التداعيات الاقتصادية لمعركة “طوفان الأقصى” على الكيان الإسرائيلي: خسائرُ العدو 60 مليار دولار حتى الآن وزياداتٌ ضريبيةٌ قريباً
المسيرة | خاص
بعد مرور ما يقارب سبعة أشهر على اندلاع معركة “طوفان الأقصى”، يواصل الاقتصاد الإسرائيلي تكبُّدَ خسائرَ فادحةٍ، وربما تكون الأكبر له؛ نتيجة تبعات استمرار الحرب في جبهات قطاع غزة، وجبهة الشمال مع المقاومة الإسلامية في لبنان، وجبهة البحر الأحمر مع القوات البحرية اليمنية، وسط توقعات بتفاقمها في حال استمرار أمد الحرب واتسع نطاقها خلال الفترة المقبلة، خُصُوصاً بعد عملية الوعد الصادق الإيرانية.
وبالتالي؛ ينذر استمرار هذه الحرب بمزيد من الخسائر الاقتصادية وانعكاساتها الكارثية على مختلف القطاعات والنمو الاقتصادي بشكلٍ عام، ما يشكّل خطراً وجودياً على مستقبل الاقتصاد للكيان الإسرائيلي، في ظلّ تفاقم فاتورة الحرب اليومية.
“طوفان الأقصى” تُسقِطُ الجبهةَ الاقتصادية للكيان:
وفق المعطيات التي تنشرها وسائل الإعلام العبرية فقد أَدَّت معركة طوفان الأقصى إلى انكماشٍ حاد في الاقتصاد الإسرائيلي، ضربت القطاع السياحي، بعد تراجع حادٍّ في حركة السيّاح القادمين من الخارج، مع الإشارة إلى أنّ عدداً من الفنادق تحوّلت إلى مراكز إيواء للنازحين الإسرائيليين من مناطق الصراع، كما تراجع عدد الوافدين من 300 ألف إلى 5 ألف سائح شهرياً، بحسب تقارير عبرية.
في سياق متصل، رجحت مصادر عبرية أن تراجع الزراعة والصناعة في الكيان جاء نتيجة نقص العمالة، مع تراجع حركة الملاحة الجوية والبحرية، فميناء إيلات بات “شبه معطل”، في حين أن 40 % من واردات “إسرائيل” تمر عبر هذا الممر الحيوي، الأمر الذي أَدَّى إلى إغلاق 60 % من المؤسّسات التي تعمل بقطاع التشييد والبناء.
ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة، فَــإنَّ تعرّض السفن الإسرائيلية أَو المتجهة إليها في البحر الأحمر وخليج عدن لهجمات اليمنيين، أَدَّى إلى تراجع حجم التجارة عبر قناة السويس بأكثر من 40 %، في ك1 وك2 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وخفضت وكالة التصنيف الائتماني “موديز”، في شهر فبراير الماضي، تصنيف “إسرائيل” إلى “A2” من “A1″؛ بسَببِ المخاطر السياسية المتزايدة وضعف التمويل العام الناجم عن الحرب.
وأشَارَت “موديز” إلى أنه ربما بعد فترة القتال الفعلي، “قد يكون التأثير السلبي على مؤسّسات الدولة والمالية العامة أكثر خطورة من تقديراتنا الحالية”، كما أن ارتفاع تكاليف الحرب، حتى شهر مارس الفائت، بلغت حوالي 42 مليار شيكل (11.66 مليار دولار)، إلى جانب مصاريف الحكومة التي تضاعفت خلال الأشهر الماضية؛ ما أَدَّى إلى إضعاف الشيكل وسوق الأوراق المالية، وارتفاع معدلات البطالة، وفقدان ثقة المستثمرين في سندات الحكومة الإسرائيلية.
وتؤكّـد المؤشرات الاقتصادية العالمية تراجع الاستثمارات الأجنبية خَاصَّة في قطاع التكنولوجيا الفائقة الذي يمثل حجر الزاوية في الاقتصاد الإسرائيلي، بالإضافة إلى انخفاض القيمة الإجمالية للأسهم المسجلة على المؤشر الرئيسي لبورصة تل أبيب بنحو 19 مليار دولار، وأدت هذه التداعيات إلى ضخ البنك المركزي نحو 30 مليار دولار لدعم الشيكل؛ ما يشير إلى أن الكيان أمام كارثة اقتصادية حال استمرت الحرب.
كما ساهم غياب العمالة الفلسطينية في سوق العمالة الرخيصة، والأثر السلبي الذي طغى بالتزامن مع استدعاء قوات الاحتياط على حركة وأداء مختلف القطاعات، مع احتمال أن يسجل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الكيان خلال عام 2024م، ككل، أحد أضعف معدلاته على الإطلاق، وفق ما توقّعته مؤسّسة “كابيتال إيكونومكس” للأبحاث الإسرائيلية.
معضلةُ الكيان في تنوُّع خسائره الاقتصادية:
توضح المؤشرات الاقتصادية أن الإنفاق الحكومي الإسرائيلي على الحرب، وتعويض الشركات والأسر بنسبة قفز إلى 88.1 %، وبحسب موقع الضمان الاجتماعي الإسرائيلي، فَــإنَّ المؤسّسة دفعت مبالغ قيمتها ستة مليون شيكل (نحو مليون و600 ألف دولار) على شكل منح لأشخاص يبلغون من العمر 67 عاماً وما فوق، بعد توقف أعمالهم؛ بسَببِ الحرب.
وفي السياق، تنقسم الخسائر الاقتصادية إلى قسمين:- الأول يتعلق بالشق العسكري وما يترتب عنه من دفع تكاليف العلاج وتعويضات مادية للجرحى العسكريين والمدنيين، إضافة إلى تعويضات لعائلات الجنود والضباط القتلى.
وآخر يتعلّق بعواملَ أُخرى طرأت مع اندلاع القتال على الحدود مع غزّة ومع لبنان، ستشكّل بدورها أعباء على الاقتصاد الإسرائيلي خلال وبعد الحرب، كتأمين بدل سكن وتعويضات للنازحين، بعد نزوح قسم كبير من سكّان مناطق غلاف غزّة، لا سِـيَّـما من الكيبوتسات التي داهمها مجاهدو المقاومة الفلسطينية، والتي تعرضت لأضرار جسيمة؛ بسَببِ القتال، والأمر مماثل بالنسبة لسكان الشمال على الحدود مع لبنان الذين نزحوا بعد اندلاع الاشتباكات والقصف المتبادل بين حزب الله وجيش الاحتلال.
وبالتالي، سيفرض على حكومة الكيان الإسرائيلي أن تتكفل بإعادة إعمار المنازل والمناطق المتضررة شمالاً وجنوبًا، لا سِـيَّـما أنّ عدداً كَبيراً من المنازل في كيبوتسات (مثل بئيري وكفار عزة ونير عوز) وفي مناطق الجليل؛ إذ لم تعد صالحة للسكن، وشملت الأضرار آليات ومحالاً تجارية وأراضيَ زراعية.
وبحسب تقديرات عبرية، قد تشمل ميزانية الدولة بعد الحرب مصاريف إصلاحات وإعادة إعمار ما تعرّض لأضرار على مستوى القطاع العام جراء سقوط الصواريخ، مثل إعادة تأهيل شبكات الطرقات التي طالها القصف الصاروخي.
هروباً من تنامي العجز داخل الكيان.. زيادة الضرائب على الطاولة:
فيما لم تقدم المنظومة المالية للكيان تقديراتها الحقيقية لإجمالي خسائرها، بلغت تقديرات نفقات الحرب منذ بداية العام 2024م فقط، باستثناء صندوق التعويضات، 27.6 مليار شيكل، كما بلغت تكلفة اندلاع الحرب 52.5 مليار شيكل، فقد بلغت الزيادة التراكمية في النفقات، باستثناء نفقات الحرب، 12.2 %.
وعليه؛ تدرس وزارة المالية في حكومة الكيان إمْكَانية رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 17٪ إلى 18٪ في ما يزيد قليلًا عن شهرين، بدلاً عن 1 يناير 2025م؛ مِن أجلِ معالجة العجز الذي قد يتجاوز 8٪، كما تدرس وزارة المالية رفع معدلات ضريبة الدخل والضريبة العقارية هذا العام؛ وهو ما سيتسبب بموجة غضب عارمة داخل المجتمع الإسرائيلي، بحسب وسائل إعلامية عبرية.
موقع “إسرائيل نت”، أشار إلى أن وزارة مالية الكيان بدأت مناقشة مقترح لزيادة الضرائب هذا العام في ظل تنامي العجز الذي قالت أنهُ “يزيد عن 8 % مقارنة بتوقعات الموازنة التي دعت إلى عجز نسبته 6. 6 %”، وأكّـد أنه خلال عطلة نهاية الأسبوع تم تقديم اقتراح سيتم النظر فيه الآن لرفع معدل ضريبة القيمة المضافة في وقت مبكر من 1 يوليو 2024م، بدلاً عن 1 يناير 2025م، وقد تؤدي هذه الزيادة في ضريبة القيمة المضافة إلى زيادة أسعار جميع السلع والخدمات في الاقتصاد الإسرائيلي، باستثناء الفواكه والخضروات، حَــدّ قوله.
في السياق، ورداً على نشرته وزارة المالية نيتها تقديم زيادة ضريبة القيمة المضافة إلى يوليو، قال رئيس اتّحاد الغرف التجارية “شاهار ترجمان”: إنه “قبل أن تتخذ الحكومة الإسرائيلية مثل هذه الخطوة الدراماتيكية، سيكون من الأفضل أن تكون قُدوة شخصية وتغلق على الفور عشرة مكاتب حكومية مقابل لا شيء ولا شيء، وبالطبع إلغاء جميع أموال التحالف”.
وَأَضَـافَ، أن “من واجب الحكومة التشاور والتنسيق مع قطاع الأعمال وعدم توجيه ضربة للجمهور وأصحاب الأعمال مثل اللصوص في الليل. وأذكر الحكومة أن زيادة ضريبة القيمة المضافة تتناقض تماماً مع تصريحات الحكومة بأنها من المفترض أنها تحارب غلاء المعيشة، ومن الواضح أن مثل هذه الخطوة تسرع تكاليف المعيشة وتسرع التضخم، وكل شيء تحت رعاية وخطأ للحكومة”.
تأثيرات الطوفان على اقتصاد الكيان من وجهة نظر المختصين:
في مراجعة لتعليقات عدد من المحللين الإسرائيليين المختصين في المجال الاقتصادي، ظهر اتّجاهان:-
الأول ركّز على السعي لتقليل حجم الخسائر الاقتصادية التي يتكبّدها الكيان؛ نتيجة الحرب الحالية والحديث عن قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على مواجهة التحديات.
واتّجاه آخر تناول المخاطر الناجمة عن الاستمرار في الحرب وتأثيرها على اقتصاد الكيان في المستقبل.
في السياق، أشار محافظ بنك إسرائيل “أمير يارون” قبل أسابيع قليلة إلى أن “الاقتصاد الإسرائيلي قائم على أسس اقتصادية قوية وصحية، لكن اتساع نطاق الصراع سيؤدي إلى تعديل التقديرات مجددًا”.
وَأَضَـافَ، أن “تكاليف ميزانية الحرب، النفقات بالإضافة إلى خسارة الدخل، من المتوقع أن تصل جميعها إلى حوالي 210 مليار شيكل (58.3 مليار دولار) “، وفي رسالته إلى رئيس حكومة الكيان، بنيامين نتنياهو، حثّ فيها الحكومة على عدم الإفراط في الإنفاق، وتعويض النفقات الزائدة بفعل الحرب من خلال التخفيض في ميزانيات قطاعات أُخرى، إلى جانب زيادة الضرائب.
ووفقاً لموقع واللا العبري، مدير مصلحة الضرائب الإسرائيلية، شاي أهارونوفيتش قال: إن “إسرائيل تتكبد أضرارًا أكبر بستة أضعاف عن تلك التي وقعت خلال حربها مع حزب الله اللبناني عام 2006م”، وأشَارَ إلى أن “طلبات التعويضات عن الأضرار غير المباشرة للإسرائيليين جرّاء الحرب قد تتجاوز 700 ألف”، مؤكّـداً بالفعل “تقديم نصف مليون طلب للتعويض حتى الآن”، وَأَضَـافَ، “الحرب شكلت تحديًا معقدًا للغاية للتعامل مع الأضرار المباشرة، كما لم نشهدها من قبل. لم نكن في مثل هذا الوضع من قبل”.
بدوره، حذّر إيلان بيلتو، الرئيس التنفيذي لاتّحاد الشركات العامة في “إسرائيل”، من تداعيات استمرار خرق الميزانية؛ مِن أجلِ الإنفاق المتزايد على الجيش خلال الحرب، وقال: “إذا دخلنا في حالة من الهستيريا واستسلمنا لضغوط الجيش وتم خرق إطار الميزانية بما يتجاوز الحاجة لمرة واحدة، فستكون لذلك عواقب وخيمة، سواء في مجال الضرائب أَو مجال الرفاه”، حَــدَّ تعبيره.
وكان المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء قال لوسائل إعلام عبرية: إن “الناتج المحلي الإجمالي انخفض بنحو 19 % على أَسَاس سنوي في الربع الرابع من 2023، في وقت تراجع فيه مستوى الاستثمار بنسبة 70 %، وَأَضَـافَ، بأن “الإنفاق الخاص انخفض بنسبة 26.3 %، وانخفضت الصادرات بنسبة 80.3 %، وكان هناك انخفاض بنسبة 67.8 %، في الاستثمار في الأصول الثابتة، وخَاصَّة في المباني السكنية”.
ما يعني أنّ هذه الحرب لا تشبه أية حرب أَو صراع عربي – إسرائيلي شاهدناه منذُ الـ75 عاماً الماضية، من حَيثُ التأثيرات على اقتصاد الكيان، وعليه، فقد يشهد الاقتصاد الإسرائيلي اضطرابات كثيرة؛ الأمر الذي دفع المؤسّسات المالية نحو مراجعة التصنيف الإسرائيلي وزيادة الضرائب، مع التأكيد أنه بدون دعم أمريكا كان الكيان سيواجه كارثة اقتصادية حقيقية؛ بسَببِ استنزاف قدراته العسكرية والمالية، لكن هذا الدعم وعلى المدى القصير، لن يدوم طويلاً ولن يكون هناك مفرّ من رضوخ هذا الكيان اللقيط لقرار المقاومة.