دولُ العدوان والحصار على اليمن تحاصِرُ فلسطينَ وتفُــكُّ الحصارَ عن “إسرائيل”!
وفقاً لشهادات المسؤولين الصهاينة واعترافات الإعلام العبري:
المسيرة: محمد يحيى السياني
مفارقةٌ تأريخيةٌ وسُخريةٌ من سخرياتِ الأيّام الرديئة التي وصلت بالمتواطئين مع الكيان الصهيوني، إلى هذا المستوى الذي لم يسبق له مثيلٌ على الإطلاق، هذه المفارقة حملت شِقَّين في طياتها: شقاً مظلمًا لأمةٍ حملت معها من خلال مواقفها الخزيَ والعار والانحطاط، وشقاً آخرَ مشرقاً لأحرار هذه الأُمَّــة، من خلال المواقف الصُّلبة والمساندة للشعب الفلسطيني، حملت معها كُـلَّ معاني العزة والكرامة والحرية والتضحيات الجسام ليصنع منها مداميك بناء حاضر الأُمَّــة ومستقبلها المشرق، وقد كان لمعركة “طُـوفان الأقصى” وتداعيات العدوان الصهيوني البشع على قطاع غزة، الأثرَ الكبير والمعيار الأبرز في فرز المواقف وكشف الحقائق.
كان ولا يزال للموقف اليمني المساحةُ الأوسعُ مع أحرار المقاومة، والذي بدا اليوم أثرُه الواضحُ والكبير، في مسار معركة “طُـوفان الأقصى” والدورُ البارز في إسناد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، كما تعرت وانكشفت مواقفُ وأدوارٌ أُخرى لأنظمة عربية عميلة متواطئة تجاه فلسطين وما يعانيه شعبُها اليوم في قطاع غزة من حصار وقتل وإبادة وتجويع وتشريد على يد الصهاينة، وبالأخص تلك الدولَ والأنظمة التي شنت على اليمن عدوانًا غاشمًا وحصارًا ظالمًا على مدى تسعة أعوام.
دولُ العدوان على اليمن تعاقبُ فلسطين وتُنجِدُ “إسرائيل”!
واليوم تتضح الرؤيةُ أكثرَ، وتتعرى هذه الأنظمة العميلة وتسقط في بئر الخيانة للأُمَّـة وللقضية الفلسطينية، ففي الوقت الذي يحقّق اليمن نصراً كبيراً للأُمَّـة العربية والإسلامية ولفلسطين، ولكل أحرار العالم، بإحكام السيطرة وإطباق الحصار، على كيان العدوّ الصهيوني المجرم، باعتراض واستهداف سفنه أَو تلك المحملة بالبضائع والسلع، المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلّة، والتي تمر من باب المندب والبحر الأحمر، في خطوة هي الأشجع وموقف هو الأكثر إنسانيةً والأقوى إيمَـاناً والأنبل والأرقى أخلاقاً لليمن دون سواه في العالم، هذا الموقف الجريء من اليمن قابله موقف مشين ومخزٍ من أنظمة دول العدوان والحصار (السعوديّة والإمارات والبحرين والأردن) التي استحدثت جسراً برياً من موانئ الإمارات والبحرين مُرورًا بالأراضي السعوديّة والأردنية حتى الوصول لكيان العدوّ في فلسطين المحتلّة؛ لإمدَاد كيان العدوّ بالبضائع والسلع؛ ولكسر الحصار البحري الذي فرضه عليه اليمن في البحر الأحمر؛ إسناداً ودعماً للشعب الفلسطيني المحاصَر في قطاع غزة.
هذا العملُ المشينُ والخطوةُ الإجراميةُ التي أقدمت عليها وبادرت إليها كُـلٌّ من الإمارات والسعوديّة والبحرين والأردن أتت في إطار تنسيق أمريكي صهيوني مع أنظمة هذه الدول، حَيثُ كشفت صحفٌ ومواقعُ إسرائيلية ذلك وأكّـدت وصول دفعات من الشحنات التجارية إلى الكيان الصهيوني قادمة من موانئ دبي، مُرورًا بالأراضي السعوديّة والأردنية؛ تدشيناً للجسر البري الذي تم التنسيق والاتّفاق عليه بين تلك الأنظمة الخائنة وبين الكيان الصهيوني بدعم وإشراف أمريكي.
وقد أكّـد موقع «والا» الاستخباراتي الصهيوني في وقت سابق عن وصول ١٠ شاحنات محملة بالبضائع والسلع والغذاء من موانئ دبي إلى فلسطين المحتلّة وتتبع هذه الشاحنات شركتي الشحن «تراكنيت» الإسرائيلية و«بيور ترانز» الإماراتية، وقد اعترف مدير الشركة الإسرائيلية بأن هذا الجسر البري سيوفر أكثر من ٨٠ % من تكلفة البضائع عبر البحر الأحمر (حسب زعمه)، وقد أعلنت وسائل إعلام العدوّ الإسرائيلي في ديسمبر الماضي أن شاحنات تحمل مواد غذائية، مرت عبر طريق بري جديد من ميناء جبل علي في الإمارات نحو ميناء حيفا في فلسطين المحتلّة، ويأتي ذلك بعد الإعلان عن توقيع اتّفاق بين شركات إسرائيلية وإماراتية لتشغيل الطريق البري الجديد، الذي يهدف بالأَسَاس إلى تجاوز هجمات القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ضد السفن المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلّة، وهذا الطريق يمتد عبر مسارين، الأول: بين ميناء جبل علي في دبي وميناء حيفا في فلسطين المحتلّة مُرورًا بمدينتَي الرياض في السعوديّة وعَمَّان في الأردن ومسافته 2550 كيلو مترًا، وتقطعه الشاحنات على مدار أربعة أَيَّـام، أما الثاني: فهو بين مدينة المنامة في البحرين وميناء حيفا في فلسطين المحتلّة ويمر أَيْـضاً عبر السعوديّة والأردن ومسافته 1700 كيلو متر.
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تصريحاً لأحد المستوردين الإسرائيليين بقوله: «هناك جانبٌ سياسيٌّ مثيرٌ للاهتمام لهذا الأمر ولفتة طيبة من السعوديّة والأردن فهناك الآن المزيد من الشاحنات التي تقوم بالرحلة البرية والعدد يتزايد بسرعة مذهلة».
خيانةٌ معلَنةٌ تتضخَّمُ تصاعدياً:
إذن ما تقومُ به دولُ جسر الخيانة هو دورٌ وظيفيٌّ ومناطٌ من الأمريكي والصهيوني لهم؛ لإسناد ودعم الصهاينة في فلسطين المحتلّة ولم يعد هذا الدور مخفياً بل بات ظاهراً لأمتنا والعالم، ففي وقتٍ سابق كانت الإمارات والأردن والبحرين قد أعلنت عقب عملية “طُـوفان الأقصى” تضامُنَهَا مع العدوّ الإسرائيلي، وفيما بعد تطورت المواقف لهذه الأنظمة، خَاصَّةً بعد دخول اليمن مشاركاً في معركة “طُـوفان الأقصى” إسناداً ودعماً للمقاومة وَالشعب الفلسطيني في غزة وقراره التاريخي باستخدام البحر الأحمر وباب المندب ورقة ضغط وسلاح ردع على العدوّ الصهيوني.
وفي ظل الصمت العربي والإسلامي والدولي المطبق تجاه ما يعانيه سكان غزة من تجويع وحصار، يتطور الخِذلانُ العربي لفلسطين وأهالي غزة المحاصرين، إلى الخيانة العلنية عليهم، بتفويج البضائع والسلع الغدائية إلى الصهاينة المجرمين في فلسطين المحتلّة؛ فقد بادرت السعوديّةُ التي تقود تحالف العدوان والحصار على اليمن، إلى كسر الحصار على كيان العدوّ على حساب دماء وأشلاء أطفال ونساء غزة وسكانها المحاصَرين من الصهاينة، ويفتقرون إلى أبسط منافذ الغذاء والدواء الضروري، وهو في الوقت نفسه أي النظام السعوديّ لم يجرؤ على أن يقدم موقفاً من شأنه فتح ممرات لإدخَال الغذاء والدواء للشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة كأبسط وأقل موقف يقدمه اليوم لأبناء جلدته ودينه، كنظام ودولة تزعم بأنها على رأس قيادة الأُمَّــة العربية والإسلامية وحامية حمى الحرمين والمقدسات الإسلامية، لكن للأسف كان دورُ ومواقف هذه الأنظمة الخانعة هزيلًا وميتًا وغادرًا تجاه الشعب الفلسطيني في غزة، وصل المدى بوقاحته إلى الخيانة والطعن في الظهر وبشهادة الصهاينة أنفسهم، حَيثُ ذكرت وسائل إعلام عبرية، قيام السعوديّة والإمارات والبحرين والأردن، بخطوات تنسيقية (عالية المستوى) لإدخَال البضائع للعدو الإسرائيلي عبر الطرق البرية التي تربط السعوديّة والأردن بالأراضي الفلسطينية المحتلّة، وقد أبرزت صحيفة «يديعوت احرونوت» عنواناً جاء فيه «السعوديّة والإمارات والأردن تساعد “إسرائيل” في التحايل على تهديدات الحوثيين»، في إشارةٍ إلى مساعي الرياض لكسر الحصار اليمني على الكيان الصهيوني، وقد استعرضت الصحيفة العبرية بالتفاصيل، قيام شركات إسرائيلية بتفريغ البضائع من موانئ البحرين ودبي وتحميلها على شاحنات سعوديّة وأردنية تشق طريقها براً إلى فلسطين المحتلّة عبر معبر الملك حسين الحدودي.
الجسر البري الرابط بين دبي وحيفا والذي أصبح مكشوفاً ومفضوحاً برغم النفي الأردني والصمت السعوديّ والإماراتي لم يُجْدِ ولم يكن له أثرٌ أمام تأكيد العدوّ الإسرائيلي بذلك عبر صحفه ومواقعه الإلكترونية وتصريحات مسؤوليه، التي كلها أكّـدت ذلك وذهبت إلى أبعد من ذلك بإعلانها الواضح بأن السعوديّة ومصر والأردن قد شاركت فعلياً في اعتراض الصواريخ والمسيّرات اليمنية، التي تم إطلاقها من اليمن صوب مواقع العدوّ الإسرائيلي، في سياق مشاركة اليمن عسكريًّا في معركة الإسناد والدعم للشعب الفلسطيني ومقاومته في قطاع غزة.
اليوم يتطوع العرب بهذا التواطؤ غير المسبوق لإخراج الكيان الصهيوني من أزماته ومآزقه، ويسعون بكل الوسائل للتقليل من حجم وأثر الإنجاز اليمني القائم بإحكام الحصار عليه؟! ثمة أسئلةٌ تُطرَحُ اليوم ومقارنة مفصلية في الوسط العربي والإسلامي والعالمي حول هذه المواقف والخطوات التي أفرزتها تداعياتُ العدوان الصهيوني الغاشم على الشعب الفلسطيني في غزة، ووجدت الإجَابَةَ الواضحة عليها من خلال تجليات وقوة الموقف اليمني الذي اتسم بالإيمان الحقيقي والإنساني المطلق وحمل معه الصدق المتجرد من كُـلّ المزايدات السياسية والمصالح الضيِّقة والفبركة الإعلامية.
وفي المقابل الآخر لوجه المقارنة مواقفُ مخزية للمجتمع الدولي المتخاذل تجاه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من حرب إبادة جماعية وحصار وتجويع، وعلى وجه الخصوص المواقف التي أقدمت عليها تلك الدول والأنظمة التي تحالفت على اليمن وشنت بموجبه عدوانًا وحصارًا خلال تسعة أعوام، مارست من خلاله كُـلّ تلك الوسائل الإجرامية البشعة في قتل وحصار الشعب اليمني، والتي هي اليوم في تطابقها تحاكي بالتماهي والأصل مع ما يرتكبه الصهاينة في قطاع غزة من جرائم إبادة وحصار وتجويع لأبناء الشعب الفلسطيني المظلوم، وهي اليوم تسارع إلى كسر الحصار اليمني المفروض على كيان العدوّ الصهيوني، وفي ظل المشاركة في العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن، وبات من الواضح أنه قد لا تتوقف خيانة هذه الأنظمة العميلة عند محطة جسر يمد كيان العدوّ بالسلع والغذاء لكسر الحصار اليمني عليه، بل قد تتوالى الطعناتُ على أمتنا وعلى فلسطين من هؤلاء العملاء وتستمر الخيانة التي وإن توسع مداها مع تطورات الصراع وتصاعد المعركة فَــإنَّ انعكاساتها عليهم ستكون طوفانًا جارفًا لا يبقي ولا يذر.