وكيلُ وزارة المالية الدكتور أحمد حجر في حوار لـ “المسيرة”: عندما تلجأ أمريكا إلى العقوبات الاقتصادية فهذا مؤشرٌ على فشل الخيار العسكري
المسيرة – حاوره إبراهيم العنسي:
قال وكيلُ وزارة المالية، الدكتور أحمد حجر: إن “الهدفَ الرئيسيَّ من لجوء أمريكا إلى تصنيف “أنصار الله” على لائحة الإرهاب هو الضغطُ على صنعاء؛ مِن أجل التوقف عن مساندة الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة”.
وأكّـد أن “هذا القرار غير مُجْدٍ ولن يؤثر على اليمن، المتوكل على الله وصبر المجتمع وحنكة القيادة السياسية والثورية”.
إلى نص الحوار:
– بداية دكتور أحمد، التصنيفُ الأمريكي لصنعاء وعودةُ كَيل التهم للبلدان بحسب المزاج الأمريكي.. أي أثر سيتركُه هذا التصنيفُ على اليمن؟
في البدء يمكنُ القولُ: إن الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ عندَما تلجأُ إلى العقوباتِ الاقتصاديةِ غالبًا ما يكونُ هذا مؤشِّرًا على “عدم فاعلية” الخيار العسكري في تحقيق الأهداف، وفي ضوء ما ورد في هذا التصنيف من استثناءات فَــإنَّ الآثار المترتبة على عودة التصنيف ستكون محدودة جِـدًّا؛ كون جُلِّ النشاط الاقتصادي بيد القطاع الخاص غير المرتبط “بأنصار الله”، هذا إلى جانب محدودية العلاقات المالية والاقتصادية للمنتمين لأنصار الله، كذلك التحويلات الخَاصَّة فَــإنَّها لملايين اليمنيين المغتربين والذين غالبًا لا تربطهم “بأنصار الله” علاقات سياسية.
وعليه يمكن القول: إن إعادة التصنيف يمثل أدَاة ضغط وابتزاز وإرضاء لمجموعات الضغط الصهيوني، وبالأخص أن اليمن تحت الحصار والعقوبات منذ تسع سنوات، وقد استطاع اليمنيون التكيف مع هكذا وضع.
– أصدر مكتبُ مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية توجيهات حول كيفية ضمان استمرار وصول المساعدات مع الالتزام بالعقوبات.. هل تريد واشنطن صبغَ التصنيف بصبغة إنسانية أم أنها كما تزعم لن تعيق عمل المساعدات وما شابه؟
موضوعُ الاستثناء بآلية استمرار المساعدات ليس سوى شعار لـ “تبييض” الوجه القبيح والحاقد والكاذب للنظام الفاشي والعنصري الأمريكي خَاصَّة والغربي عامة؛ ولذَرِّ الرمادِ في عيون الشعوب، وبالأخص المطبِّعة؛ كون الواقع يثبت هذا الكذب والخداع، حَيثُ نجد أن الجزءَ الأكبرَ من المساعدات الإنسانية قد تم إيقافُها خلال السنوات الأخيرة.
وللتأكيد فَــإنَّ الاستثناءاتِ هي لتضليل الرأي العام وتبييضِ وجه أمريكا القبيح إلى جانب استخدام الاستثناءات كأدَاةِ ابتزاز حسب تطور الأحداث تستخدمها بما يتفق وتحقيق أهدافها.
– شملت التراخيصُ الأمريكية -كما يقول مكتب المراقبة الأمريكي- إجازةَ المعاملات التي تكون عادة عرضية وضرورية لتوفير الخدمات والسلع والأدوية وتلك المتعلقة بالاتصالات والبريد والتحويلات الشخصية إلى أَو من فرد غير محظور في اليمن وإجازة المعاملات في الأعمال للمهام الدبلوماسية والقنصلية، وجميع تلك التراخيص تشمل نظام المجلس السياسي الأعلى… وكأن الأمريكيين يقولون: لن تتأثر هذه الجزئيات المذكورة بعقوبة التصنيف.. ما رأيكم دكتور أحمد؟
غالبًا ما ترتبط العقوبات بالمعاملات المالية والاقتصادية، أما المساعدات فيتم التغاضي عنها ظاهرياً وفي العلن، بينما يتم استخدامُها بالممارسة بصورة غير مباشرة، من خلال خفض المخصَّصات المقدَّمة للمنظمات من قِبَلِ الدول المانحة أَو الضغط عليها، أَو حتى اختلاق إشكاليات مع الدول المتلقية للمساعدات.
– المشمولون بالقرار -كما قال البيان- “أنصارُ الله” أَو أي كيان يمتلك فيه أنصارُ الله حصة تبلغ 50٪ أَو أكثر، بشكل مباشر أَو غير مباشر.. هذا بظاهره يشير إلى أن تأثيره على الكيانات سيكون محدوداً؟
انحصارُ القرار على “أنصار الله” أَو أي كيان يمتلكُ فيه أنصارُ الله 50 % يجعل أثرَ التصنيف محدوداً جِـدًّا؛ كون المشاريع التي يمتلكُ فيها أنصار الله هذه النسبة محدودةً جِـدًّا.
– مع هذا فَــإنَّ التصنيف يظلٌّ تصنيفاً أمريكياً فردياً.. ألا يعني هذا مع كثرة الاستثناءات لمن لن يتأثروا أن آثاره تكاد تكون ضئيلة بالمجمل؟
الاستثناءُ هدفُه الضغطُ على المتعاملين الماليين والاقتصاديين في تعاملهم مع مكون “أنصار الله”؛ بهَدفِ إفشالِ دور مكون أنصار الله في المجال الاقتصادي والتنموي.
أما الاستثناءُ لأغراض دفع الضرائب ونحوها، فيوحي أن التصنيفَ لا يستهدفُ المعاملات المالية المرتبطة بالدولة التي تقدم خدماتها للمجتمع، وأن المستهدَفَ هي الأنشطةُ المرتبطة بمكون “أنصار الله” فقط، وذلك محضُ افتراء، حَيثُ يبقى التصنيف وفق المعايير التي تحدّدها الإدارة الأمريكية وحسب أجوائها.
– ماذا عن تعاملُاتِ المنظمات مع البنوك اليمنية والبنك المركزي اليمني؟
غالبًا ما ترفُضُ المنظماتُ فتحَ حسابات المساعدات لدى البنك المركَزي، وغالبًا ما يتم التعامُلُ مع بنوك تجارية؛ وذلك بدعوى سهولة السحب منها، والحقيقة هي عدم خضوع كفاءات تخصيصها وإنفاقها بما يتفق وتحقيق هدف المستفيدين منها.
– بحسب رأيكم دكتور أحمد فَــإنَّ المستهدف من عقوبات التصنيف هو الشعب وإن أشبع الأمريكان قرار التصنيف بذكر وعد الاستثناءات المرتبطة بمعيشة المواطن وعلى رأسها استيراد السلع؟
الاستثناءات المتعلقة بالاستيراد هي أَيْـضاً خُدعةٌ للعالم بأن العقوبات ليست على المجتمع اليمني، وإنما منحصرة على مكون أنصار الله، ومن دار في فلكهم، وهم بكُلِّ تأكيد يريدون تصويرَ عقوباتهم على أنها ليست عقوباتٍ جماعية، وأنها مراعية الجانب الإنساني والمعيشي للمجتمع وهو كذب محض.
– سيسخِّرُ الأمريكانُ تلك الاستثناءات خَاصَّة ما يتعلق بالمساعدات وعمليات الاستيراد لابتزاز صنعاء، وهذا متوافقٌ مع حديث الأمريكيين عن إلغاء التصنيف مقابل وقف دعم غزة؟
نعم، سيكون ابتزازاً باسمِ موقف اليمن من فلسطينَ وغزة، وسيكون ابتزازاً غيرَ مباشر من خلال تفسير وتطبيق الإدارة الأمريكية لهذه الاستثناءات بحسب تطور الأحداث في غزة وموقف اليمن منها، وبالتالي فكلما كان موقفُ اليمن أكثرَ تضامناً مع القضية الفلسطينية، كلما شدّد ووسَّع الأمريكيون من تطبيق العقوبات، وتغافلوا عن الالتزام بتنفيذ الاستثناءات، والعكس صحيح.
– قبل أَيَّـام تم القبض على ثلاثة صرافين في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد يتعرض هؤلاء لعقوبات تصل إلى السجن ما بين 10-15 عاماً، ويقال إن اليمنيين يتعرضون لضغوطٍ كبيرةٍ هناك، هذا يؤكّـدُ ما قلتُه عن خداع الأمريكيين حول الاستثناءات فيما يروجون لاستمرار الحوالات المالية للمغتربين؟
القبضُ على صرافين دليلٌ على ما سبق ذكره بأن تطبيقَ القانون يخضعُ للمزاج الأمريكي، وبحسب تطور الأحداث وموقف اليمن منها وهذه رسالة لليمن حول جدية الإدارة الأمريكية في تشديد السياسات المالية والاقتصادية العقابية في حال استمرار موقف صنعاء الثابت والمؤيد لغزة.
لكن مجمل القرار يوحي إلى أي مدى تؤثر الحشود المليونية والمُستمرّة في اليمن في اقتناع متخذي القرار في أمريكا وحلفائها وعملائها بأن موقف اليمن يعبر عن موقف الشعب اليمني بكل قواه السياسية والمجتمعية، وليس موقفاً لأنصار الله، وهو موقفٌ ثابتٌ وليس طارئاً أو عاطفياً، كما أصبحت قناعةٌ لدى الإدارة الأمريكية بأن حركةَ “أنصار الله” تمثل مكوناً فاعلاً ومؤثراً لا يمكن تجاوزه في أي سيناريو لحَلِّ موضوع الحل السياسي في اليمن.
– ما الفرق بين تصنيف ترامب وتصنيف بايدن.. هل الفرقُ في خُدعة الاستثناءات؟
تصنيفُ ترامب عامٌّ، وبدون استثناءات للأحداث، ضغط على الاقتصاد اليمني إلى جانب حزمة الحرب الاقتصادية التي تنفذها دول العدوان، أما التصنيفُ الأخيرُ فهو للابتزاز والضغط على اليمن لتعديلِ موقفِها من العدوان على غزةَ؛ ولإرضاء اللوبي الصهيوني قبل الانتخابات؛ ولإرضاء الجانب السعوديّ بعدم إنهاء مسار السلام الذي تسعي السعوديّة لتحقيقه اليوم.
– مقابل هذا ردت صنعاء بتصنيفِ واشنطن ولندن.. ما الذي نفهمُه من هذا التصنيف؟
تصنيفُ صنعاءَ لواشنطن ولندن كدولتَين معاديتَين يعزِّزُ إجراءاتِ المقاطعة الشاملة ليس للسلع الأمريكية والبريطانية فحسب، بل وكل المصالح الاقتصادية والمالية لها أَيْـضاً، ومن بابِ المعاملة بالمِثل.
– ما حجمُ تأثير تصنيف صنعاء لأمريكا وبريطانيا كدولتَين معاديتَين.. كيف يمكنُ أن يكونَ هذا التأثير فعَّالاً؟
من خلال استمرارِ منعِ السفن التجارية عبر باب المندب، واستمرارِ استهداف سفنها العسكرية والتجارية، وهذا يمثل خسائرَ مباشرة في ما يتم تدميرُه، تكاليفُ الذخائر المستخدَمة في العدوان أَو تكاليف استمرار عمل بوارج العدوّ في المنطقة.
أما الخسائرُ الأُخرى كارتفاع تكاليف النقل والتأمين على صادرات وواردات هذه الدول نتيجةَ لجوئها للإبحار عبر الرجاء الصالح، أَو تكاليف التأمين نتيجةَ ارتفاع نسبة المخاطر الناجمة عن عمليات اليمن، وهذا ما يعكسُ أثرَه على معدلات التضخم، وبالتالي على أسعار الفائدة، ومن ثَمَّ على عمليات الاستثمار والنمو وعلى إيرادات تلك الدول المعادية… إلخ.
وهذا ما يعني أن استمرارَ العدوان سيزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمالية للأمريكان والبريطانيين ومن سار بركابهم.
– بالنظر للقرار الأمريكي واستثناءاته.. هل جاء هذا القرارُ مدروساً؟
بلا شك أن القانونَ تمت دراسته من قبل الإدارة الأمريكية لتحقيق أهداف معينة، وهذا ما ظهر في العديد من الاستثناءات فعلاً والتي توحي بأن الهدف الرئيسي هو الضغط على اليمن؛ مِن أجل تعديل موقفها من العدوان على غزة مع مراعاة طموح السعوديّة على أمل إنهاء عدوانها على اليمن، وأخيراً تقمص الجانب الإنساني في القرار.
وهذا القرار بالتوكل على الله تعالى وصبر المجتمع وحنكة القيادة السياسية غيرُ ذي معنى.
– كلمة أخيرة؟
أقولُ: إن من يدفع ثمنَ تدخُّل أمريكا هو المواطِن، واستمرارُ منع السفن الأمريكية وَالبريطانية سوف يشكّل ضغطاً على المجتمع وعلى صُنَّاع القرار؛ مما قد يساهمُ في إعادة النظر في مدى دعم كيان العدوّ.