«محكمة الجنائية» العدالةُ الدوليةُ الغائبة
يحيى صلاح الدين
صمتٌ مريبٌ لمحكمة الجنايات الدولية تجاه جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في غزة.
وَالمتأمل يجد أن لدى هذه المحكمة مواقفَ متناقضة وازدواجا في المعايير، أحياناً تقوم بإصدار مذكرات الاعتقال ضد شخصيات بغض النظر عن صحة التهم الموجهة إليها بارتكاب جرائم حرب.
وأحياناً أُخرى تغض الطرف عن آخرين من وجهت لهم المحكمة التهم ومذكرات الاعتقال يلاحظ أنها ضد شخصيات معروفة بمعارضتها للسياسة الأمريكية، آخرها أصدرت مذكرة اعتقال دولية ضد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ومسؤولين روس آخرين بتهمة «اختطاف وترحيل أطفال من أوكرانيا».
وتغض الطرف حول الجرائم الواضحة وليس فيها لبس أَو غموض والتي ترتكبها “إسرائيل” في غزة.. تناقض واضح وازدواج في المعايير وسقوط مدوي للغرب المتشدق بحقوق الإنسان.
ينص «نظام المحكمة الجنائية الدولية» في أحد بنودها على أن المحكمة تتمتع بصلاحية إصدار أمر اعتقال بحق أي شخص يرتكب جريمة حرب في أراضي إحدى الدول الموقّعة على النظام، حتى لو كان أجنبياً عند ذلك يحق لمحكمة الجنايات الدولية إصدار أوامر اعتقال ضد مرتكبي جرائم الحرب في أية دولة، كما يحق للمدعي العام للمحكمة التحقيق في شبهات ارتكاب جرائم حرب وتُمنح سلطة إصدار مذكرة التوقيف لقضاة المحكمة التمهيدية بناءً على طلب من المدعي العام؛ ما يعني أن «ثمة إجراء قضائياً لازماً لإصدار الأمر، حَيثُ يقوم القضاة بفحص الأدلة الأولية الموجودة بين يدي المدعي. وبعد ذلك، يمكن إصدار أمر الاعتقال بموجب الشروط المنصوص عليها في المادة 58 من نظام روما»، وعلى رأسها وجود أَسَاس معقول للاعتقاد بأن الشخص قد ارتكب جريمة تدْخل ضمن اختصاص المحكمة، علماً أن الاعتقال يكون، في هذه الحالة، ضرورياً لضمان مثول الشخص أمام المحاكمة، أَو للتأكّـد من أنه لن يُفشِلَ أَو يشوّش على التحقيق أَو إجراءات المحكمة، أَو لمنعه من الاستمرار في ارتكاب الجريمة نفسها أَو جريمة ذات صلة بموجب الاختصاص المشار إليه. وبالتالي، فَــإنَّ إصدار المدعي العام لمذكرات الاعتقال، سيتطلب إجراء قضائياً أمام المحكمة التمهيدية التي ينبغي أن توافق على ذلك.
لكن الحقيقة المُرة: أن محكمة الجنايات الدولية والأمم المتحدة محكومة بمنطق القوة.
في ضوء ذلك التناقض البَيِّن في مفهوم العدالة الدولية وواقع العلاقات الدولية والمنصات الحقوقية الدولية المعاصرة، ما زالت محكومة بمنطق القوة وليس بقوة القانون، وَخاضعة لقوى الاستكبار العالمي.
فعلى النقيض تماماً تغض الطرف عن جرائم “إسرائيل” الذي شاهد العالم ارتكابها لجرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزه.
ورغم استنكار العالم لتلك الجرائم إلَّا أن الصمت المريب لمحكمة الجنايات الدولية تجاهها يضع العالم أمام خيار البحث عن إيجاد منصات عدلية دولية غير خاضعة للهيمنة الغربية التي غيّبتها وجعلتها سيفًا مصلتًا لمن يعارض الهيمنة الأمريكية.