مع جِيلِ القرآن نورٌ وإيمان
منتصر الجلي
لطالما وقفت الأُمَّــة على مصارع الهلاك، لو لا رحمة الله عز وجل، على مدى التاريخ الإسلامي، كانت الأُمَّــة في مَدٍّ وجَزرٍ في علاقتها بهدى الله، ارتباطاً وتمسكاً وتطبيقاً، عصور من الزمن المتتالية والأمة الإسلامية تخوض معركة الأفكار وتغصُّ في بحر من متاهات التشتت الفكري والتنظير الأيديولوجي المفرغ من أهداف الحقيقة والنور الإلهي إلا في النادر.
تكونت عن تلك الذرائع الدينية المُختلفة جماعات ومذاهب وَأقوام كانت تؤسس على أفكار قاصرة أَو مفاهيم مؤَطَّرة، ومنها ما خرج عن الجميع في وضع منهجية خارج الأسس الإسلامية متأثرة بذلك بأنماط غريبة، إما هندية أَو يونانية، أَو يهودية أَو كنائسية، أمام هذا المعترك الفكري، نشأ في زمن اليوم واقع غاير كُـلّ ذلك وولد أفكاراً شيوعية ورأس مالية وعلمانية، نظرية غربية في مجملها، تأثر بها الإنسان المسلم، في العالم الإسلامي، على مستويين، مجتمع وحكومات، فظهر ذلك التأثر في أنظمة الحكم وسياسات الإدارة، في جانب التأثر المجتمعي تجرد الفرد المسلم من أعراف ومبادئ ومفاهيم كانت تمثل لديه قيمة معيارية، بجانب التعاليم الدينية.
بالحديث على بلدنا اليمن وفي سنوات الربع الأول من هذا العقد استطاعت المتغيرات الشاهدة على جماليات القرآن الكريم وتأثيره المبارك على مستوى الشعب والدولة أن تترسخ ثقافة الاتباع والاهتداء، ومعيارية الاقتدَاء وتقديم الصورة الإسلامية في شكلها الذي كانت عليه في عهدها الأول، مع الأخذ باعتبارات العصر وتطوراته المختلفة التي استطاعت المسيرة القرآنية من خلال مؤسّسها الشهيدُ القائدُ -رضوانُ الله تعالى عليه- على استيعاب مجمل واقع الأُمَّــة وطرح قضاياها على طبق المناقشة والتقييم القرآني فكانت الحلول مذهلة، نتج عنها المشروع القرآني الذي هو اليوم حجر أَسَاس في مواجهة استكبار العالم ومجرمي الإنسانية، أمريكا وإسرائيل، أبناء الشيطان وأحبائه.
ما يميز المشروع القرآني عنوانه الأول، القرآن الكريم والذي انطلقت منه حركة شعبنا في مواجهة التحديات المحدقة به، بدءًا بالعدوان السعوديّ الأمريكي الذي شُن على بلدنا منذ 2015م إلى اليوم، والعدوان الأمريكي البريطاني الإسرائيلي القائم، جميعها أعمال عدائية كشفت انزعَـاج الغرب وأبناء الشيطان من الحركة القرآنية، وترجمة تلك الآيات كواقع عملي ومنهج قيادي ودستور إنساني، تتربى من خلاله أجيالاً تلو أُخرى، غير متأثرة بالمنهجية الغربية وتأثيرات وسائلها المشؤومة عبر التكنولوجيا الواسعة وما تتخبط به من شتات فرق الإنسانية ودمّـر مؤهلات وكرامات الإنسان الفطرية.
كنموذج للحركة القرآنية في مسيرة الأجيال، هي الحفاظ على الأداء المتميز والرؤية القرآنية بجانب الحفظ والإتقان والتطبيق العملي، أجيال تنشأ في أحضان الآيات وأنوار الهدى، جيل القرآن والذي كان لمحافظة حجّـة قبس من نور هذا الجيل وبذرة من بذور المستقبل الموعود، تربع اليوم على كراسي التكريم نحو 577 طالباً ما بين متقن وحافظ ومتفوق، من جميع أنحاء المحافظة، في منظر جللته القلوب وعرف منزلته العارفون، عظيم هو القرآن وعظيم من تمسك وشرع وسار على نهجه، وعظيم هم أُولئك الذين عاينوا أبوابه ومسالكه، حفظوا وطبقوا، علموا وجاهدوا به جهاد الأنبياء والشهداء.
هذه الأجيال القرآنية نموذج قرآني قادم يكون سدًّا منيعًا أمام التشوهات المعرفية الفكرية التي تستجد مع كُـلّ زمان ومكان ونراها مسافرة في كُـلّ حقبة وعصر.
هؤلاء الأجيال هم رحمة الله في أرضه لعباده ونور الهداية، والقلوب التي ستعمل على أن لا ترى ظالماً أَو مظلوماً إلا وكان لها الموقف المناسب والحاسم، دون اعتبارات؛ لأَنَّ القرآن لم يقف ضمن إطار وسياق معين في توجيهاته وخطابه للمؤمنين.