إذا أردتَ السلامَ فاحمِـل السلاح
دينا الرميمة
أثناء متابعتنا لمجريات الحرب الصهيونية الأمريكية على غزة لا بدَّ أن الجميع استمع لدعوة وزير الأمن القومي بالكيان الصهيوني إيتمار بن غفير لتسليح أكبر عدد ممكن من المستوطنين الصهاينة، وكشفه عن أن خمسين ألف قطعة سلاح قد وزعت على المستوطنين في الضفة الغربية وَداخل الخط الأخضر، كما أوضح عن أن وزراته عملت منذ بداية الحرب على تخفيض المعايير التي كانت تطلبها لتوزيع الأسلحة على المدنيين؛ ما أَدَّى إلى حصول عدد كبير منهم على الأسلحة!!
وربما تكون هذه الدعوة تحسباً لنيران حرب قد تمتد من غزة إلى بقية المدن الفلسطينية أَو هي رغبة من الوزير المتطرف لقتل عدد أكبر من الفلسطينيين!
وأيًّا كانت الأسباب إلا أن مثلَ هذا الخبر جعلني أعود بالذاكرة إلى ما قبل عقدين من الزمن، وتحديداً فترة كانت فيها أمريكا قد بسطت نفوذها على اليمن، وكان جيرالد فايرستاين سفيرها باليمن آنذاك متواجداً في كُـلّ مفاصل الدولة ولا يمر أي قرار سيادي باليمن إلا بعد مواقفته، حينها طلب فايرستاين من النظام الحاكم سحب السلاح الشخصي من أوساط الشعب اليمني الذي يعتبره إرثاً وتقليداً لا يتخلى عنه ولا يخلو أي بيت منه!!
وقد تذرع فايرستاين حينها أن ثقافة حمل السلاح لا تتماشى مع ثوب الحضارة الأمريكية الذي تجر بها أمريكا الشعوب للتلبس بها، في وقت هي تسير وفق قاعدة “إذا أردت السلام فاحمل السلاح”!!
إلا أن الغريب بالأمر أن هذا الفعل الذي كانت السلطة قد بدأت بتنفيذه جاء متزامناً مع بزوع فجر المسيرة القرآنية وَظهور السيد “حسين بدر الدين الحوثي” بمشروعه القرآني، الذي أشعل به فتيل ثورة وعي حول أمريكا والصهيونية وخطر وجودها باليمن ومشاريعها الاحتلالية للشعوب!! وهو مشروع تحَرّك به السيد حسين من خلال القرآن وآياته التي تحرم التولي لليهود وَأعداء الأُمَّــة وصحح به الثقافات المغلوطة وشوائب الفكر الوهَّـابي التي لوثت العقول وحرفتها عن منهجية الإسلام الصحيح بما يخدم أعداء الأُمَّــة تحت قاعدة “عين على القرآن وعين على الأحداث”.
فكان مشروعاً تنويرياً نهضوياً يحصّن الأُمَّــة من خطر التولي لليهود وَيكشف أفعالهم التي كلها تصب ضد الإسلام والمسلمين.
وَأعاد الناس للقرآن، وفضح أفعال أمريكا وَاللوبي الصهيوني الذين كانوا يصنعون الحدث وَيوظفونه بما يتماشى مع مصالحهم كأحداث الحادي عشر من سبتمبر وما حصل من تفجير برجَي مركَز التجارة العالمي في نيويورك، الذي تبنته القاعدة، حَيثُ وضح السيد حسين أنها مع داعش ليستا سوى أيادٍ أمريكية تطلقهما أمريكا على كُـلّ أرض تلامس رغبتها وَبهما تعمل على تشويه الإسلام.
ثم قدم السيد حسين حلولًا لصد هجمة أمريكا الشرسة، منها الشعار وَالمقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية كسلاح من شأنه أن يكسر عصا أمريكا الغليظة واقتصادها، الذي عليه اتكأت وعظمت، وباتت فرعون عصرها الذي لا يعصى له أمر!!
حينها أدرك فايرستاين خطورة هذا المشروع على مخطّطات بلده خَاصَّة وهو يرى حجم التأثر الكبير من قبل الشعب اليمني الذي التف حول السيد حسين، تشرب وعي مشروعه، جعله يصرخ بوجه أمريكا وَلا يبالي، حينها وجهت أمريكا السلطة لوأد هذا الخطر المتنامي عليها من هذا المشروع العظيم.
لتكشف الأحداث -من بعدها من حربهم للسيد حسين وقتله وتغييب جثته وجر الكثير من أتباعه إلى السجون- أن خطوة سحب السلاح الشخصي وما تلاها من سحب أنظمة اليمن الدفاعية التي وضعتها السلطة آنذاك تحت أقدام موظفتين أمريكيتين ليتم تفجيرها تحت إشرافهما إنما كان خطوة استباقية من أمريكا لانتزاع قوة اليمن بعد تأكّـدها من حتمية نشوب حرب بينها وبين الشعب اليمني، الذي كشف مخطّطها وَبات يرفض هيمنتها على أرضه!!
وبالفعل فقد كانت الحرب التي خشيتها أمريكا، وَبالسلاح الشخصي وبعض أسلحة الدولة التي لم تصل أياديها إليها واجهها اليمنيون في عدوانها الذي شنته عليهم، إلى أن تمكّنوا من مختلف الصناعات العسكرية، يمنيّة الصنع، التي بها هزموا تحالف أمريكا، وبها اليوم يجابهونها وجهاً لوجه في البحر الأحمر دعماً لفلسطين وَغزة.
ليتضح صوابية المشروع القرآني الذي ظنت أمريكا أنها دفنته مع جثمان الشهيد القائد إلا أن ظنونها خابت وهي ترى اليمنيين اليوم قد تسلحوا به، وَبه فضحوا زيف الحضارة الأمريكية بأنها ليست سوى فَخٍّ من فخاخ أمريكا الكثيرة، التي زرعتها أمريكا في قلب الأُمَّــة لتصنع لنفسها عظمة لا يرديها إلا الوعي وَثقافة العودة للقرآن وبه جعلوا حلم أمريكا في اليمن تحت أقدامهم.