أَمريكا تغســلُ يدَها من الحرب الـيَـمَـنية
هدير محمود *
خطواتٌ متسارعةٌ تتخذُها الإدارةُ الأَمريكية تصُـــبُّ في اتجاه مزيد من توتر العلاقات بين المملكة العربية السعودية وأَمريكا، فبعد أن أصحبت الحرب الـيَـمَـنية غيرَ مُربحة بالنسبة للإدارة الأَمريكية وتثير العديد من الانتقادات والتحفظات من المجتمع والمنظمات الدولية، بدأت واشنطن في السعي نحو تبرئه نفسها من التورط في هذه الحرب.
واشنطن توقف دعم السعودية
أوقفت أَمريكا بيع القنابل العنقودية إلى المملكة العربية السعودية؛ جراء تزايد عدد الضحايا من المدنيين في الـيَـمَـن، ونقلت مجلة فورين بوليسي، عن مسؤولين أَمريكيين أن ارتفاع عدد الضحايا الـيَـمَـنيين بسبب هذه القنابل وراء اتخاذ القرار، وأضافت المجلة أنها أول خطوة ملموسة اتخذتها الولايات المتحدة لإثبات عدم ارتياحها من حملة القصف السعودية التي قتلت وجرحت المئات من المدنيين الـيَـمَـنيين بينهم العديد من الأطفال.
ورقة ضغط
إعلان أَمريكا عن إيقاف توريد القنابل العنقودية للسعودية بسبب ارتفاع عدد ضحاياها من المدنيين، يعتبر ورقة إدانة تقدمها واشنطن إلى الشعب الـيَـمَـني لاستخدامها حال رغب في ملاحقة التحالف العربي بقيادة السعودية أمام المحاكم الدولية، خَاصَّـة أنه سبق أن أدانت العديد من المنظمات والهيئات الحقوقية، وعلى رأسها “هيومن رايتس ووتش” في تقارير سابقة لها السعودية بقتل المدنيين بقنابل عنقودية أَمريكية وبريطانية الصنع، وقصف التجمعات السكنية والمدنية بالقنابل العنقودية المحظورة التي تحتوي على مئات القنابل الصغيرة المميتة التي تستمر لسنوات تحصد أرواح المدنيين.
القرار الأَمريكي يأتي بعد أيام من تقرير منظمة العفو الدولية، الذي حذرت فيه من خطر القنابل العنقودية التي ألقاها تحالف العُـدْوَان السعودي على المدنيين في الـيَـمَـن، مؤكدة أنها حولت شمال البلاد إلى حقول ألغام، وقالت المنظمة، إن الأطفال والمدنيين يُقتلون ويشوهون جراء القنابل العنقودية غير المنفجرة، مطالبة تحالف العُـدْوَان بوقف استخدام هذه الذخائر، كما طالبت المجتمع الدولي بالمساعدة على تنظيف المناطق التي سقطت فيها.
وأكدت المنظمة أن العائلات العائدة إلى منازلها شمال الـيَـمَـن في خطر شديد من التعرض لإصابات خطرة أَوْ الموت جراء آلاف الذخائر العنقودية غير المنفجرة، مشيرة إلى أن المنظمة عثرت في مهمتها الأخيرة على قنابل عنقودية مصنعة في أَمريكا وبريطانيا والبرازيل استخدمتها السعودية في الـيَـمَـن.
خطوة جديدة باتجاه توتر العلاقات
لم يعد يخفى على أحد اشتعال الخلافات بين الإدارة الأَمريكية برئاسة باراك أوباما، والمملكة بزعامة الملك سلمان بن عَبدالعزيز، حيث بدأت الخلافات منذ توقيع الاتفاق النووي بين الدول الست الكبرى، وعلى رأسهم واشنطن، من ناحية، وإيران من ناحية أخرى، وهو الاتفاق الذي اعتبرته الدول الخليجية، خَاصَّـة الرياض بمثابة تغير في السياسة الأَمريكية وإعطاء الرئيس الأَمريكي ظهره لمصالحة مع دول مجلس التعاون الخليجي، لتتبعه المزيد من الخلافات بشأن سوريا والـيَـمَـن والمواقف والتصريحات الأَمريكية المعادية للمملكة، الأمر الذي وصل بالعلاقات الأَمريكية السعودية إلى مرحلة سيئة.
جاء إقرار الكونجرس الأَمريكي مُؤَخّراً لقانون يسمح للعائلات المتضررة في هجمات 11 سبتمبر، التي فقدت ذويها من مقاضاة الحكومة السعودية، ليشكل نقطة خلاف جديدة هددت على أثرها المملكة واشنطن بعرض عقارات السعودية وممتلكاتها في الولايات المتحدة للبيع وقيمتها تصل إلى 750 مليارا، الأمر الذي من شأنه تدمير سوق العقارات الأَمريكية ويدمر قطاع كبير من الاقتصاد الأَمريكي الذي ربما يصل لموقف شبيه بالأزمة الاقتصادية عام 2008 إذا نفذت السعودية تهديدها.
الخطوة الأَمريكية الأخيرة التي ستوقف واشنطن بموجبها توريد القنابل العنقودية إلى الرياض، تعتبر نقطة جديدة في سجل الخلافات السعودية الأَمريكية، بل قد تكون القشة التي تقصم ظهر هذه العلاقات، أَوْ على الأقل تُحجمها حتى إنتهاء فترة الرئيس الأَمريكي، باراك أوباما، الرئاسية في 5 يناير المقبل.
توقيتُ الخطوة الأَمريكية
تأتي الخطوة الأَمريكية بعد انتشار العديد من التقارير سواء من منظمات وهيئات حقوقية أَوْ من حكومات بعض الدول فضلًا عن شهادات قاطني المدن الـيَـمَـنية المنكوبة، التي تفيد جميعها بارتكاب المملكة لجرائم حرب هناك واستخدام أسلحة محرمة دوليًا وقصف المدن الـيَـمَـنية بطريقة عشوائية مبالغ فيها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل، لماذا قررت أَمريكا أن تتخذ هذه الخطوة في هذا التوقيت بالذات؟، فهل تأتي في إطار الضغط على الرياض من أجل إنهاء الحرب الـيَـمَـنية التي أَصْبَـحت وصمة عار على جبين المملكة والولايات المتحدة الأَمريكية على حد سواء؟
الأمر الذي يفسر الموقف السعودي الذي أَصْبَـح أكثر مرونة في المفاوضات الـيَـمَـنية التي تتم في الكويت حاليًا، فبعد أن كان يتسم بالتشدد والتسرع، تراجع الآن بعض الشيء، ما اتضح في الانسحابات المتكررة التي يقوم بها وفد الرياض من المفاوضات، كما اتضح جليًا في تصريحات نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الـيَـمَـني، عَبدالملك المخلافي، الذي أكد فيها عقد سفراء السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا اجتماعات متواصلة خلال الأيام الماضية مع لجنة التواصل والتنسيق المنبثقة عن المشاورات، من أجل وضع حد للحرب الدائرة في الـيَـمَـن قبل دخول شهر رمضان، وأن الوفد الحكومي تلقى وعودًا من الدول الكبرى الراعية لعملية السلام في الـيَـمَـن بوقف الحرب على جميع الجبهات وإطْـلَاق سراح المعتقلين خلال الأيام المقبلة.
يبدو أن الخطوة الأَمريكية تهدف واشنطن من ورائها إلى تبرئة نفسها من الحرب الـيَـمَـنية أمام المجتمع الدولي؛ من خلال إدانتها ووقف الدعم عن السعودية وعقد مباحثات ومشاورات بهدف حل الأزمة في أقرب وقت، حتى لا تتورط الإدارة الأَمريكية مع الرياض في أيَّة محاكمات أَوْ تحقيقات أمام المحاكم الدولية، خَاصَّـةً بعد أن وجه مشرعين أَمريكيين انتقادات للإدارة الأَمريكية بسبب انحياز الولايات المتحدة الزائد إلى المملكة في الحرب.
إجماعٌ دوليٌّ على وقف الدعم السعودي
تزامنت الخطوة الأَمريكية مع دعوة نواب في البرلمان الأوروبي حكومات وبرلمانات بلدانهم إلى أن يحذو حذو هولندا، من خلال إيقاف توريد الأسلحة إلى السعودية، بسبب دعم الرياض للإرْهَـاب، وإصدارها أحكام إعدام بحق مواطنيها، ومواصلة عُـدْوَانها على الـيَـمَـن الذي أودى بحياة آلاف المدنيين، حيث كان البرلمان الهولندي صادق على حظر توريد الأسلحة إلى السعودية، الأمر الذي يعتبر أول اختراق لحاجز الصمت الدولي إزاء ما تمارسه السعودية في الـيَـمَـن من جرائم منذ أكثر من عام، حيث قالت نائبة فرنسية في البرلمان الأوربي، ماري كريستين فيؤغيا، “أتمنى أن تقوم فرنسا بنفس الخطوة الهولندية، ومن المؤسف أن تغمض فرنسا عيونها عما تقوم به السعودية؛ لأنها فقط تبيعها الأسلحة، حيث تعد فرنسا أول سوق سلاح لها، إذا كنا فعلا دولًا تدافع عن حقوق الإنسان فقد حان الوقت لكي نتعامل بأسلوب آخر مع السعودية”.
* نقلاً عن موقع البديل