“الإمام علي”.. منهجٌ متكاملٌ ومعرفةٌ بعد خلو مكان
دينا الرميمة
ثمة تأريخ لا يموت وحقائق من الصعب المساس بها أَو تزييفها مهما حاول متزعمو السلطة وَأرباب المال وَالأقلام وكتبة التأريخ!
فعندما نقرأ في التأريخ الإسلامي نمر بشخصيات عدة ذكر المؤرخون دورها في نصرة النبي الكريم وَرسالته الخالدة، بيد أن منها من قد اعتراها التشكيك في صحة مواقفها الجهادية وحتى في حقيقة إسلامها أَو اتّباعها للنبي الاتّباع الأمثل.
غير أن هناك شخصية وحيدة لم يعترها الشك ولم يستطع كتاب التأريخ القدح في صحة مواقفها العظيمة في نصرة دين الله ورسوله!
وهنا يحضر بالذاكرة الإمام -عليه السلام- الذي تفرد دون غيره بتجسيد النموذج الأرقى لروحية الإسلام وقيمه ومبادئه بعد نبينا الكريم “صلوات ربي وَسلامه عليه وعلى آله” وكان مع رسول الله يداً بيد في رفع راية الإسلام واتّساع رقعته وَتأسيس الدولة الإسلامية وتربية الأُمَّــة التي كانت خير أُمَّـة أخرجت للناس.
ويعود السبب في عدم التجرؤ على العبث بسيرته كون الإمام علي حاضراً في الكثير من آيات القرآن الكريم الذي خلد صفاته ومواقفه في الكثير من مواطن الطاعة لله والإنفاق والصلاة وَالجهاد وَالذكر.
وإذا ما أتينا لنبحث عن شخصية الإمام علي سنجد أنه قد تميز بخصوصية لم تكن لغيره من الصحابة؛ فبدءاً من شرف ولادته في جوف الكعبة الذي له دلالته في عظمة المولود، ومن ثم نشأته في كنف رسول الله وما حظي به من تربية في بيت النبوة بعد أن أخذه النبي منذ طفولته ليخفف عن أبيه عبء النفقة، وردّ الجميل الذي قام به حين تولى رعايته بعد أن توفى جده، وهي أَيْـضاً تهيئة ورعاية إلهية لأمر ما!!
ومن هنا فقد حرص النبي على إعداده الإعداد الأمثل ولازمه الإمام علي ملازمة اتّباع واهتداء واقتدَاء كما قال: “ولقد كنت أتبعه اتّباع الفصيل أثر أمه” وكان النبي حريصاً على أن يترك أثراً من أخلاقه كُـلّ يوم فيه، في ظل تقبل كبير من الإمام علي؛ فتخرج من تحت يده كمنهج متكامل ونموذج عظيم في القُدوة والاقتدَاء أخلاقياً وإنسانياً وما جعل الإمام علي شاهدًا على عظمة مخرجات الإسلام الذي جاء به محمد من نماذج إيمَـانية.
قال تعالى: (أفَمَن كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ ويَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنهُ).
ومنذ بزوغ فجر الإسلام كان الإمام علي أول المسلمين به، إسلام لم يسبقه شرك ولا سجود لصنم ولم يتلوث بالجاهلية والوثنية التي كان مجتمعه يعج بها آنذاك، وهذا فضل كبير وميزة خصها الله به دوناً عن بقية من أسلموا آنذاك بعد كفر وجاهلية أَو بعد عداء مسبق للنبي وحرب لرسالته!!
ومنذ إسلامه حمل على عاتقه نصرةَ النبي الكريم والوقوف بجانبه ومعه تجرع أذيةَ كفار قريش، وَإلى موقفه الفدائي المعروف يوم الهجرة واستعداده للشهادة فداء للنبي فكان موقفاً قال عنه: “إن الله بهذا الموقف باهى بعلي بعض ملائكته”.
وقد تميز بأنه شخصية إيمَـانية جهادية تحمل مع النبي مشاق الدعوة ومراحلها ومجابهة فلول الشرك، وَخاض مع النبي المعارك والغزوات التي قصمت ظهور الشرك وحطمت مكائد اليهود، لم يتخلف عن معركة ولم يقعد كما قعد الكثير، بل كان سباقاً للاستبسال في سبيل الله، وهذا ما أهَّله لوصفه بصالح المؤمنين، الذي ذكره الله بقوله: (وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ)، وأكّـد ذلك النبي بقوله: “علي مني وأنا من علي”، وقوله: “أنت مني بمنزلة هارون من موسى”.
وكان الأشجع في كُـلّ المواقف، وبه قضى الله على رؤوس المشركين؛ الأمر الذي جعله محل حقد من بعض من التحقوا بالإسلام تحت حَــدّ السيف بينما قلوبهم تحمل الحقد على الإسلام الذي قضى على آبائهم من سادات الكفر من قريش وعلى يد الإمام علي الذي لم يكن يهاب أحداً منهم.
وقد جعل النبي الإمام علي مقياساً للإيمان والنفاق فلا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، وكما وصفه النبي بقسيم الجنة والنار وعدائه والولاء له هو الذي سيحدّد ذلك.
وبالفعل فقد استطاع الإمام علي كشف المنافقين الذين ظل حقدهم عليه وَعلى الإسلام وَنبيه ناراً تأكل قلوبهم إلى ما بعد رحيل النبي إلى الرفيق الأعلى ووصول أمر ولاية الأُمَّــة إليهم.
ومن هنا بدأوا حملاتهم المعادية للإسلام تشويهاً وتحريفاً لقيمه ومبادئه وسنة نبيه، ولم يكن حينها أمامهم من عائق لما تكنه صدورهم من نوايا خبيثة للتشويه بالدين وصد الناس عنه إلا الإمام علي الذي هو الآخر له من حقدهم نصيب، لذلك فقد سعوا للقضاء عليه فتآمروا على قتله في حادثة مؤلمة كان النبي الكريم قد أخبر الإمام علي عنها بأن لحيته ستخضب من دم رأسه وحينها لم يخش الإمام علي منها شيئاً إلا دينه فسأل رسول الله (أفي سلامة من ديني؛ فقال له نعم، قال إذَاً لا أبالي وقعت على الموت أم وقع الموت علي) في أكبر دلالة على عظمة إيمانه وحرصه على الشهادة في سبيل دينه لا دنياه وفاز بها كما قالها في المحراب: “فزت وربّ الكعبة”، وظل منهجاً حياً كان محل اتِّباع وإعجاب حتى من غير المسلمين.
أما من قتلوه ومن تآمروا على قتله فلم ينالوا إلا فضيحة كفرهم ونفاقهم ولا تزال الأُمَّــة تعاني حتى اليوم من سوءِ فعلتهم وفعالهم بالدين وأمته التي حادت عن المنهج القويم فذلت وجبنت ولم يسلم من هذه العاقبة إلا من يحمل في قلبه التولي الصادق لله ورسوله والإمام علي وآل بيته، إلَّا أن حزب الله هم المفلحون.