تداعياتُ الرد الإيراني والمآلات الجيوسياسية
أكرم أمين عقلان
ما بين سطور المشهد السياسي تساؤلات عديدة حول مجريات الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية والرد الإيراني عليه، فلماذا يحاول الكيان الإسرائيلي جر إيران إلى الحرب وكيف كان الرد الإيراني وما هي التأثيرات التي صنعها الرد الإيراني؟
إن الإجَابَة عن كُـلّ هذه التساؤلات بحاجة إلى قراءة تجليات الأحداث السابقة فقد خبأت لنا السنوات القليلة الأخيرة تغيرات جسيمة في المشهد السياسي العالمي من خلال انتهاء سيناريو ما يسمى بسيناريو العالم الأحادي القطب وظهور العديد من القوى الاستراتيجية في الشرق الأوسط ومواجهتها مع غرسة قوى الاستكبار العالمي في المنطقة، وما آل إليه من انتكاسة المشروع الاستكباري في المنطقة وإسقاط كرامته بعد عملية طوفان الأقصى، وَما قامت به كُـلّ دول محور المقاومة من مواقف جعلت القوى التي لا تقهر تموت من غيظها، وفي ظن الكيان أن القوة في المنطقة هي إيران وما تبقى من دول المحور هي تابعة لها كسياستها مع أذرعها في المنطقة؛ فتحاول أن تقوم بممارسة كافة أنواع الضغوط الاقتصادية والسياسية وتوجيه القوة الناعمة وغيرها نحو إيران؛ لظنها أنها تمثل مصدر القوة المركزي لمحور المقاومة وفي جعبة الأحداث الكثير، لذلك تريد فرض سياسة السيطرة على الرأس يشل بقية الجسد في مواجهة ما تظنه القوة المركزية، لتستطيع إضعاف بقية دول المحور، وما ظهر في الأيّام الأخيرة القليلة من محاولات نصب الفخاخ السياسية لإيران لإدخَالها في فخ الحرب المباشرة معها أَو توريطها في أية فجوة تحت مسمى انتهاك القانون الدولي ليتسنى لها جر التحالفات عليها لضربها لتقوم بضرب عصفورين بحجر من جهة جلب الدعم الدولي والمشروعية لمواجهة إيران ومن جهة أُخرى الحصول على سيناريو سياسي جديد يجعل من “إسرائيل” في موضع المتضرر من ضربات إيران ويعيد لها قليلًا من التعاطف العالمي وصناعة مجال حرب جديد يغطي على جرائمها البشعة في فلسطين.
ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن فيأتي الرد الإيراني بمقادير ضبط النفس دقيق في التقدير المتوازن بين مشروعية الرد وعدم ترك أية ذريعة للكيان وحلفائه لتأجيج المشهد العسكري في المنطقة فتغيرت معه موازين السيناريو الصهيوني وتركت الشارع السياسي في تحول مفاجئ لمسار السيناريو لمصلحة إيران، أما أمريكا وكيان “إسرائيل” في مازق حقيقي حول كيفية الرد من عدمه وكيف تعيد ماء وجهها.
ولكن ما هو مصير المشهد السياسي في الفترة القادمة؟ من خلال التخبط السياسي للكيان وحلفائه بعد فشل أنظمة الدفاع لخمس دول من اعتراض الهجوم الإيراني، وما أظهره من قوة غير متوقعه رغم عدم استخدام إيران لكامل قوتها، وما جسده المشهد السياسي من تداعيات مع الرد؛ فالمتوقع أن يكون مصير المشهد السياسي ما بين أمرين إما بتزايد التصعيد الصهيوني ضد إيران من خلال القوة الناعمة إما بيولوجي أَو سيبراني أَو من خلال إثارة المشاكل الداخلية؛ لأَنَّ احتمالية الهجوم العسكري أَو السكوت سيكون خطيراً في كلتا الحالتين ولا يمكن احتماله أَو من خلال توجيه ضربات مرنة من خلال محاولات اغتيالات أَو مهاجمة مصالح داخل إيران أَو خارجها بالأساليب الاستخباراتية الخبيثة عبر عملائها.