صنعاءُ وواشنطن.. مواجَهةٌ غيرُ متكافئة لصالح اليمن
علي الدرواني
خلال حديثه الأسبوعي عن آخر التطورات في غزّة، أشار السيد عبد الملك الحوثي، إلى نقطة في غاية الأهميّة، لم تأخذ حقها في الالتفات إليها، أن الأمريكيين والبريطانيين “ورَّطوا أنفسهم وهم يحاولون أن يسندوا العدوّ الإسرائيلي بالعدوان على بلدنا؛ فأدخلوا أنفسهم في ورطة، هم معترفون في أنهم فشلوا في فرض استراتيجية ردع، لم يتمكّنوا من تحقيق هذا الهدف، ولا استراتيجية إجبار لبلدنا لوقف مساندته لغزّة”.
نعم، لقد نجحت صنعاء في تنفيذ التزامها المعلن بمنع الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، واضطرّت الشركات الصهيونية للإبحار عبر الرجاء الصالح، وامتنعت شركات دولية عن التعامل والنقل إلى الموانئ الإسرائيلية في فلسطين المحتلّة، بما يمثله من تداعيات وتأثيرات كارثية على الاقتصاد الإسرائيلي، بعد التوقف الكامل لميناء أم الرشراش “إيلات”، وكثير من التقارير الإسرائيلية تطفح بالأرقام عن جدوائية العمليات العسكرية اليمنية المساندة لغزّة، وكيف ارتفعت أسعار السلع أمام المستوطنين، وكيف فقد المنتج الصهيوني قدرته على المنافسة في الأسواق بعد ارتفاع تكاليف التصنيع والمواد الأولية المستوردة.
ليس بالأمر الهين أن تنجحَ صنعاء وتفشل واشنطن، في منطقة كانت الولايات المتحدة تظن أنها قد أمسكت بمقاليدها، وسيطرت على مفاصلها، وتحكمت بمداخلها ومخارجها، فجأة تجد نفسها أمام هذا التحدّي غير المسبوق، ويمكن تفسير ما يجري بتحليل الموقف الأمريكي العام، وموقف اليمن الخاص.
بالنسبة للأمريكي، رغم أن القوّة العسكرية الأمريكية تعتبر الأولى في العالم، إلا أنها قوة منهزمة، تاريخيًّا في فيتنام وكوبا، والصومال، مُرورًا بالعراق وأفغانستان، وهذه المعطيات يدركها جنرالات الجيش الأمريكي، ويدركون أَيْـضاً أن القوّة الكبرى لم تصنع لهم الانتصار في أفغانستان ولا في العراق، أحدث تجارب الحروب الأمريكية الفاشلة، وهنا لا نتحدث عن حرب أَيَّـام ولا ساعات ولا شهور، بل عن حروب استمرت عقدين من الزمن، كان المقرّر لها أن تصنع هيبة أمريكا الإمبراطورية للقرن الحادي والعشرين، وَإذَا بها تهوي بها إلى مستنقع من الإهانة والإذلال.
ثانيًا، أَيْـضاً بالنسبة لواشنطن، على مستوى العلاقات الدولية، والأزمة الواضحة في تشكيل التحالفات، ظهرت الولايات المتحدة عاجزة عن تشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر؛ الأمر الذي جعلها تبحث عن أسماء دول ربما لا أحد يجدها على الخارطة، حتّى أُورُوبا لم تقبل الدخول معها في تحالفها البحري ضدّ اليمن، باستثناء لندن، وفضل الأُورُوبيون تشكيل تحالف خاص لا يبدو، حتّى هذه اللحظة، أنّهم بصدد التصرف بعدوانية كما هو حال الأمريكي والبريطاني.
ثالثًا: التوازن الدولي اليوم لم يعد في صالح الولايات المتحدة، والقوى الكبرى روسيا والصين المتنافسة والمتصارعة مع واشنطن، تحاول أن تستفيد من الوضع القائم في البحر الأحمر، والذي يقلص النفوذ الأمريكي، وهذا يجعل الولايات المتحدة، تفكر ألف مرة، وتضرب الأخماس بأسداس، خشية أن يصب التصعيد المحتمل، في صالح المنافسين في موسكو وبكين، ومواقفها أصبحت أكثر وضوحًا في مجلس الأمن، ضدّ التصرفات الأمريكية، وتحميلها أَيْـضاً مسؤولية تهديد المنطقة الاستراتيجية.
أما بالنسبة لصنعاء، فليس خافيًا أنها تنطلق أولًا من المسؤولية الإنسانية، والأخلاقية التي يمليها الدين الإسلامي في نصر المظلوم، وتلبية نداء المستضعفين، من موقع قوة الحق والمبدأ، وهذا يجعل اتِّخاذ القرار في حَـلّ من النظر إلى التداعيات المحتملة، بل عندما يستند إلى القرآن الكريم الذي وعد بالنصر، فَــإنَّه يكون موقنًا إلى أبعد مدى، أن الله سبحانه هو من سيسدد الرمي، ويثبت الأقدام، ويصنع النصر الموعود.
عسكريًّا، راكمت القوات المسلحة اليمنية خبرات كبيرة خلال سنوات العدوان التسع الماضية، إلى جانب مراكمة الأسلحة والعتاد المتطور كمًّا ونوعًا، وتعترف قائدة البحرية الأمريكية، الأدميرال “ليزا فرانشيتي، حسب ما نقلته صحيفة التلجراف البريطانية، “بنجاح الأسلحة اليمنية في اختراق الأنظمة، وإصابة السفن التجارية مما يتسبب في أضرار وحرائق”، وفي وقت سابق قال قائد الأسطول الخامس الأمريكي تشارلز كوبر، إن الصواريخ والمسيَّرات اليمنية تستطيع أن تضرب هدفها خلال 75 ثانية، وأكّـد في مقابلة مع قناة سي بي سي حينها، أن قواته لا تملك سوى ما بين 9 و15 ثانية لاتِّخاذ قرار بإسقاط صاروخ أَو مسيّرة، بل ذكرت نيويورك تايمز تقارير تفيد بأن الجنرالات في البنتاغون بدأوا يتعلمون من التكتيكات اليمنية، وأن الجيش الأمريكي يعتمد تلك التكتيكات في بحر البلطيق بمواجهة روسيا.
في التخفي والتمويه، تنقل التلغراف أن حركة صاروخ أنصار الله تجعله هدفًا صعبًا لتحديد موقعه وضربه قبل إطلاقه، وتستنتج الصحيفة البريطانية أنهم “سوف يستمرون في إطلاق النار بشكل دوري”.
وبالأمس [الخميس] وجَّه السيد القائد عبد الملك الحوثي، إهانةً قويةً للجيش الأمريكي، متحدثًا عن فشله في استهداف القدرات اليمنية، فمحصلة عدوانه من بداية الأسبوع، “والتي وصلت إلى 40 غارة، كان معظمها على محافظة الحديدة، والبعض منها على محافظة صعدة، وحصيلتها، نتيجتها وإنجازها العملاق في محافظة صعدة، كان ماذا؟ استهداف سيارة مزارع تحمل أنابيب بلاستيكية، هذا هو الإنجاز العملاق لأمريكا وبريطانيا العظمى، في عدوانهم بصواريخهم، وتقنياتهم الضخمة، وإمْكَاناتهم العسكرية الضخمة: استهداف سيارة مزارع في محافظة صعدة تحمل أنابيب بلاستيكية! هذه هي الحصيلة، هذا يعبِّر عن فشلهم الكبير، ولن يصلوا إلى نتيجة”، يختم السيد عبد الملك الحوثي.
هذه المعطيات والمجريات على الميدان البحري تؤكّـد أن يد صنعاء هي العليا في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، وأن المعادلات القائمة اليوم، والتي يمكن أن تتطور غدًا، ستكون مقدمة لإنهاء الهيمنة الأمريكية في المنطقة، بما يضمن بالمحصلة عدم القدرة الأمريكية على حماية الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين المحتلّة.