رمضان.. شهرُ القرآن وبعثة نبي الإسلام
القاضي/ حسين محمد المهدي
رمضان تتجدد بشائره، وتشرق أنواره على قلوب أهل العرفان في كُـلّ يوم يمضي والدنيا تضيء وتزدان بهجة وزينة حتى بعد انقضاء العشر الأولى منه؛ لأَنَّ البشرية تنال من تعاليم الإسلام الكامل بنبوة محمد (ص) ما يحصل به فوزها ونجاتها بإدراك درجة الفلاح والنجاح، مهما تقدم الزمن.
لقد بعث نبي الإسلام في رمضان إلى الناس جميعاً، ولم تكن رسالته منحصرة في أُمَّـة دون أُمَّـة أَو زمن دون زمن؛ فلم يبق لأية أُمَّـة من الأمم حاجة إلى أن يرسل الله إليها نبيًّا (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ جميعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالأرض لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
إن تعاليم الإسلام التي جاء به محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- حية بين أيدينا.
ولدى العالم اليوم من الوسائل ما يمكن أن يعلم بها في كُـلّ وقت وحين هدي الإسلام وتعاليم النبي (ص).
وحياة النبي (ص) تعني حياة ما يأتي به من الهداية.
وما دامت هدايته باقية في الحياة فهو حي.
فالناس موتى وأهلُ العلم أحياء.
إن العالم اليوم لديه من الوسائل ما يجعله يدرك حقيقة الإسلام وما جاء به محمد (ص) من عند الله تعالى، وأي طريق إلى الحياة وجه الناس بها، وما هي السبل التي سلكها والأمور التي نهى عنها.
فإذا كانت هدايته حية في متناول الجميع فلا حاجة لنبي آخر؛ ولهذا كان محمد (ص) خاتم النبيين.
وإذا كانت البشرية اليوم لا تحتاج إلى نبي ولكنها بحاجة إلى رجال يتَّبعون النبي، يتعلمون شريعته وهديه ويعملون بذلك ويقيمون في الأرض دولة الإسلام، دولة القرآن الذي جاء به محمد -عليه الصلاة والسلام- الذي جاء من عند الله سبحانه وتعالى، حجّـة ورحمة للعالمين (وَما أرسلناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ).
فقد جاء بعقيدة التوحيد، وهي عقيدة صادقة متدفقة بالقوة والحياة.
الإسلام جاء بالتوحيد في العقيدة والاتّجاه، والوحدة في الفكر والعمل (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً).
دعا الإسلام إلى التوحيد وَالوحدة؛ لأَنَّ ذلك طبيعته وركنه الذي تقوم عليه دعوته إلى الناس أجمعين.
فحين استجاب لها المسلمون في أول عهده أكسبتهم قوة وعزة وغلبة.
فقد عني هدي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- بتقوية تلك الوحدة وأحكم تأسيس تلك الرابطة حتى جعلها أُخوَّةً بين المسلمين تنمحي فيها الفوارق، وتختفي فيها الطبقات، ويتساوى فيها جميع الأفراد في حقوقهم وواجباتهم، كما يتساوى الإخوة في الأسرة الواحدة.
وذلك يعني أن دين محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- يتفق مع كُـلّ عصر، ويتلاءم مع كُـلّ حياة، فهو باقٍ بقاء العصور، خالدٌ ما خلدت الحياة، متجدد ما تجدد الزمن؛ ذلك أنه بلغ في كُـلّ فضيلة حدَّها البعيد، فكان المثل الأعلى لكل مكرمة وكرامة بين الناس أجمعين.
لقد كان لهدي محمدٍ المنةٌ العظيمة، حينما نادى بنداء دوَّت له الآفاق؛ لجعله أَسَاس الأعمال والأخلاق، هدفٌ ينشده المرء في قصده وتوجّـهه (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).
فكل عمل يقصد به مرضاةَ الله وامتثال أمره هو وسيلة إلى التقرب إليه، والوصول إلى أعلى مراتب اليقين ومراتب الإيمان، سواءٌ أكان ذلك في شهر الصيام أَو في غيره.
وبالعكس من ذلك فإن كُـلّ عبادة دينية إذَا تجردت من طلب رضا الله سبحانه وتعالى، وَنفرت عن الخضوع لأوامره ونواهيه في باب الجهاد وغيره فإنه إذَا غشيها شيء من الغفلة ونسيان ما أمر الله به في باب الجهاد وغيره فإنه لا يثاب عليه العامل، بل ربما تعود تلك الأعمال وبالاً عليه، ومن لم تنهَه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بُعدًا، ورُبَّ صائمٍ ليس له من الصيام إلَّا الجوع والعطش، فمدار الأمر على صلاح النيات.
كم نحن بحاجة إلى عزم قوي، ونية صادقة، وعاطفة جياشة لنصرة الإسلام، والمستضعفين في فلسطين اتِّباعا لهدي نبي الإسلام.
ماذا ينتظر المسلمون اليوم أمام فساد الصهيونية وهوسها وجنونها وأذنابها في أُورُوبا وأمريكا وفسادها الذي نخر هيكل المدنية في تلك الدول حتى تعفن، فكأنها أفسدت طبيعة الإنسانية ومجلس الأمن فيها ولم تفسد الصهيونية المدنية في أمريكا وأُورُوبا، بل أصبحت تفسد العالم بما في ذلك فلسطين التي تقنص الصهاينة أبنائها بطائراتهم وصواريخهم، وصارت تتلذذ بموت الأطفال والنساء والشيوخ.
وما من علاج لهذا الداء؟ غير تضامن المسلمين وإعلان النفير لقتالهم استجابة لقول العزيز الحكيم: (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأموالكُمْ وَأنفسكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
إن الواقع أثبت أن الصهيونية تشعل الحروب وتسفك الدماء وتغتصب الأرض بلا هوادة.
فربما يتذكر البعض دورهم في إشعال حربين عالميتين ذهب ضحيتهما ملايين من البشر، ولم يكن ذلك إلا نتيجة صلف قومي وصهيوني وأنانية فردية وشهوة في الاستعلاء على الناس والسيطرة على الأسواق العالمية، وكأن التاريخ يعيد نفسه فما يفعل اليهود في فلسطين هو الشرارة الأولى.
فطريق النجاة هو اتّباع نهج أنصار الله وحزبه وتأييد محور المقاومة اليمن، لبنان، العراق، إيران، سوريا نصرة لدين الله واتّباعاً لهدي نبيه؛ فهدي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- يحتاج إلى أتباع يحيونه؛ ليعيش العالم في أمن واستقرار ولتعود العزة للمؤمنين وتشرق شمس الإسلام على الأرض كلها، وما ذلك على الله بعزيز.
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين.
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).