الكلمةُ كالرصاصة
سند الصيادي
لولا المسيرةُ القرآنية لَاعتزلنا الكتابةَ أَو لَعجزنا في أن نوجدَ رؤيةً نخدمُها، وَلغرقنا في التفاصيل، وأضعنا أنفسَنا وَقضيتنا.
ما قيمةُ الحروف إذَا كانت مُجَـرّدَ حروف تنظيرية متمنِّية أَو متحسرة أَو وصفية لواقع كُـلّ ما فيه مفرَغ من دوافع المشروع الفاعل على الميدان.
وكيف كنا كأقلام طامحة مندفعة إلى العزة والكرامة، سنتعامل مع حرب غزة ومآسيها ومقاومتها المعزولة في محيط أنظمة وشعوب تلخصُ سوداوية الوضع القاتم من حولها، لولا بصيص النور الذي أضاءته لنا اليمنُ بمواقفها الجذرية منذ مطلع ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر.
واقعٌ مزرٍ كان يعيشُه السياسي والمثقف والإعلامي والأديب في زمن الخيبة العربية، لا زلنا نستذكرُ الحسرة التي كانت تسكن حروفَهم بلا بصيص أمل، وَالواقع الثقافي الذي كان يفصلُه مع الواقع فجوة واسعة، ويرزحُ بين مطرقة الخشية من الأثمان وَتبدّل الأدوار والأوزان وبين الأثمان المدفوعة مسبقًا التي تجُرُّه إلى سفاسف الأمور لتجريده من ثورية الخطاب.
كيف كانوا يتمنون تحريرَ فلسطين.. وما كانت دوافع أمنياتهم ولا شيء ينذر بتحقيق هذه الأماني!، فيما كانت تتعالى الحاجةُ إلى تغيير عميق ينتصرُ للجوامع لا المفرقات، وَيعتمدُ توحيدَ الرؤى وتكامل الجهود بين الرسمي والشعبي على قاعدة الالتفاف حول مشروع كبير يضمن حماية الأُمَّــة بأكملها مما هو قادم.
والحاصلُ أنه بقدر ما خلقت هذه “المسيرة” بعناصرها من نهج وقيادة وشعب روحاً ثورية منتصِرة للقيم والقضايا الكبرى، فَــإنَّ زخم متغيراتها وأدبياتها قد أحدثت ثورةً كبرى في الجانب الكتابي والإعلامي، وَبرز إلى واجهات الصحف وَالقنوات وَالمواقع الإخبارية المئات من الشباب المغمور وَالتواق إلى أن يلخص في حروفه مواقفه ومشاعره وعواطفه.
والحاصل أن القضايا الكبرى لها أثرٌ عظيم على مختلف الجوانب، وَالرؤوس المفرَغة لا تبني أوطاناً.. والمعركة الحقيقية هناك مع كيان الاحتلال؛ دفاعاً عن كُـلّ شيء وعن “اليمن” وليست فيه كما يريدها العدوّ وطابور المنافقين الطويل.
وَفي الظروف الحالكة شاهدنا ولمسنا أن الكلمةَ كالرصاصة في وَقْعِها، وَبقدر ما تمثل جبهة، يصير التراشق أخطرَ من مخطّطات الأعداء، وتتجلى الوطنية الحقة في الحرص والاستفادة من الدروس لاستيعاب التحديات، وَاتِّباع طريق ومسار أعلام الهدى الصائب والضامن لمواجهة كُـلّ المؤامرات.