القصفُ الأمريكي البريطاني على اليمن.. عدوانٌ مباشرٌ بلا قناع
على “إسرائيل”
الجعدبي: التورُّطُ الأمريكي يضعُ مصالحُ أمريكا والغرب في الخليج في دائرة الاستهداف وهو ما لا تقوى عليه أُورُوبا وأمريكا في الوقت الحاضر
المسيرة – إبراهيم العنسي
كشفت أمريكا أخيراً عن وجهِها الحقيقي، وأزالت القناع، ليتضحَ للجميع بجلاء ووضوح أن العدوان على اليمن منذ عام 2015 وحتى يومنا هذا هو أمريكي بريطاني بالدرجة الأولى.
الآن، يتجدد القصف على الجمهورية اليمنية، وتنتهك سيادة البلاد، لتعلن أمريكا وبريطانيا هذه المرة أنهما المجرم الحقيقي، وأنهما الفاعل، وأنهما المعتدي، لا تستر خلف السعوديّة أَو الإمارات، بل هو عدوان واضح وجلي للشعب اليمني وللعالم أجمع.
ويمكن القول: إن الأغطية والتحالفات الشكلية اليوم باتت سمةً غالبةً على تحَرّكات الأمريكان حول العالم على أمل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هيبة تتوارى عن أنظار العالم في حضور قوى عالمية جديدة صاعدة، فلا خيارات أمام العدوان الأمريكي اليوم، فالفرص أصبحت محصورة في ظهور ثنائي بعد أن كانت واشنطن تعتمد سياسة الأغطية والتحالفات في الماضي والتي كان آخرها الغطاء الخليجي.
التفسيرُ المنطقي للعدوان الأمريكي البريطاني فجرَ الثاني عشر من يناير –كما يقول- أُستاذ الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء الدكتور عبد الملك عيسى: إن لها أهدافًا عدة، حيثُ إن واشنطن تحاولُ…
أولاً: استعادة شيء من هيبتها المفقودة بعد سلسلة مواقف رافقت عملية الحصار اليمني القوية على مرور السفن في البحر الأحمر ومنع مرور سفن إسرائيل كليًّا.
ثانياً: تحاول الولايات المتحدة توجيه أنظار العالم بعيدًا عن محاكمة إسرائيل بمحكمة لاهاي بتهمة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.
ثالثاً: هو إشغال الرأي العام بعيدًا عن حرب غزة والمجازر المُستمرّة التي يرتكبها الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني، وفي المقابل حرف الرأي العام عن هزيمة إسرائيل في غزة.
هذا التفسير للتحَرّك الأمريكي الذي بالأَسَاس أزعج الكونجرس الأمريكي ليس لشيء إلا أنه تم دون إذن وتخويل المجلس، الذي يرى أن بايدن انتهك المادة الأولى من الدستور، إلى جانب رفض الشارع الأمريكي للسياسات الأمريكية العقيمة التي باتت محل سخط الشارع والذي يقول إن تكاليفها يتحملها دافع الضريبة الأمريكي، فضلاً عن أن ذلك التصعيد هو تراكم لخيبات وهزائم أمريكية متوالية حول العالم بدءاً من فيتنام وأفغانستان والعراق وهلم جر.
والحقيقة التي تبدو للمحللين أن أمريكا تشعُرُ بإحراجٍ كبيرٍ في ظل نجاح اليمن في منع السفن من المرور إلى إسرائيل بعد أن كانت تعتبر مسألة الملاحة الدولية خطاً أحمر فيما مضى، حَيثُ تفاجأت اليوم بقوة صنعاء في منعها ومنع إسرائيل ومن يتعاون مع تلك السفن من المرور عبر البحر الأحمر، فقد باتت محل تهكم وسخرية عالمية رافقها محاولات صنع مواقف انتصارات وهمية من خلال حادثة إنقاذ سفينة اتضح أنها كانت جزءاً من مشهد ضاحكٍ، ثم الإعلان عن تحالف بحري باسم دول تبرأت فيما بعد من المشاركة فيه، وهذا ما أظهر الأمريكان في وضع ضعيف هو بالأَسَاس أحد مؤشرات تتكرّر عن الأفول الهادئ للهيمنة الأمريكية في هذا القرن.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور أحمد الغيش: إن “هذا العدوان هو محاولة أمريكية لرد جزء من الاعتبار الذي فقدته، حَيثُ لم تكن تلك الضربات ذات تأثير”.
والواضح من حدث الأمس أن العدوان الأمريكي البريطاني بات اليوم “مباشراً” وصريحاً على اليمن على عكس ما كان عليه في تسع سنوات مضت، كانت فيه واشنطن ولندن تتخفيان وراء أطماع الرياض وأبو ظبي.
ومع هذا الانكشاف الذي فرضته صنعاء على تلك القوى الاستعمارية، سقطت القوى العميلة في الرياض وأبو ظبي، إذ أصبح مؤكّـداً أنها لم تعد قادرة على فعل شيء للنيل من اليمن، فيما مفاوضاتها اليوم تقتصر على تحسين شروط هزيمتها في اليمن؛ ولهذا خرج الموقفُ السعوديّ اليوم منزعجاً من القصف الأمريكي لليمن محاولة النأي بنفسها عن الحدث، حَيثُ تدرك السعوديّة والإمارات أنها في أية لحظة يمكنهما أن تدفعا الثمنَ إذَا ما قرّرت صنعاء ذلك.
ويرى الكاتب وَالمحلل الاقتصادي سليم الجعدبي، أنه “على قدر مصالح السعوديّة والإمارات مع تحالف الأمريكان وارتباطهما الوثيق بهذا المشروع الاستعماري المعادي لكل ما هو عربي وإسلامي، إلا أن هاتين الدولتين تشعران بخوف من القادم مع إصرار صنعاء على مواجهة الاعتداء الأمريكي للأراضي اليمنية”.
ويزيد بقوله: “حيثُ سيعني المزيد من التصعيد، ضرب مصالح الأمريكان والغرب في الخليج؛ فهناك خزان النفط العالمي ومحطات تزود الغرب بالوقود، وهذا ما لا تقوى عليه أُورُوبا وأمريكا في الوقت الحاضر.
وفي المجمل فَــإنَّ استمرار العدوان على اليمن سيعني المزيد من التصعيد الذي قد يقود إلى إغلاق البحر الأحمر جزئياً بالطيران المسيَّر والصواريخ البحرية أَو نهائيًّا بالألغام البحرية والقوارب المفخخة”.
ومع توسع المواجهة يمكن الوصول إلى استهداف ناقلات النفط والغاز المتجهة إلى الولايات المتحدة وأُورُوبا، واستهداف حقول النفط في الإمارات والسعوديّة وكلّ إمدَادات الطاقة، وسيرافق ذلك في حال التصعيد الكبير إغلاق مضيق هرمز، والملاحة في البحر العربي والمحيط الهندي، واستمرار إعلان التعبئة الشعبيّة دفاعاً عن اليمن، وهذا بالتأكيد ما ليس في صالح واشنطن وأتباعها البتة؛ إذ تدرك جيِّدًا ما معنى السقوط في شرك اليمن، وفي حضور دولي لقوى توازن دولي صاعد، تنتظر الفتك بالأمريكيين في نطاق المنطقة العربية والجغرافيا اليمنية المعقدة العنيدة، ضمن حرب استنزاف ستوفر على بكين وموسكو وبيونغ يانغ ومن تحالف معهم الكثير من تكاليف المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وكما أن صنعاء أكّـدت للعالم عجزَ واشنطن عن حماية سفن الاحتلال الإسرائيلي باستهداف السفن والمدمّـرات الأمريكية، فقد جاءت حادثة اقتياد إيران لسفينة أصبحت “أمريكيةً” من شرق عُمان إلى شواطئها، في هذا التوقيت كرسالة متعددة الأوجه تؤكّـد فيها موقفَ محور المقاومة الموحد مقابل عجز الأمريكيين عن حماية سفنهم، فكيف بسفن دول المتحالفين معها أَو من تمارس ضدهم ضغوطاً للسير معها والرسالة تقول “عليهم ألا يتورطوا مع الأمريكان”.
وهذا الفعل إلى جانب كونه مسانداً لمحور المقاومة فقد كان صفعة وأقرب لإهانة للوجود البحري الأمريكي، خَاصَّة بعد قرار مجلس الأمن الأخير والذي بدا واضحًا أنه جاء لتنفيس الغضب الأمريكي من توالي الصفعات والإهانات التي تلقاها خلال ثلاثة أشهر تباعاً.
ومع تأكيد المجلس السياسي الأعلى، أن كُـلّ المصالح الأمريكية والبريطانية أصبحت أهدافاً مشروعة للقوات المسلحة اليمنية، وأن القوات المسلحة ستستمر في عملياتها ضد السفن الإسرائيلية أَو تلك المتجهة إلى فلسطين المحتلّة؛ فَــإنَّ الواقع -بحسب مراقبين- سيفضي إلى نأي الكثيرِ من الدول التي كانت تدور في فلك واشنطن بنفسها عن هذه المواجهة، كما نأت بنفسها عن تحالف الازدهار البحري، وهذا بدا واضحًا من خلال التصريحات السعوديّة والإيطالية، حَيثُ دعت الأولى لضبط النفس وعدم التصعيد فيما أكّـدت الثانية بحسب تصريح رسمي لـ “رويترز” أنها رفضت المشاركة في الضربات الأمريكية البريطانية في اليمن مبرّرة ذلك الرفض بأن مشاركتها بحاجة لموافقة من البرلمان الإيطالي، والرسالة هنا واضحة.
ومع تراجع حظوظ أي تأييد للضربات الأمريكية إقليميا ودوليًّا باستثناء البحرين التي يقول الأمريكيون إنها قدمت دعماً لوجستياً مع الضربات الأخيرة لليمن، يؤكّـد نائب وزير الخارجية بصنعاء حسين العزي، أنه “سيتعين على لندن وواشنطن الاستعداد لدفع الثمن باهظاً”.
بدوره يؤكّـد عضو المكتب السياسي لأنصار الله علي القحوم، أن الحرب مفتوحة وأن الأمريكيين والبريطانيين سيندمون على عدوانهم وسيدفعون الثمن باهظًا، حيثُ إن المعركة ستفوق تخيلات وتوقعات الأمريكيين والبريطانيين على حَــدّ سواء حسب قوله.
ومقابل هذا التهور الأمريكي الطائش باستهداف اليمن، يحاول بعضُ نواب الكونجرس تأكيدَ تصرف بايدن “الطائش”، حَيثُ يؤكّـد عضو مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الديمقراطي، فاليري هويل، أن الغارات الجوية على اليمن لم يأذن بها الكونغرس، وأنها تجاوز قانوني ودستوري واضح لإدارة بايدن.
فيما تستنتج صحيفة بلومبرغ الأمريكية، مع كُـلّ ما يحصل أن صنعاء نجحت في الصمود في وجه الحملة العسكرية التي قادتها السعوديّة ذات يوم للإطاحة بها ولا تزال راسخة وبقوة.
وتنقل “واشنطن بوست” حالة القلق الأمريكي مما يحصل مع تهور ساسة البيت الأبيض، حَيثُ تقول إنه “من شبه المؤكّـد أن الهجمات في اليمن ستؤدي إلى زيادة التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط”.
هذا ما ينسجمُ مع تصريحات ووعيد قيادة صنعاء والنظام اليمني الذي باتت واشنطن وبريطانيا ومن يسير معهم يعرفون أنه سرعان ما يترجم الأقوال إلى أفعال واضحة وقوية.