تجلِّياتُ مفاعيل الصرخة في الواقع المعاش (١-٢)
سند الصيادي
في مهده، كان شعار الصرخة الذي أطلقه مؤسّس المشروع القرآني في اليمن الشهيد حسين بدر الدين الحوثي، في نظر الكثير “تَرَفًا مبالَغًا به” وشطحة تجاوزت واقع الصراع، وخلقاً لعداوات غير مبرّرة وَاستدعاء غير محمود العواقب لأعداء جدد، كما كانوا يرونه خروجًا عن المألوف وَهروبًا من الاستحقاقات الداخلية، فيما كان وقعه على عملاء الخارج “ثورة وعي” قد تسحب البساط الشعبي من تحت أقدامهم وَ”مشكلة” قد تعصف بكل مصالحهم وَأوضاعهم المستتبة مالياً وإدارياً القائمة أصلاً على رضا من هم في دائرة استهدافه.
كان لدى الخارج المستهدف والإقليم الموالي له وما سبق من توليفة العملاء والمغرر بهم بمثابة إعلان حرب، ومساساً بالذات التي يرون أنها قدر لا بدّ أن يهيمن، وأن يأمر وَينهي وَما على الآخرين إلَّا الاستجابة والطاعة، في المقابل كانت البنية الوطنية مجتمعياً وَسياسيًّا وَجغرافياً تتآكل تحت براثن المؤامرات والتناقضات المسيطر عليها والممولة خارجياً.
ولكون الشعار انطلق من محافظة صعدة النائية المعزولة التي لا تكاد تصل الأخبار الحقيقية منها، كانت الشريحة العريضة من اليمنيين ما بين ضحية للهالة الإعلامية الأُحادية التي كانت تصدرها السلطة الحاكمة والإقليم المناوئ له، وما بين موال واع لمضامين الشعار والحركة غارقاً في دوامة من الصمت القسري خشية الاستهداف والعقاب، كانت المقاطع المصورة البسيطة وَخافتة الدقة للمحاضرات التي كان يلقيها الشهيد المؤسّس ومقاطع الحرب التي كان يخفيها إعلام السلطة تتداول كسلعة محرمة؛ هروبًا من زنازين النظام المعتمة.
تشكلت التحالفات مستعينة بعقود من النفوذ والتضليل والتجييش، وخاضت حروباً ضروسة مع مؤسّسه ورجاله القلائل، كانت حروباً مأساوية دامية قتلت وشردت الآلاف وَهدمت كُـلّ شيء، باستثناء هذا الشعار الذي ظل حاضراً بين الركام، أحكموا الخناق عليه بكل السبل، وشاء الله أن يظهره جليًّا بحُجَجِه الدامغة، وأن يُعيدَ تشكيلَ الوعي الشعبي وترتيب أولوياته، الوعي الذي بات يرى في الشعار حاجة ملحة للخروج من دوامة الاستنزاف الداخلي للدماء والمقدرات.
تسامى اليمنيون –في دائرة الجغرافيا التي ترفع هذا الشعار والمنهجية المصاحبة له- عن الصراعات الجانبية مناطقياً وقبلياً وسياسيًّا، وفعلًا نجحت المنهجية والشعار في تشخيصهم للأعداء خارج إطار الجغرافيا اليمنية، بل والعربية، تجسد هنا نمط ثقافي جديد أعاد بهذا التسامي تشكيل شتاتهم الحزبي والجغرافي والمذهبي، وَوجد اليمنيون أنفسهم يقودون مشروعاً جامعاً وقابلاً أن ينطوي في إطاره الأمتين العربية والإسلامية، وكل المستضعفين في العالم أجمع.