سيناريوهاتُ معركة “طوفان الأقصى” لما بعد يومها الـ200
عبدالقوي السباعي
ما من شك أن الحروب والمعارك الكبرى واستراتيجياتها العسكرية الحديثة، والمتعارف عليها اليوم في النظم العالمية المختلفة، تشير إلى أنها وبرغم عنفها ودمويتها، إلا أنها حروب ومعارك لا تُحسَبُ بمدتها أَو شدتها أَو كلفتها، وإنما تُحسب بالنتائج المتحقّقة ميدانيًّا؛ ومطابقتها لأهداف المتحاربين، وقياس تأثيراتها وتداعياتها على مستقبل الخصوم.
وفقاً لهذه المعايير يتضح أن المسار الذي صنعته معركة “طوفان الأقصى” البطولية التي شنّها رجال الجهاد والمقاومة الفلسطينية في الـ7 من أُكتوبر المجيد، وكيفما سارت وأياً كانت سيناريوهاتها، هي معركة تؤسس لمسارٍ بدء بكسر إرادَة الكيان الإسرائيلي وكشف هشاشة تكوينه، مُرورًا بتجريده من عوامل ومرتكزات قوته وبقائه، وُصُـولاً إلى تحرير فلسطين من البحر إلى النهر.
ومع مرور 200 يوم، من عمر المعركة، بكل تبعاتها وتداعياتها، بكل جرائمها ووحشيتها، أمكن لكل من يتابع تطوراتها أَو يدرس مساراتها، أن يجزم بأن الكيان الإسرائيلي هُزم فيها شر هزيمة، وبات يخوضها كحربٍ وجودية ومعركة مصير، حتى إن قادته اليوم لا يتحرجون من القول: إنها “حرب وجود؛ إذَا هُزمنا بها فلا مكانَ لنا بالمنطقة”؛ أي لا مكانَ بعدها لـ “إسرائيل” في المنطقة البتة.
200 يوم حملت لما بعدها سيناريوهات يتوقعها البعض، أَو جاءت نتاج دراسات وأبحاث مراكز عالمية:-
أولها: هو أن يستمر الطوفان في الحفر التدريجي لهاوية سقوط مدوية، في سياق حرب استنزاف للعتاد والعديد وللوعي الداخلي والخارجي، فيما ستظل “إسرائيل” تقتل وتدمّـر وتعجز عن تحقيق النصر؛ فتتأزم اقتصاديًّا وسياسيًّا وتنقسم داخلياً، ويضغط أحرار العالم على حكوماتهم، وُصُـولاً إلى تجريم الكيان ومحاكمة قادته.
سيناريو آخر، يتوقع فيه مراقبون أن نشاهد موجة من الهجرة المعاكسة من الأراضي المحتلّة إلى الخارج، بعد مشاهد هروب سابقة للمستوطنين، خُصُوصاً بعد انفجار أزمة تجنيد الحريديم، وبات أن يعصف “الطوفان” على كُـلّ الجبهات، مسألة وقت؛ إذ تعاني قوات الاحتلال من العجز والنقص في العديد؛ الأمر الذي يجعل “إسرائيل” عاجزة عن القتال في كُـلّ الجبهات وستنهار، بعد أن تعبر قوات الرضوان من سوريا ولبنان وتحرّر كُـلّ مناطقها، في المقابل تنفجر الضفة الغربية المحتلّة ومناطق عرب الـ٤٨، نحو التحرير الكامل.
وأما سيناريو ليس بأخير يتوقع فيه، أن يقبل “نتنياهو” وقف إطلاق النار، وتشهر “إسرائيل” هزيمتها، غير أن ذلك سيفجر انقسام حكومة نتنياهو ويعجز الكيان عن إنتاج حكومة متماسكة، تنفجر خلالها معارك دامية بين الفلسطينيين والمستوطنين، فتنتقل الحرب إلى قلب فلسطين، بعد الانعكاسات الثمينة والعظيمة لطوفان الأقصى على المنطقة والعالم، ولنا أن نتوقع المنطقة بلا “إسرائيل” وبلا وجود أمريكي غربي وأطلسي.
وعليه: فقد وضعت “طوفان الأقصى” كيان الاحتلال على طريق الزوال، وهذه الخلاصة التي باتت أقرب إلى مسلَّمة حتى عند الإسرائيليين أنفسهم، لا يغير فيها شيئاً توقُّفُ الحرب في أية لحظة؛ فمفاعيل الطوفان بدأت مع انطلاقه، ولكنها، حتماً، لن تتوقف بتوقفه، كما وضعت معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدَّس” الهيمنة الأمريكية والغربية على طريق الزوال والتلاشِي من المنطقة.
وإن كان استمرارُ الحرب مع احتمالِ توسُّعِها يبقى الهاجس الأكبر الذي يؤرق “إسرائيل” وداعميها، ويفاقم كابوسها الوجودي، لكن التوصيف الأدق هو أنّ الطوفان الذي سيجرف “إسرائيل” لن يتوقف بتوقف إطلاق النار؛ لأَنَّ التصدعات الكثيرة التي لحقت بأسسها الوجودية كفيلة بتأكيد انهيارها، وإن غداً لناظره قريب.