اليمنُ يُــذِلُّ الغربَ في البحار
انسحابٌ متواصلٌ للفرقاطات الأُورُوبية من مواجهة القوات المسلحة
المسيرة – محمد الحاضري:
استجابةً للضغوط الأمريكية، ومتجاهِلةً للتحذيرات اليمنية وغير مدركة للعواقب، أعلنت عدةُ دول أُورُوبية عن تشكيل تحالف بحري في البحر الأحمر لمشاركة الأمريكيين محاولتهم كسر الحظر المفروض على كيان العدوّ؛ لتكون النتائج مخيبة لآمالهم.
وبعدَ أسابيعَ وأشهرٍ قليلةٍ وفي ظل تصاعد الهجمات اليمنية في البحرَين الأحمر والعربي والمحيط الهندي على سفن التحالف الأمريكي الرامي إلى كسر الحظر على كيان العدوّ الصهيوني أعلنت عدة دول أُورُوبية سحب بوارجها وفرقاطاتها الحربية، أَو ألغت مشاركتها في التحالف قبل أن تبدأ.
وفي جديدِ الانكسارات الأُورُوبية من البحر الأحمر، كشف موقع “مارينشيبين” المتخصص في الأمن البحري، أن وزارة الدفاع البلجيكية أجَّلت نشر الفرقاطة “لويز ماري” في البحر الأحمر؛ بسَببِ فشلها في التصدي لهجوم بطائرة مسيّرة، مُشيراً إلى أن صاروخاً مضاداً للطائرات علق في أنبوب الإطلاق أثناء التدريب، والدفاعات الأُخرى فشلت في إسقاط الطائرة، موضحًا أن الفرقاطة لا تزال في البحر الأبيض المتوسط وتم تأجيل مهمتها إلى أَجَلٍ غير مسمى.
الدنمارك وتناقُضُ الروايات حول قدراتها البحرية:
وكانت الدنمارك أعلنت بصورة مفاجئة سحبَ مدمّـرتها الوحيدة في البحر الأحمر، وذلك بعد أقلَّ من شهرين على نشر قوة الاتّحاد الأُورُوبي في البحر الأحمر والمعروفة بـ”اسبيدس”، دون أن تفصحَ رسميًّا عن تعرض بارجتها لهجوم إلا أن البعثة الأُورُوبية اعترفت على لسانِ قادة إيطاليين وألمان وفرنسيين بتعرض بوارج تلك الدول الرئيسية لهجمات متكرّرة خلال أسابيع.
وبعد نحو شهر من مشاركتها في التحالف الأمريكي، أعلنت الدنمارك، سحبَ المدمّـرة “إيفر هويتفيلدت”، من منطقة الاشتباكات قبالة مضيق باب المندب، زاعمة أن سحب المدمّـرة بأنظمة دفاع جوي متطورة، بشكل طارئ، إلى تعرّضها لخلل فني.
في حين أكّـد أكثرُ من مصدر عسكري في صنعاءَ، تعرُّضَ المدمّـرة الدنماركية لأكثر من هجوم غير معلَنٍ من قبل البحرية اليمنية بعد نحو أسبوع من بدء عملياتها التي نُفّذت أولاها في التاسع من مارس الماضي، تلته عمليةٌ هجومية أُخرى أَدَّت إلى أضرار كبيرة فيها وأخرجتها عن الجاهزية، وفقاً لصحيفة الأخبار اللبنانية.
وفي تعليقه على ذلك، اعتبر عضوُ المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، الإعلانَ إنجازاً جديدًا للقوات البحرية اليمنية، وأشَارَ في بيان إلى أن “هذا الانسحاب يأتي بعد أسبوع من سحب بريطانيا المدمّـرة ريتشموند من البحر الأحمر”.
على أن الروايةَ الدنماركية نفسَها بدت متناقضةً، ففي حين نقلت وكالة “رويترز”، عن قائد المدمّـرة، سوني لوند، بُعَيْدَ وصولها إلى الدنمارك قوله إنها تعرّضت لخلل في أنظمة أسلحتها إثر إصابتها في هجوم بطائرات مسيّرة من قبل قوات صنعاء البحرية، أرجعت وسائل إعلام دنماركية السحب إلى خلل فني أصاب منظومة الدفاع الجوي الحيوية في المدمّـرة.
من جهته، يؤكّـدُ الخبير العسكري المقرّب من وزارة الدفاع في صنعاء، العميد مجيب شمسان، لـصحيفة “الأخبار” البيروتية، أن سحب المدمّـرة يعود إلى تعرّضها لهجمات قاسية من قبل قوات صنعاء البحرية، معتبرًا أن حديث البحرية الدنماركية، مطلع مارس الفائت، عن اعتراضها أربع طائرات مسيّرة، دليلاً على تعرّضها لهجمات يمنية أَدَّت إلى تعطل منظومة الدفاع الجوي فيها، مُشيراً إلى أن كُـلّ القوات المنضوية تحت إطار تحالف ما يسمى “حماية الازدهار”، تواجه مشكلة دفاعية، وكلّ منظوماتها الجوية فشلت في صد الهجمات اليمنية.
من جانبه، أكّـد نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي بصنعاء العميد عبدالله عامر، تعرض الفرقاطة الدنماركية للاستهداف، ملمحاً في منشور على صفحته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي إلى أنها أُصيبت، مُضيفاً “سفينة حربية تابعة لدولة أُورُوبية غادرت البحر الأحمر بعد استهدافها بطائرة مسيّرة واحدة فقط”.
وعلى إثر الفشل الدنماركي أعلنت كوبنهاغن إقالة الجنرال فليمنج لينتفر رئيس أركان الجيش الدنماركي؛ بسَببِ الفشل في التصدي لهجوم يمني على إحدى البوارج الحربية التابعة لها في البحر الأحمر.
الانسحاب الفرنسي:
وبعد أَيَّـام من الانسحاب الدنماركي، أعلنت البحرية الفرنسية سحب الفرقاطة FREMM-Alsace من البحر الأحمر، وقال قائد الفرقاطة: “لم نكن نتوقع هذا المستوى من التهديد كان هناك عنف غير مقيد كان مفاجئًا وهامًا للغاية ولا يتردّد الجيش اليمني في استخدام الطائرات بدون طيار التي تحلق على مستوى الماء”.
وكانت الولاياتُ المتحدة قد قرّرت في وقتٍ سابقٍ سَحْبَ حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس أيزنهاور”، كاشفةً عن حجم الصعوبة والمخاطر التي تواجهُها البحريةُ الأمريكية في البحر الأحمر.
وقال قائدُ سِرْبِ الطائرات الحربية في حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس أيزنهاور”، النقيب مارفن سكوت: “إن المسؤولين الأمريكيين يقدِّرون أن بدايةَ الصيف هي إطارٌ زمني واقعي لعودة المجموعة الضاربة إلى موطنِها في نورفولك، وستجري المناقشاتُ في وقت قريب من ذلك الوقت حولَ نوع الوجود المطلوب”.
الارتباكُ الألماني:
وعن حالة الإرباك التي يعيشها التحالف كشف مسؤول عسكري أمريكي في تصريح لشبكة CNN، أن الفرقاطة الألمانية “هيسن” أطلقت النار بطريق الخطأ على طائرة أمريكية بدون طيار فوق البحر الأحمر، مُشيراً إلى أن الفرقاطة الألمانية التي كانت تعمل في البحر الأحمر كجزء من جهود الاتّحاد الأُورُوبي، أطلقت النار على الطائرة الأمريكية بدون طيار من طراز MQ-9، معتقدة أنها طائرة بدون طيار تابعة لليمنيين، لكنها أخطأتها.
وعلى الرغم من أن ألمانيا تكتمت عن الحادثة إلا أن وسائل إعلام ألمانية، أكّـدت أن البحرية الألمانية كادت أن تسقط طائرة مسيّرة أمريكية عن طريق الخطأ بالبحر الأحمر.
وضعٌ مزرٍ للتحالف الأمريكي:
في تقريرها على متن بارجة فرنسية، نقلت قناة “فرانس 24” عن قيادة الفرقاطة قولها إنها في حالة طوارئ على مدار الساعة في ظل استمرار تحليق الطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية على مدار اليوم.
وأبرزُ المتحدثين للقناة الكابتن لويس والذي وصفته القناة بالقائد الثاني للفرقاطة الفرنسية؛ أكّـد تلقيهم تقارير متواصلة حول إطلاق اليمنيين للصواريخ والمسيّرات دون تحديد وجهتها؛ وهو ما يجعلهم في حالة تأهب تحسباً لاستهداف مرتقب.
ونشرت القناة لقطات خلال تحليق صواريخ بالستية قالت إنه اتضح أنها كانت تستهدف “إسرائيل” ومرت فوق الفرقاطة الفرنسية.
ومن ضمن ما نشرته القناة عجز البوارج الفرنسية تنفيذ عمليات استطلاع، ونقلت عن قائد عسكري فرنسي قوله إنه في إحدى المرات تم إرسال مروحية استطلاع لتتحول العملية إلى مطاردة من قبل مسيّرات.
وأوضحت القناة أن طواقم البوارج الفرنسية لا يحصلون على الراحة الكافية في ظل الهجمات المتكرّرة خلال الصباح والمساء، مستشهدة باستهداف البارجة بـ3 صواريخ بالستية بعد ساعات من إعداد التقرير.
والوضع على متن البارجة الفرنسية جزء من سيناريو باتت تفرضه القوات اليمنية على البوارج الأجنبية المتمركزة في البحر الأحمر ضمن مساعي كسر الحصار عن “إسرائيل” وأكّـدته وسائل إعلام أمريكية وبريطانية بلقاءات سابقة مع قادة تلك البوارج.
هجماتٌ متزايدةٌ وغير متوقعة:
وقال النقيبُ مارفن سكوت، قائدُ سرب الطائرات الحربية: “إن اعتراض الهجمات اليمنية بات الخطر الأكبر”، مؤكّـداً على الصعوبات التي تواجه القوات الأمريكية في الرد على هذه الهجمات.
ونقلت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية تصريحات قائد الفرقاطة FREMM Alsace حول التهديدات الأمنية، خُصُوصاً بعد الهجمات المتزايدة باستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية.
وذكرت الصحيفة، أن عودة الفرقاطة إلى فرنسا، بعد مغامرة في البحر الأحمر، سببه ما وصفته “المستوى العالي من التهديد”، وقال قائد الفرقاطة الفرنسية المنسحبة جيروم هنري: “لم نكن نتوقع هذا المستوى من التهديد كان هناك عنف غير مقيد كان مفاجئاً وهاماً للغاية، ولا يتردّد اليمنيون في استخدام الطائرات بدون طيار التي تحلق على مستوى الماء، لاستهداف السفن وإطلاق الصواريخ الباليستية”.
وَأَضَـافَ جيروم هنري أن “وتيرة العمليات من اليمن في البحر الأحمر وخليج عدن تتزايد، وكانت البداية بالطائرات المسيّرة، والآن أصبح الاستخدام للصواريخ الباليستية منتظم جدًّا”، مُشيراً إلى أن “التهديد الذي تعرضت له الفرقاطة في البحر الأحمر هو الأكبر”، مؤكّـداً أن “اليمنيين يتقنون أُسلُـوبَهم؛ فكلما أطلقوا النار أكثر، أصبحوا أكثرَ دقة”.
وبيّن الجنرال البحري الفرنسي “جيروم هنري” أنه تم استخدام جميع المعدات القتالية على متن الفرقاطة، من صاروخ أستر إلى الرشاش 7.62 للمروحية، بما في ذلك المدفع 12.7 أَو 20 مم أَو 76 مم، وأكّـد قائد الفرقاطة الفرنسية المنسحبة FREMM Alsace في ختام تصريحاته، أنه تم “استخدام صواريخ أستر التي تبلغ تكلفة الواحد مليوني دولار إلى أقصى حَــدٍّ وعلى أهداف لم يتم تخيُّلُها في البداية”.
ورغم تكتّم الأمريكيين والأُورُوبيين على تفاصيل ما يجري في البحار العربية والمحيط الهندي، إلا أن نتائج الفعل اليمني باتت جليةً وواضحة للعيان تكشف عن “ورطة” حقيقية وقعت فيها أمريكا وبريطانيا، وفي محاولةٍ لتخفيف الضغط على قواتها تحاولُ توريطِ دولٍ أُخرى.
وبالإضافة إلى ورطتهم لم يتمكّنوا تحقيق أيٍّ من أهدافهم التي أعلنوها قبل أشهر؛ فالحلفُ يراوحُ مكانَه غير قادر على كسر الحصار اليمني على كيان العدوّ، بل لم يتمكّنْ من تمرير حتى سفينة واحدة إلى الموانئ الصهيونية في فلسطين المحتلّة، وعلاوة على ذلك بات الحلف عاجزاً عن حماية سفنها أمام ضربات اليمنيين، كما منعت صنعاء الملاحة للسفن الأمريكية والبريطانية كرَدٍّ طبيعيٍّ على اعتداءات تلك الدول على اليمن، وما تزوير التحالف في أوراق سفنه ليثبت عدم ملكيته للسفن المستهدفة إلا إحدى نتائج الإذلال اليمني للمتغطرسين.