الشهيد إبراهيم رئيسي.. من البداية العريقة إلى النهاية المشرِّفة
المسيرة: متابعات
نعت الحكومةُ والرئاسة الإيرانية، الاثنين، الرئيسَ الشهيد إبراهيم رئيسي، والوفدَ المرافق له إثر تحطُّمِ المروحية التي كانت تُقِلُّهم في محافظة أذربيجان الشرقية شمال غربي إيران.
وفي رحلته الأخيرة كان السيد رئيسي متوجِّـهاً إلى مدينة تبريز شمال غربي إيران، بعد عودته من الحدود الأذربيجانية، حَيثُ افتتح سد “قيز قلعة سي”.
مَن هو رئيسي؟
هو السيدُ إبراهيم رئيس الساداتي، المعروف باسم إبراهيم رئيسي، والمولود في مشهد عام 1960 في حي نوغان في مدينة مشهد (جنوب غربي طهران) عاصمة محافظة خراسان رضوي، وتزامن مولده مع قيام “الثورة البيضاء” التي قادها محمد رضا بهلوي، وقلّلت من سطوة المؤسّسة الدينية ونفوذها.
ورئيسي الذي نشأ في عائلة متديّنة، تتحفّظ على الإصلاحات التعليمية الهادفة إلى التغريب والعلمنة، ابن لرجل دين من منطقة دشتك في مدينة زابل في محافظة سيستان، توفّي عندما كان ابنه (إبراهيم) في الخامسة من عمره، فتربّى الأخير يتيماً، لكنه أُحيط برعاية رجال الدين الذين أشرفوا على تكوينه وتوجيهه وتعليمه، والرئيس الإيراني متزوج من جميلة علم الهدى، ابنة العالم أحمد علم الهدى، إمام الجمعة، وممثّل المرشد الأعلى في مدينة مشهد، وقد فتحت له مصاهرة علم الهدى، الطريقَ أمام نسج العلاقات مع الشخصيات السياسية والدينية في البلاد؛ ليكتسب بذلك نفوذاً داخل المؤسّسة الدينية.
وتلقّى رئيسي بواكيرَ تعليمه في الحوزات، على يد عدد من الشخصيات العلمية الدينية، مثل محمود هاشمي شهرودي وأبو القاسم الخزعلي وعلي مشكيني، وفي عام 1975 انتسب إلى المعهد الإسلامي في مدينة قم، وكان عمرُه 15 عاماً آنذاك، وبعدها انتسب إلى جامعة الشهيد مطهري حتى حاز شهادة الدكتوراه في تخصُّص الفقه الإسلامي والقانون القضائي.
بدأ رئيسي، الحائزُ على شهادة دكتوراه في الفقه الإسلامي، عمله الحكومي عام 1981 في سلك القضاء، وتدرج في عدة مناصب، وتولى منصب المدعي العام في مدينة خرج وبعدها بفترة قصيرة تولى منصب مدعي عام مدينة همدان أَيْـضاً، جامعاً بين المنصبين، وفي عام 1985 تولى منصب نائب المدعي العام للعاصمة طهران
عيَّنه السيد الخامنئي على رأس السلطة القضائية عام 2019، موكلاً إليه مهمة استئصال الفساد وضرورة التغيير في السلطة القضائية؛ هذه السلطة التي تطبع مسيرة “حجّـة الإسلام” على نحو شبه كامل.
وفي عام 2019، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية اسم إبراهيم رئيسي ضمن مسؤولين إيرانيين آخرين، في لائحة العقوبات الخَاصَّة بالولايات المتحدة.
وتولى السيد رئيسي رئاسة إيران في 4 أغسطُس 2021، وهو الرئيس الثامن للجمهورية الإسلامية الإيرانية، عقب فوز ساحق من الجولة الأولى بفارق كبير عن بقية منافسيه.
ففي 19 يونيو 2021، أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية فوز المرشح السيد إبراهيم رئيسي بنحو 18 مليون صوت في الانتخابات الرئاسية التي شهدت مشاركة بلغت نسبتها 48.8 %.
وكان فوز رئيسي الذي ترشح للمنصب للمرة الثانية بعد 4 سنوات من ترشحه الأول في مواجهة الرئيس الإيراني السابق الشيخ حسن روحاني دليلاً إضافياً على ارتفاعِ النبض الثوري في المزاج الشعبي الإيراني بعد اغتيال الشهيد قاسم سليماني.
وقبل أن يتولَّى الرئاسةَ الإيرانية، شغل رئيسي قمةَ السلطة القضائية في إيران بعد أن تدرج وخدم في سلك القضاء في العديد من المدن.
يعدّ رئيسي من علماءِ الدين البارزين في إيران؛ إذ درس في الحوزة العلمية في مدينة مشهد، وأكمل دراسته الجامعية في مدينة قم في اختصاص الحقوق الدولية والقضاء.
تدرج رئيسي في السلك القضائي، وكان من أبرز مناصبه نائب المدعي العام الثوري، ما جعله ينال إعجاب المرشد السيد علي خامنئي الذي كلفه بمعالجة ملفات قضائية في البلاد.
وأشرف رئيسي على العتبة الرضوية في مشهد عبر تولّي رئاسة مؤسّسة “أستان قدس رضوي”، وهي أكبر مؤسّسة خيرية لإدارة مرقد الإمام علي بن موسى الرضا بين عامي 2016 و2019، من ثم عيّنه السيد خامنئي رئيساً للسلطة القضائية في البلاد؛ إذ ركّز بيان تعيينه بشكل أَسَاسي على “الدعوة لاجتثاث الفساد” داخل القضاء.
كما شغل رئيسي منصب نائب رئيس مجلس الخبراء، وهو الهيئة الإدارية المخولة بعزل القائد الأعلى أَو تعيينه.
وفي 2019، فرضت الولايات المتحدة إجراءات حظر على رئيسي بزعم تورّطه في انتهاكات حقوقية.
وخلال فترة حكمه حقّق السيدُ رئيسي نجاحاتٍ اقتصاديةً لبلاده وانتهج نهجاً مختلفاً في ملف المفاوضات ومواجهة عقوبات أمريكا والغرب الكافر، كما عزَّزَ علاقات بلاده الخارجية مع دول الجوار ومحيطه العربي والإسلامي، ومختلف دول العالم خُصُوصاً مع الصين وروسيا وعقد اتّفاقات استراتيجية معهما.
ورفع رئيسي شعار “الاقتصاد المقاوِم” محقّقًا إنجازاتٍ بارزةً في ولايته التي لم يُقدَّرْ لها أن تكتمل، منها النمو الاقتصادي الإيجابي، ونمو قطاع الصناعة، وانخفاض معدل التضخم، وتبادل الغاز مع تركمانستان وأذربيجان، ونمو الترانزيت الخارجي، وتسجيل أدنى معدل بطالة، وتدشين أكبر مشروع للسكك الحديدية، وغير ذلك الكثير.
القضيةُ الفلسطينية في حياة الشهيد رئيسي:
تزامنت ولايةُ رئيسي الرئاسية مع تطورات دراماتيكية في المنطقة، في طليعتها ملحمة (طوفان الأقصى)، والرد الإيراني على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق واستشهاد قائد قوة القدس في لبنان وسوريا العميد محمد رضا زاهدي؛ ما أكّـد مواقف إيران المشرّفة مع فلسطين وقضيتها العادلة ودعم صمود الشعب الفلسطيني.
الرئيس الإيراني الذي كان يرى أن بلاده “لا تستطيعُ التوقفَ عن دعم فلسطين”، وأنّ “تطورات العالم السياسية ورغبات بعض الدول في المنطقة لن تُغير المبادئ الأَسَاسية لسياسة طهران الخارجية”، أكّـد بعد بدء (طوفان الأقصى) أنّ دعم الجمهورية الإسلامية للشعب الفلسطيني “يأتي ضمن إطار الدستور وما ينصّ عليه بشأن دعم المظلومين، وَأَيْـضاً كجزء من مبادئ السياسة الخارجية الإيرانية”.
وإذ أكّـد أن عملية (طوفان الأقصى) كسرت هيمنةَ “إسرائيل” وأدّت إلى هزيمتها عسكريًّا واستخبارياً، فقد لفت إلى أنّها كانت نتيجةً لاستمرار احتلالها الأراضي الفلسطينية والاعتداءات المتكرّرة على الضفة الغربية والأسرى الفلسطينيين، مشدّدًا على أنّ كيانَ الاحتلال عجز عن مواجهة المقاومة الفلسطينية، لذلك لجأ إلى الانتقام عبر قتل النساء والأطفال في قطاع غزة.
ولم يكتفِ رئيسي بمواقفِه المعلَنة، بل كان في قلب القرار الإيراني الداعم للمقاومة في فلسطين ولبنان على الصعد كافة، وهو ما شدّد عليه مراراً ممثلو فصائل المقاومة، ليستشهد أخيرًا وهو يحمل قضايا شعبه، ومعها قضايا الأُمَّــة.