عجيبٌ أمرُ هذه الأُمَّــة

 

منتصر الجلي

عجيب أمر هذه الأُمَّــة!

وَقْعُ التفريط يلاحقها، منذ زمن مبكرٍ لتأسيس اللبنات الأولى منها، ورسولها بين ظهرانِيها، وكتابها يتنزل طريًّا على مسامعها، والآيات تتجلى بين يدَي نبيها.

يشاهدون المعجزات، ويقرأون المحكمات، ويشاهدون غلبة الروم وفارس، وتساقط الأصنام وفتح مكة، يعيشون الأحداث لحظة بلحظة، حتى لحظة الوادع، وداع النبي للأُمَّـة والرسالة، يترك رسول الرحمة شاهدًا منه، وقرآنًا ناطقا؛ يرفع كف الولاية لترفع الأُمَّــة رأسها به، لكنها وفي مرحلة حرجة يكبر الشيطان في النفوس وينكشف خط النفاق المستتر بأستار الكعبة طيلة سنوات البلاغ، ينكشف ذلك الوجه، ويسقط هارون الأُمَّــة بطل بدر وخيبر وأحد والخندق، يسقط علي مستنداً إلى أسطوانة جامع الكوفة مضرجاً بدماء طالما حملت راية الإسلام وأشهرت سيف الله في وجه أعداء الرسالة والرسول.

إن الوضعية الهزيلة التي وصل لها حال الأُمَّــة حينها من تفشي حالة النفاق وسيطرة الدنيا وخدمة الأعداء جعل الأُمَّــة أفرادًا وجماعاتٍ في منحى بعيد عن نهج الإسلام في أصالته، من خلال العديد من التوجّـهات الشخصية التي طرأت على معظم الصحابة من بقي منهم، في إطار استناد شخصي وتأويل للوضعية من منطلقات ضيقة لدى البعض، فيما اتجه آخرون إلى فرز المنهجية المحمدية بغير مضامينها الصحيحة، لتخلق واقعاً يستند لأقوال النبي وأفعاله، وتأويل للنص القرآني خارج فريضة الآيات الكريمة، كُـلّ ذلك تقرباً أَو خوفاً من سلاطين النفاق، الذين أرادوا سيادة الدولة تحت حَــدّ السيف، ضمن مخطّطات ضرب الإسلام في مهده الأول خدمة لأجندة الأعداء.

في واقع كهذا وَسقوط شخص عظيم كمولانا الأعظم علي بن أبي طالب -عليه السلام- الذي ورد في حقه جملة من النصوص القرآنية والنبوية المأثورة لدى مشارب الأُمَّــة قاطبة، فضله ومنزلته، وما يمثل شخصه في واقع ليس للأُمَّـة أحد سواه منقذًا وهاديًا؛ نتيجة التلف لمنظومة المسؤولية وتضييعاً لتعاليم النبي محمد- صلى الله عليه وآله وسلم- لدى البعض المعنيين بحماية هذا الدين الأوائل، منهم غالبية ساحقة في بلاد الشام الذين خضعوا للتدجين الأموي طيلة عقود من الزمن تحت تأثير اللَّاهوت الأُموي، وأتباعه وحزبه على نطاق بلاد الإسلام عامة.

إن الحديث في كُـلّ عصر عن شخص الإمام علي (ع) وفي ليال القدر لا يعد حديثاً تذكارياً أَو مشهداً تراجيِّدياً، بل هو وقوف على تفاصيل واقع ساد بلاد الإسلام بكلها، قراءة المشهد من زوايا “التفريط والإفراط” الذي نتج عنه كما أوضح السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي-يحفظه الله- حول تزييف صورة الإسلام في أصالته على إنتاج «خطين متوازيين في الأُمَّــة ببعديهما الزمني والآني، خط الإسلام المتشدّد التكفيريين، وخط التمييع دعاة الشذوذ وإباحة المحرمات» أمام هذا يتضح الدور الذي كان يمثله الإمام علي في حفظ الأُمَّــة؛ كونه منهجاً يتحَرّك وتجسيداً للإسلام في ملامحه التي أراد الله ورسوله للأُمَّـة أن لا تخرج عنه.

في المقابل نرى بوضوح تلك الزاوية المعتمة التي خلقها خط النفاق في ما تلى ذلك من مآسٍ ووقائع لم تكن لتحدث لو استمر خط علي، لتبدو المفارقات العجيبة شاخصة العيان للأُمَّـة جيلاً عن جيل، تشهد بعظم ذلك الجرم وفداحة تلك المعصية العظيمة، كجريمة تأثيرها امتد لقرون الإسلام المعاصرة إلى اليوم، ذلك كله يعود لجذور الجهل والأهواء وعدم التسليم والرضى بما اختاره الله ونبيه للأُمَّـة لما فيه سلمة الدين والدنيا والآخرة، فالسلام على أمير المؤمنين، سلام تجلله السماوات ويرضى به الرب الكريم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com