خطابُ المفاجآت.. الفيتو اليمني يتوسّع

 

علي الدرواني

بعد أَيَّـام، تحلّ الذكرى التاسعة للعدوان على اليمن في 26 آذار/ مارس 2015. العدوان الذي تتولاه السعوديّةُ والإمارات، وتدعمه واشنطن ولندن جاء لهدفَينِ رئيسيَّينِ:- الأول معلن، هو إنهاء القوّة العسكرية اليمنية، والثاني غير معلن، وهو إعاقة الموقف اليمني المناهض للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية والمساند للقضية الفلسطينية، إلا أن تلك الحرب لم تسهم إلا في تمسّك اليمنين بموقفهم ومضاعفة قدراتهم العسكرية.

ربما كان اليمنيون قبل العام 2015 يكتفون بالمسيرات الشعبيّة في يوم القدس العالمي للتعبير عن موقفهم إلى جانب الأهل في فلسطين، أَو المظاهرات الحاشدة لرفض العدوان على غزّة في تلك الأعوام. أما اليوم، فهناك على مستوى الموقف الشعبي مسيرات أسبوعية تعم كُـلّ المحافظات اليمنية، وصلت إلى مستوى الفعاليات، والمسيرات والمظاهرات والوقفات.

وبحسب آخر إحصائيّة قدمها السيد القائد عبد الملك الحوثي، في خطابه الأسبوعي عن المستجدات في غزّة في 26 شعبان الماضي الموافق السابع من مارس الجاري، أن المسيرات والمظاهرات بلغت 2539، والتي تخرج أسبوعيًّا في أكثر من مئة وعشرين ساحة، أبرزها في ميدان السبعين في صنعاء وميادين عواصم المحافظات. وقد بلغت الفعاليات: 26770، والوقفات الشعبيّة والمجتمعية: 76051، والوقفات الطلابية في الجامعات والمدارس: 148 ألفًا، وهي جزءٌ أَسَاسيٌّ من الموقف، حَيثُ تتكامل مع العمليات العسكرية، وهي ظهر للعمليات العسكرية وسند للعمليات العسكرية وذات أهميّة قصوى.

وهذا الحضور الشعبي تعبيرٌ واضح على عمق التمسك بالقضية الفلسطينية، وتنامي الوعي بأهميةِ الوقوف إلى جانب القضية واستشعار مظلومية الشعب الفلسطيني والمسؤولية الأخلاقية والدينية تجاه المستضعَفِين هناك، لا سِـيَّـما مع استمرار الصمت المطبق من المجتمع الدولي والأمة العربية والإسلامية، ويظهر المدى المتقدم للشعب اليمني باستحضار حجم التهويل والتخويف الأمريكي والغارات العدوانية الأمريكية على اليمن، سواء في صنعاء وصعدة والحديدة وحجّـة، ولم تُستثنَ البيضاء وتعز وذمار.

في المجال العسكري، يتذكر الجميعُ القدراتِ العسكرية اليمنية، والتي كانت تحتوي في ترسانتها على صواريخ سكود بمديات لا تتجاوز 250 كم، أما اليوم فقد وصلت مديات الصواريخ إلى أكثر من 2000 كم، وتعدد أنواعها. وكشفت القوات المسلحة اليمنية عن صواريخَ جديدة في العرض العسكري، في العيد التاسع لثورة 21 سبتمبر/أيلول، مثّلت آخر إنتاجات الصناعات العسكرية الحربية اليمنية من الأسلحة المختلفة من الصواريخ الباليستية والمجنحة والبحرية، ومنظومات الدفاع الجوي وسلاح الجو الحربي والمسيّر المزوّد بأحدث التقنيات التي صنعت خلال العدوان، ولم تكن موجودة قبله.

استعرضت القوّاتُ المسلّحة اليمنية نماذجَ من الأسلحة الخَاصَّة بالقوّة البحرية من زوارق وصواريخ وألغام وبعضُها كشف عنه للمرة الأولى، وأزيح الستار عن صاروخ “سجيل” البحري، وهو صاروخ كروز مجنح مداه 180 كم ويعمل بالوقود الصلب، ويتميّز بدقة الإصابة برأس حربي يزن 100 كغ، ويمكنه ضرب أي هدف في البحر الأحمر.

كما أزاحت القوات المسلحة حينها للمرة الأولى عن صواريخ “بدر 4″، “قدس 4″، صاروخ “عقيل”، صاروخ “طوفان”، صاروخ “ميون”، صاروخ “تنكيل”، صاروخ “مطيع”، صاروخ “قدس Z – 0”.

ولمّا يعلن حتّى الآن إذَا ما كانت هذه الصواريخ هي التي استخدمت ضدّ أهداف بحرية للعدو الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني.

ويرجح أن صاروخَ ميون الباليستي قد استُخدم ضدّ الأهداف المتحَرّكة البحرية، وهو صاروخ أرض – بحر باليستي يعمل بالوقود الصُّلب، متوسط المدى وقادر على إصابة الأهداف البحرية الثابتة والمتحَرّكة، يتميّز بقدرةٍ تدميريةٍ كبيرة. ويُرَجَّحُ أَيْـضاً أن بعض هذه الصواريخ المجنَّحة استُخدمت بالفعل ضدّ أهداف للعدو الإسرائيلي في أُمِّ الرشراش (إيلات) من دون الإفصاح عن نوعياتها.

الجديرُ بالذكر هنا؛ أن السيد القائد عبد الملك الحوثي، قد أشار أكثر من مرة في سياق خطاباته الأسبوعية، أنه كلما تطوّر العدوان الأمريكي على اليمن كانت هناك نتيجةٌ طردية بتطوير القدرات اليمنية. وفي خطابه يوم الخميس 7 رجب الموافق (18 يناير الماضي)؛ أكّـد السيد أنَّ “العدوان الأمريكي البريطاني سيسهم أكثر وأكثر – كلما استمر – في تطوير قدراتنا العسكرية بشكل أفضل، بل والأمريكي يعرف اختلاف نوعية السلاح الذي استهدفت به سفينة الأمس”. في إشارة إلى استهداف سفينة أمريكية في البحر الأحمر، حينها قال مسؤول أمريكي للجزيرة: “الهجوم أصاب السفينة، ولا يمكننا الإفصاح عن السلاح المستخدم وأية أضرار محتملة”.

كانت تلك أولى الإشارات عن تطوير القدرات العسكرية اليمنية، لكنّها لم تكن الأولى في توسيع الفيتو اليمني ليشملَ السفن البحرية البريطانية والأمريكية، ومع ذلك فقد مثلت أَيْـضاً بادرة بتطوير القدرات وصناعة المفاجآت.

قبل أسبوعَينِ؛ حَذَّرَ السيدُ القائدُ من مفاجآت قادمة، وترك الحديث عنها للميدان، ثم كشف عن واحدة من المفاجآت، وهي توسيعُ العمليات العسكرية لتشمل منع السفن المرتبطة بالعدوّ الإسرائيلي من المرور حتّى بالمحيط الهندي، مؤكّـداً تنفيذَ 3 عمليات استهدفت سفنًا في المحيط الهندي، ضمن 12 عملية صاروخية خلال الأسبوع الماضي، معلنًا: “نتّجه – بتوفيق الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وبمعونته سُبْحَانَهُ – إلى منع عبورها حتّى عبر المحيط الهندي، ومن جنوب إفريقيا باتّجاه طريق الرجاء الصالح، وهذه الخطوة المهمّة والمتقدِّمة والكبيرة بدأنا ننفذ عملياتنا المرتبطة بها”.

هذه العمليات، إذ تكشف عن تنامي القدرات اليمنية؛ فهي أَيْـضاً دليلٌ على أن الخيارات ما تزالُ كثيرةً للضغط على ثلاثي الشر؛ مِن أجل وقف العدوان ورفع الحصار عن أهلنا في غزّة.

ولأهميّةِ هذه الخطوة، فقد علّق عليها الكاتبُ الفلسطيني عبدالباري عطوان، على صفحته في منصة “إكس”، بالقول: “خطاب السيد عبد الملك الحوثي الذي تعهد فيه بتوسيع دائرة الحرب هو إعلان حرب لا يمكن أن تقدِمَ عليه إلا دولةٌ عظمى نووية. إنه رَجُلٌ في زمن عزّ فيه الرجالُ ويتزعّم شعبًا لا يعرفُ الخوفَ ويستعجل الشهادة؛ ولهذا بات النصر ونهوض الأُمَّــة والعقيدة وشيكًا، وختم تعليقه بالشكر لليمن قيادة وشعبًا”.

إن تصاعُدَ عملياتِ الإبادة الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية بحق أبناء غزّة، حتّم على القوات المسلحة اليمنية أن تطوّر المعادلة وتوسّع الحظر إلى المحيط؛ مِن أجل إغلاق الخط البديل الذي باتت تسلكه السفن الإسرائيلية بديلًا عن باب المندب، وبالتالي زيادة في الأكلاف الاقتصادية وخنق الكيان الصهيوني وحصاره بشكل شبه كامل، مع شرق آسيا، ليبقى فقط أمام سفن العدوّ، طرق الملاحة من أُورُوبا وأمريكا. ومن يدري، فقد تتوسّع المعادلة لتشمل البحر الأبيض المتوسط، لا سِـيَّـما أن القدرات الصاروخية قادرة للوصول إلى مديات تشمل موانئ العدوّ على ساحل المتوسط.

من الواضح أن المفاجآتِ التي توعد بها السيد القائد لن تتوقف هنا، وأن في جعبته المزيد لتنفذه القوات المسلحة اليمنية. ومن نافلة القول الإشارة إلى ما تتناقله وسائل إعلامية مؤخّراً عن تجربة صاروخ فرط صوتي في الأيّام الماضية، وإن كانت القوات المسلحة لم تنفِ ولم تثبت ذلك، إلا أن ذلك غير مستبعد في ظلّ التطورات المتسارعة، سواء في القدرات العسكرية أَو حتّى في الظروف الميدانية، في ما يتعلق بالعدوان على غزّة أَو العدوان الأمريكي – البريطاني على اليمن.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com