَيثُ كلفة الحرب الباهظة الثمن، ومن حَيثُ القيمة والسمعة الدولية، فالموضوع ليس سهلاً ولن يمر عفو الخاطر أبداً، بل سوف يكون له أثر كبير على حركة التوازن الدولي، وحركة العالم المتعدد الأقطاب الذي يعمل على الخروج من عباءة القطب الواحد وتحاول أمريكا أن تقاومه لكن بانحياز كامل لإسرائيل قد يفقدها وأفقدها القيمة والمعنى في العالم وفي المنطقة العربية، وقد بدأ البعض مغازلة روسيا والصين تحسباً للعالم الذي يتململ وسوف يعلن عن نفسه كعالم متعدد الأقطاب ليس لأمريكا فيه ما كان لها في سوالف الأيّام والعقود الماضية.

أمريكا بإعلانها الحرب على اليمن بشكل مباشر دخلت نفقاً مظلماً لن تخرج منه إلا بيد مبتورة إن لم تتدارك الأمر سريعاً وتصلح من ذات نفسها وتعيد ترتيب علاقتها مع الشعوب ومع المنطقة العربية بشكل كامل، وهي العلاقة القائمة على الندية والمصالح المشتركة لا تلك القائمة على مبدأ التابع والمتبوع.

اليمن أعلنت مراراً أنها تتمنى مواجهة مباشرة مع أمريكا وإسرائيل، وهي اليوم في أوج مشاعر الامتنان -وقد عبر قائد الثورة في اليمن عن ذلك في جل خطاباته- وقد حدث ما كانت تتمناه، ولذلك كان الخروج في الساحات والميادين تعبيراً صادقاً عن الرغبة في خوض معركة العزة والكرامة والحرية والسيادة ضد كُـلّ القوى التي تستهدف تلك القيم في نفوس المسلمين، فالإسلام دين حرية واستقلال وعزة وكرامة، ولا بدَّ أن تعود تلك القيم حتى يشعر كُـلّ فرد مسلم في هذا العالم بعزة الإسلام.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com