في خيبر اليوم لا بُـدَّ من علي!

 

حسام باشا

إن الصراع بين الإسلام والعدوّ الصهيوني هو صراع قديم ومُستمرّ، يتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية، ويمتد إلى الحدود الروحية والحضارية؛ فالصهيونية هي عدو الإسلام الأول والأخير، وهي تحارب الإسلام بكل الوسائل الممكنة، سواء بالقوة العسكرية أَو الاقتصادية أَو الإعلامية أَو الثقافية، وهي تسعى للسيطرة على أرض المسلمين ومقدساتهم وحقوقهم، وتحاول إضعافهم وتفريقهم وتهويدهم.

ولكن كيف يمكن للمسلمين أن يواجهوا هذا العدوّ الغاشم والمتغطرس؟ هل يكفي أن يمتلكوا الأسلحة والجيوش والتكنولوجيا؟ أم أن هناك شيئاً أهم وأعمق من ذلك، يمكن أن يجعلهم أقوى من “إسرائيل”، وأن ينتصروا عليها بإذن الله؟

إن الجواب على هذا السؤال لا يحتاج إلى تفكير أَو تأمل، بل يتلخص في كلمة واحدة: الإيمان؛ فالإيمان هو السر الأعظم لنصرة الله ورضوانه، والعنصر الأَسَاسي والحاسم في مواجهة العدوّ الصهيوني، والذي يمنح المسلمين القوة والثبات والصبر والأمل؛ فبه تنبت في قلوب المسلمين هُــوِيَّة إسلامية قوية وواضحة، تجعلهم يتعلقون بالله ويتبعون رسوله ويقتدون بأعلام الهدى، وبه تزدهر في عقول المسلمين رؤية إسلامية شاملة ومتجددة، تهديهم إلى ما يصلح شأنهم، وتبين لهم حقيقة الأحداث والظروف التي يمرون بها، وتنشط في أرواحهم روح الجهاد والمقاومة والفداء، وتحفزهم على السعي في سبيل الله والدفاع عن الدين والأرض والشرف؛ الأمر الذي يجعلهم كالجبال الراسيات التي لا تهزها الرياح.

ولكن كيف يمكن للمسلمين أن يحصلوا على هذا الإيمان القوي والصافي؟ وكيف يمكن لهم أن ينموا به ويثبتوا عليه؟ وكيف يمكن لهم أن يتحول إلى عمل وسلوك وتأثير؟ هنا يأتي دور التربية الإسلامية الصحيحة، التي تهدف إلى بناء جيل من الشباب المؤمنين والمخلصين والمجاهدين، الذين يحملون في قلوبهم الإيمان بالله ورسوله، ويسيرون على خُطَى أعلام الهدى، ومن أعظم هؤلاء الأعلام وأفضلهم هو الإمام علي عليه السلام، الذي كان صاحب الإيمان الأعظم والجهاد الأكبر والعدل الأشرف والحكمة الأعلى؛ فهو أولُ مَن آمن بالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأول من صلى معه، وأول من هاجر معه، وأول من جاهد معه، وهو الذي كان يحمل راية الإسلام في كُـلّ غزوة وموقف، وينفرد بالبطولات والفتوحات، ويكسر أعناق الكفار والمنافقين، ويقود المسلمين بالعدل والحكمة والشجاعة، وينشر فيهم العلم والتقوى والأخوة، ويعرفهم الحق بقوله وعمله، ويعرفهم الباطل وينكره عليهم ويقاومه.

فمن يريد أن ينتصر، اليوم، على الصهاينة، وأن يحرّر أرض المسلمين ومقدساتهم، فليتعلم من علي عليه السلام، وليجعله قدوته ومثله الأعلى، وليقتدي بسيرته وأخلاقه ومواقفه؛ فَــإنَّه لا يمكن للمسلم أن ينتصر على أعدائه، ولو تسلح بكل الوسائل العسكرية، وامتلك أحدث التكنولوجيا، إذَا لم يكن مؤمناً بالله ورسوله وأعلام الهدى، ويقتدي بشجاعتهم في الجهاد في سبيل الله، وتحَرّكهم في العمل لنهضة الأُمَّــة؛ فالعدوّ الإسرائيلي لا يخشى من الأسلحة والمال والعدد، فهو يمتلك كُـلّ ذلك بفضل دعم الغرب والخيانة العربية، ولكنه يخشى من الروح الإسلامية الحية التي تنبض في قلوب المؤمنين، والتي تجعلهم ينتصرون على أعدائهم، كما فعل الإمام علي في معركة خيبر التي حمل الراية فيها بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وانفرد بكسر باب الحصن الشديد الصلابة، وأذل اليهود وأجبرهم على الاستسلام، ولذا فَــإنَّ خيبر هي المعيار والشاهد على بطولة أمير المؤمنين ضد صهاينة الأمس، وفضله على سائر المسلمين إلى يومنا هذا.

فهل يجد اليوم الإسلام من يحاكي علياً في شجاعته وإيمانه وجهاده؟ هل يربي المسلمون شباباً يتتلمذون على نهجه، ويقتدون بسيرته ويحملون رايته في مواجهة “إسرائيل” الغاصِبة بنفس العزيمة والصبر والتضحية التي أبداها إمامنا عليه السلام؟

إن هذا هو السؤال الحاسم الذي يجب أن يطرحه كُـلّ مسلم على نفسه وعلى أمته، ويجب أن يجد له إجَابَة صادقة وواقعية؛ فإن كان الجواب نعم، فليبشر بالنصر والفلاح، وليستعد للجهاد والمقاومة، وليتوكل على الله وليتحد مع إخوانه المجاهدين، وإن كان الجواب لا، فليستغفر الله وليتوب إليه، وليسأله الهداية والثبات، وليجدد إيمانه ويصلح نفسه.

لقد وعد الله تعالى المؤمنين بالنصر والتمكين، وبيّن لهم على لسان نبيه الذي لا ينطق عن الهوى، بأنهم لن يضلوا أبداً، إذَا أوفوا بشروطه واتبعوا هداه (الكتاب والعترة).

قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: 55]، وقال تعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ، وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 160].

وقال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [ المائدة:55].

فلنتوكل على الله، ولنجدد إيماننا ولنصلح أنفسنا وأمتنا، ولنتعلم من علي -عليه السلام- ولنجعله قدوتنا ومثلنا الأعلى، ولننشئ جيلاً من الشباب يحملون في صدورهم نار الحق ويسعون لنصرة الإسلام والمسلمين، فَــإنَّهم إن فعلوا ذلك فسيكونون أهلاً للنصر والتمكين؛ فـ “إسرائيل” لا تخشى إلا من المؤمنين الأشداء الذين يحملون في قلوبهم نور علي -عليه السلام- وآل بيته من أعلام الهدى.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com