أُسلُـوبُ التذكير: عقارٌ مضادٌّ للتخدير
هنادي محمّد
- عقب العملية المباركة للمقاومة الفلسطينية في الـسابع عشر من أُكتوبر، يطلُّ علينا سماحة القائد العَلَم/ عبدالملك الحوثي -يحفظه الله- في خطابه الخامس الذي يتحدث فيه عن الوضع في الساحة الفلسطينية ويتطرق إلى آخر المستجدات.
وفي كُـلِّ مرّةٍ يتحدَّثُ فيها لا ينسى، أَو بصحيح العبارة، يحرص على أن تكون مقدمتهُ الهامة وافتتاحيته التي يخصص لها من الوقت الكثير هو تذكير الأُمَّــة بالجرائم الوحشية التي يرتكبُها كيانُ العدوّ الصهيوني بحق الفلسطينيين، وبالأساليب البشعة التي يتخذونها، لماذا يا ترى هذا التكرارُ يا سماحة القائد؟
لأن العرب بطبيعتهم يملّون من ذات المشهد ولو تلوّن بالدم؛ بسَببِ سياسة الترويض التي اعتمدها اللوبي الصهيوني منذ قرون من الزمن، فيأتي الخبر ليطرق مسامعَ المتلقين وينتهيَ بذات الموجة وكأن ما أذيع به أمرٌ مألوفٌ لا جديد فيه!
ولإدراك سماحته لخطورة هذه النظرة، وبعد مرور مِئة يومٍ ويزيد عن ذلك من العدوان على غزة، كان لا بدَّ من أن تُذكّر الأُمَّــة بوحشية عدوها وتعيد قراءة تاريخه حتى تدرك جيِّدًا أن النسيان مآلاته خطيرة جِـدًّا ثمنه الذل والخُضوع والخُسران.
لذا اعتمد في خطابِه على أُسلُـوبين أَسَاسيين هما: المقابلة أَو المقارنة والتساؤلات الاستنكارية التي تحَرّك فكر المتلقي والسامع ليخرج مع نفسه بإجَابَة صريحة وواقعية بالنظر إلى طبيعة الأحداث؛ كونهما الأُسلُـوبين الأقربَ للإثبات والاستدلال، ومحاكاتهما لجميع الذهنيات بدءًا من الفلاح الذي يحرث الأرض وانتهاءً بحامل الحقيبة الدبلوماسية المتنقل بين أروقة الوزارات والمحافل الدولية، ليقيم بخطابه الحجّـة الكاملة والأدلّة البيّنة التي لا تحتملُ ثالثًا لطريقين، ولا ترى إلا بعينَينِ اثنتَين لا وجودَ للضبابية فيهما.
ولعل أبرز مقابلة وضعها هي ما أسمَّاها بـ “الالتزامات” التي تولِّدُ المواقفَ وتُبنى عليها التحَرُّكاتُ؛ فالعدوُّ لديه التزاماتٌ للصهيونية ويتحَرّك نافثًا شَرَّه وشررَه من منطلقِ عقيدة العِداء للبشرية التي تربى عليها واعتقد بها ليستحوذَ ويسيطرَ على العالم بأسره، ونحن موقفُنا ناتجٌ عن التزامات لدينا أمام الله وأمام رسله ودينه، وأمام القضايا العادلة التي نؤمن بأنها الحق بعينه، وتجسيدًا لمصداقية انتمائنا الإيماني، وهذا ما على العدوِّ أن يفهمَه.
وفي قلب مقارنته بين الالتزامين اللذين أوردهما يطرح تساؤلًا مهمًّا للشعوب المسلمة أنهُ: إن لم يكن الجهاد هو مقارعة الطغيان والإجرام الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي الحاصل فمتى سيكون؟!
هل أنهم أعداء لينون في حربهم، أم أنهم لم ينتهكوا حقوق الإنسان بعدُ، وما زالوا يحفظون إنسانيته وحقوقه حتى ننتظر لنجاهد من هو أكثر سوءًا منهم؟!، ألم يتمثل الشر كُـلّ الشر فيهم، أم أن في سيماهم ما يوحي بأنهم حماة الأرض وحراسها؟!
لذلك سيظلُّ على الدوام يذكّرُ الأُمَّــةَ ويعرّفُها من جديدٍ بـ (من نحن ومن هم)؛ لندركَ أن علينا مسؤوليةً كبرى، يكبر حملها مع توسع الصراع وامتداده جغرافيًا وفكريًّا وحضاريًّا، وأن علينا أن نكونَ أكثرَ جدية واهتمامًا في أدائنا لهذه المسؤولية المشرّفة التي نعتزّ بها ونؤمن بأنها من صميم مسؤولياتنا وواجباتنا، مناصرتنا للقضية الفلسطينية، قضية كُـلّ الأحرار المسلمين في العالم، والعاقبةُ للمتّقين.