“الجنينُ المولود” من ليل المحنة ومخاض الآلام
عبدالإله محمد أبو رأس
أجل!! إنني لا أرى اليمن تموت -كما يزعمون- ولكنني أراها تولد من مخاض الآلام والحروب، ومن صهير المحن والبلايا تولد ظاهرة مضيئة؛ لتكون إسلاماً مشرقاً يُطلُ على العالم الجديد، وبعثة دينية جديدة؛ ربانية الجذور! محمدية الأصل! حيدرية الفرع، فاطمية الملامح! وأراها شمساً تطلع من الشرق العربي إلى الجانب الآخر المظلم الوثني.
أجل! إنني أرى في اليمن ما لا ترون! أرى فيها النِّسبية القاتلة حينما تصبح قدراً! والملايين حينما تصبح أصفاراً، والكِبار حينما يغدو صغارًا، والكِبر حينما ينقلب ذلًا! والتطبيع حينما ينزلق إلى تركيع، والحياد حينما يتبدد إلى سراب، والسكوت حينما ينصهر -مع الوقت- إلى ظلم وجبروت! ومن النقيض إلى النقيض وإلى الأبد.
كيف لا!! وفيها انقلب تفسير المفهومات الحسابية ضرباً وجمعاً وعداً وطرحاً، وأصبحت العمليات الحسابية لحاصل جمعهم الثلاثي تساوي حتمية حاصل طرحهم الصفري! وهذه المتغيرات لم تكن وليدة الصدف واللحظات، وإنما هي نتاج القاسم المشترك الذي يقبل القسمة -دون باقٍ- على جميع أعدادهم الزوجية والفردية، مهما كانت تلك الأرقام العالمية صعبة المنال، لعملية جدوى حسابها!!
وإلى المتغيرات الكونية، حينما شاءت أقدارُها كيف تحول الضعف والاستضعاف إلى التمكين والاستخلاف، ومن الصبر والمصابرة إلى الفرج والميّسرة، ومن دهاليز الظلام إلى رابعة النهار، ومن استراتيجية الدفاع إلى خيارات الهجوم، ومن رباط الخيل إلى سرعة الصوت، ومن المَسِيرات إلى المُسيّرات، ومن المدى القصير إلى المدى البعيد، ومن الرباط على الحدود إلى كسر الحصار والقيود، ومن مخافة الجدار المرعب -كما يزعمون- إلى سقوطه وانهياره وعلى الملأ العالمي.
وإذا أردتم النظر إلى عين الحقيقة ستجدونها في رابعة اليمن! كيف لا؟ وفيها الملحق التفسيري لكل ما يجري في العالم اليوم، نعم! ستجدونها “العقبة الكؤود” في طريق ميلاد “إسرائيل” الكبرى، ولهذا دبّ الخوف في أعماقهم وجاؤوا بطائراتهم لنجدة ربيبتهم!؛ لأَنَّ فيها ما يخيف الدول الغربية المسلحة حتى الأسنان، وفيها “العراء” حيث انكشف كُـلّ شيء، وفيها، حَيثُ افتضح الأعداء بحق، وفيها، حَيثُ أسدل الستار عن زعامات اختفى مزعوم عروبيتها وقوميتها، وانسلخت من جلدها الإنساني، وبدلته إلى جلد خنزيري عفن وقذر.
نعم! لقد رأينا في اليمن فتية يصمدون في حرب مع المستحيل لعشرة أعوام! ورأينا من خلالها إمبراطوريات تعرت وأصبح رِيُحُها هشيمًا تذروه الرياح، ورأينا في ظلها شعارات علت في عليين وأُخرى سقطت في غياهب السافلين، والأحرى من ذلك حينما رأى العالم أجمع رؤوس عماليق جبابرة كانوا يصنعون الأقدار ابتلعهم الموج وأصبحوا -ولايات متبعثرة- أثراً بعد عين.
ألم تشاهدوا -معي- محنة المخاض الأليم الذي استمر لقرابة عقد من الزمن! كيف مكنت هذا الجسم الغريب ليكون حافزًا إلى اليقظة والاحتشاد! وكيف أن سم الميكروب العدواني الذي استمر طوال هذه الفترة كيف حفّز النسيجَ إلى الاحتشاد؛ كما تدفع لسعة البرد الدمَ إلى الشرايين.
وإن الميكروب العدواني الثلاثي -اليوم- هو التحدي المُستمرّ في الجسم اليمني؛ ليثبت حيويته ويشحذ طاقته، ويهب من نومه الطويل، وبرغم كُـلّ ظواهر اليأس فَــإنَّني ما زلت متفائلاً، شديد الثقة بالمستقبل؛ فالسنن الكونية والقوانين الأزلية تعمل عملها في الكيان اليمني، وما نعيش فيه من كارثه أراها على العكس مظهرًا من مظاهر القانون الأزلي لتصحيح الأشياء.
ألم تؤمنوا -بعد- بأن هذا العدوان المُستمرّ الذي جعلته الطبيعة شريعتها في الأرض، قد أراده الله لنا تحديًا مُستمرًّا؛ ليشحذ كُـلّ منا هِممه وطاقاته ووسائله وإمْكَاناته؛ ليبدع ويبتكر ويصنع ويزرع ويحتشد.
واليمن-بهذا- سوف تولد من جديد، ولكن لن تكون الولادة فيها طبيعية، والسبب أن الولادة المنتظرة، ولادة عصر جديد، ولهذا سيمر المولود الجديد بمرحلة صعبة من الولادة المتعسرة؛ ولهذا سيحتاج المولود -من رحم المعاناة- إلى عملية قيصرية؛ ليتجاوز هذه المحنة.