صلةُ الرحم قوَّةٌ وأُخوَّة
ق. حسين بن محمد المهدي
ما من شك أن صلة الرحم قُوةٌ وأُخوة وسعادة وفلاح وكرم ونجاح؛ فمن أعان إخوانه عظم شأنه، وكثر أعوانه، وصلحت أحواله، وكثر ماله، وبوركت أعماله.
أخاك أخاك إن من لا أخا له
كساعٍ إلى الهيجاء بغيرِ سلاحِ
وإن ابنَ عم المرء فاعلم جناحَه
وهل ينهض البازي بغير جناحِ
إن من وصل أرحامه وصله ربه، وكَّفرَ عنه ذنبه، وسعد في زمانه، وطابت أيامه، وفشا في الناس إحسانه، وفي الحديث (الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله) (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه).
وفي حق الرحم يقول الإمام علي بن أبي طالب -عليه السلام-:
واخفِضْ جناحَكَ للقرابة كُلِّهم
بتذلُّل واسمَحْ لهم إن أذنبوا
صلة القرابة والإحسان إليهم من أعظم القربات، وأنفع الأعمال الصالحات، شرفُه كبيرٌ وثوابُه جزيل؛ ولهذا أمرَ الله به في كتابه (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثيراً وَنِساءً، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
صلة الرحم فضلٌ وإحسان، وعلى الخير عنوان، وعدة وعدد، فبالساعد تبطش الكف من اليد، فمن وصل إخوانه أضاف إلى قوته قوتهم، وجلب إلى نفسه معونتهم، وتجسد له في قلوب الناس مروءاتهم، وتزود إلى الآخرة بالإحسان إليهم، وكان ممن أثنى الله عليهم (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ).
من رحم قرابته استحق رحمة ربه، ففي الحديث (إنما يرحم الله من عباده الرحماء) (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).
ولن يعجز القوم إذَا تعاونوا، وفي الحديث (البركة مع الجماعة) (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) وفي المثل (كدر الجماعة خيرٌ من صفو الفرقة).
لا تخذل قرابتك ولا تستبد برأيك تظفر في أمرك، صل قريبك وقومه إن اعوج، وحاول إصلاحه وإن فسد؛ لأَنَّ في الاختلاف والفرقة الذلة والهوان، فإذا تفرقت الغنم قادتها العنزة الجرباء.
كونوا جميعاً يا بني إذَا اعترى.. خطبٌ ولا تتفرَّقوا آحادَا
تأبى القداحُ إذَا اجتمعن تكسُّراً.. وإذا افترقن تكسرت أفرادَا
* * *
وإن امرأً لا يتقي سخطَ قومه.. ولا يحفِظُ القربى لَغيرُ موفَّق
وفي الذكر الحكيم يقول العزيز الحكيم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولئك الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ).
وفي الحديث (لا يدخل الجنة قاطعٌ).
وقال زين العابدين علي بن الحسين -رضي الله عنه- لولده: (لا تصحبَنَّ قاطعَ رحم فَــإنَّي وجدتُه ملعوناً في كتاب الله..)، وفي الذكر الحكيم: (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ)، وفي الحديث (إن أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح) أي المظهر لعداوته.
فكيف بمن يقطع رحم البشرية كلها ويتنكر للإنسانية ويقع في مهاوي الردى فهو يريد أن يصل الإنسانية بالعذاب كما تفعل الصهيونية اليهودية في فلسطين.
إن أمام البشرية بحرًا هائجًا مائجًا من عتاة الصهيونية اليهودية، الذي لا يريد إن يلتهم الآحاد والأفراد من الفلسطينيين فحسب، بل إنه يريد أن يبتلع الأُمَّــة الإسلامية ويقضي على مقدساتها ويلتهم حضارتها ومدنيتها ويرتفع من بين أمواج هذا البحر العاتية فاتحاً فاه كالتماسيح الفاغرة الذي لا تعرف الرحمة ولا تعرف كيف تسوق سفينة البشرية إلى بر الأمان، ولكن الأسود الغاضبة لغضب الله في فلسطين وأنصار الله وحزبه والرجال النبلاء في محور المقاومة -اليمن ولبنان والعراق وسوريا وإيران- سيقفون لهم بالمرصاد ويحرّرون الأقصى ويجعلون قاطع رحم الإنسانية من الصهيونية اليهودية يجر أذيال الهزيمة والعار، فالنصر بإذن الله قادم لا ريب فيه، العزة لله ولرسوله وللمؤمنين والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).