منافعُ الوحدة ومضارُّ الاختلاف والنزاع
ق. حسين بن محمد المهدي
الوحدة أَسَاس الفلاح في الدنيا والآخرة، والوحدة أَسَاس العز والسلطان وبناء البلدان، وسبيل للإصلاح والصلاح، والوحدة قوة وأخوة وتعاون وتناصر وتكافل وتعاضد وائتلاف.
ولهذا عَمِد الإسلام إليها وحث عليها “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”.
فمن بسط وجهه ويده للإخوان صان عرضه عن المذام، ومن وصلهم وصلوه، ومن قاطعهم نبذوه، فخير عملك ما استصلحت به زمنك، وشر عملك ما استفسدت به قومك، وقد عمل الإسلام على توحيد المسلمين، وإرشاد المؤمنين إلى التعاون والتناصح وساوى بينهم في الحقوق والواجبات، ونهى عن التفرق والاختلاف.
فَحُق على المسلمين الذين ينشدون عزتهم أن يلبوا داعي الله (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جميعاً وَلا تَفَرَّقُوا) إعلاء لكلمة الله؛ لأَنَّهم إذَا اعتصموا بحبل الله وتعاونوا على قمع الفساد وحاربوا الصهيونية والإلحاد استعادوا مجدهم، وتعاونوا على البر والتقوى؛ فالإسلام دين وحدة واتّحاد في العبادات وفي المعاملات.
فالصلاة خلف أمام واحد أفضل من الصلاة على انفراد، واختيار الناس لخليفة واحد أَو رئيس واحد أَو أمير واحد تتبعه الأُمَّــة أفضل من خلفاء ورؤساء متعددين، وجيش وقوة واحدة للأُمَّـة الإسلامية أفضل من جيوش صغيرة متعددة لا تتبع قائداً واحداً؛ فالإسلام دعا المسلمين إلى الاجتماع في الجمع والأعياد والحج، كُـلّ ذلك يشعر المسلمين بلزوم تنمية وحدتهم، فلو تأمل المسلم لوجد جميع التكاليف تشعر بالتوحد وتدعو إليه، أما التفرق فهو يوزع القوى ويهدمها، فشخص يبني وآخر يهدم.
أما التعاون فهو مما يقوي الجماعة ويعين على بلوغ الغايات وتسنُّمِ أرفع الدرجات.
فالخلاف بين المسلمين أضعف قوتهم وصار سبباً لصغارهم وذلتهم، وخدم عدوهم وصيرهم لقمة سائغة له، فمن لم يؤمن بأن المسلمين أُمَّـة واحدة فقد عاند نصوص القرآن وخالف حكمته وجانب دعوته إن لم يكن قد دخل ضمن من يشاقون الله ورسوله والمؤمنين (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً).
ومع ذلك فَــإنَّ الخلاف بين المسلمين لا يخدم الإسلام بل يهدمه، ولا يحقّق فيهم سوى ما اكتووا بناره من عبودية لغير الله (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ) (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ).
إن إظهار الموالاة للصهيونية يخرج المسلم عن دائرة الإسلام (إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّـهِ)،
إن المسلمين اليوم في أمس الحاجة إلى إعادة الوحدة الإسلامية وإلى عدم جر المسلمين إلى التباغض والتفرق واستبدال الوحدة باللهو واللعب وإضاعة الوقت فيما لا نفع فيه، وحتى لا يكونوا كالذين قال الله عنهم: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّـهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئونَ، لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ).
وعلى الجميع أن يقتدوا في هذا العصر بالمسيرة القرآنية ومحور المقاومة، الذي ضرب مثلاً أعلى في رفع راية الجهاد والاعتصام بالقرآن العظيم، وأن يعدوا صفوفهم للجهاد في فلسطين.
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).