الموقفُ اليمني يعرّي الغربَ العُنصري
غالب المقدم
بات جليًّا الاصطفاف الغربي الفاضح المتضامن مع همجية العدوّ الصهيوني وعدوانه على غزة، لكل من أراد أن يرى ذلك، كما أنه لا يحتاج لوقت حتى يكتشف مدى تجذر العنصرية الغربية المتعددة الأوجه، المتنوعة الأشكال والأساليب التي تمارس على العرب والمسلمين وحدهم؛ لذا ندرك تماماً أن الكيان الغاصب لن يوقف عدوانه طالما أن هنالك من يساعده ويمده بالعون من أبناء هذه الأُمَّــة الممزقة.
بعد أكثر من 211 يومًا، من حرب إبادة وحشية يرتكبها الصهاينة بدعم وتمويل وتسليح مُستمرّ ومتدفّق من النظام الصهيوني الحاكم في العقل الأمريكي، فَــإنَّ الرعب الجاري منذ 8 أُكتوبر الماضي، ليس القضاء على حماس، ولا استرداد الأسرى الإسرائيليين، ولا حَـلّ ما سموه الصراع العربي الإسرائيلي، والذي هو احتلال عنصري استيطاني متوحّش لأرض عربية وشعب فلسطين، ولكن الهدف الاستراتيجي أبعد من كُـلّ هذا وذاك بكثير.
إبادة أطفال غزة ورجالها ونسائها، وذلك الدمار وانتهاك كُـلّ المحرّمات دوليًّا، ونسف كُـلّ المواثيق والعهود التي عرفتها البشرية خلال الحروب، كما أن الإسناد الغربي المقدم للكيان الغاصب والداعم الأكبر لجرائم الإبادة الجماعية، ما هو إلا تصور أمريكي يحاول إرعاب حركات المقاومة إن حاولت الوقوف بوجه المخطّط الصهيوني الأمريكي الرامي لالتهام المنطقة برمتها، بأنه شكل من أشكال الانتحار، وهذا ما بدا جليًّا بالتهديد الإسرائيلي بتحويل بيروت إلى غزة أُخرى، لكن ما حدث كان مغايرًا تماماً، وأن الأجدى للشعوب والأنظمة المجاورة هو البقاء متفرجة وصامتة على ما يتعرض له أبناء فلسطين، كي تبقى آمنة من وحشيّتهم التي لا تُبقي ولا تَذَر، لكن الشعب اليمني بقيادته الحكيمة الممثلة بالسيد القائد عبدالملك الحوثي -يحفظه الله- قلب كُـلّ التصورات، ومزق الرسائل المرعبة بالعمليات البحرية المستهدفة لسفن العدوّ ومن معه.
كما أن الموقف اليمني عرّى المواقف وكشف الحقائق وأزال الأقنعة عن السياسات، وأرجعها إلى وضعها الصحيح، كما أنه وضح للعالم حقيقة الولايات المتحدة المدعية كذبًا حماية الحقوق والحريات، وصيانتها للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي العام، وكلّ القوانين لحقوق الإنسان، بدعمها الكامل للكيان الإرهابي المجرم، وبأنها المورد الرئيسي لكلّ ما تحتاجه هذه المجازر الجماعية من أسلحة ودعم، بوعيٍ وتصميم لإبادة أكبر عدد من البشر، كما فعلت سابقًا مع سكان الولايات المتحدة الأصليين (الهنود الحمر)، وأنّ الرواية الأمريكية لا قيمة لها إذَا ما وُضعت على المحك، ولا مصداقية لها أبدًا، مما جعل أصواتاً تعلو في دوائر القرار الأمريكي، المتحكّمة به أموال منظمة “أيباك”، تحاول كبح هذا الاندفاع الأمريكي الفج، الساند لكيان الأبارتهايد المحتلّ لفلسطين العربية، لتنفيذ إرهابه وجرائم حربه بهذه الوحشية.
كما وضح للعالم الحر أجمع حجم الفشل الذريع للأمم المتحدة وكلّ المنظمات الدولية التي تعتبر رسالتها “حماية حقوق الإنسان أينما كان”، ودورها المحدود، وسقوطها المريع الناجم عن دورها المنحاز للجلاد وليس مع الضحية منذ اليوم الأول للعدوان على اليمن وحتى العدوان على غزة، وعجزها عن اتِّخاذ أيّة خطوة فعّالة تقود إلى إيقاف أبشع مجزرة تُرتكب بحق الإنسانية في تاريخنا الحاضر.
ولكن الأهم من ذلك كله هو تعرية الغرب الاستعماري، وسبب انحيازه التام للكيان الغاصب، وهو ما عجز معه عن إخفاء عنصريته المقيتة والمتجذرة في وجدانه ضد شعوب المنطقة كلها، سواء أكانت عربية أَو إفريقية، أَو آسيوية، وتعريف الإنسان العربي أَو غيره بأن الغرب ينظر لحياة الإنسان اللاغربي نظرةً دونية محتقرة لإنسانيته، ولذلك لا سبيل للخروج من دوائر نزيف الدم العربي لا سواه، إلا بفهم حجم الصراع مع العدوّ وميادين قتاله، وإعادة صياغتها من جديد، والتوحد صفًا واحدًا يلملم الجراح المتناثرة على الجسد العربي، وإلا فَــإنَّ هذا الإرهاب سيستمر ولن يستثني أحدًا.