شهداءُ الرحلة الأخيرة
دينا الرميمة
بقلوبٍ أوشكت أن تتوقَّفَ عن النبض وأَكُفٍّ رُفعت متضرعةً بالدعاء وجِبَاهٍ ساجدةٍ لربها صلاة في محراب الانتظار والرجاء ترقب الإيرانيون وأصدقائهم الأحرار في كُـلّ الأرض مصير الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورفاقه، كابن عاش بينهم صديقاً للفقراء ومعيناً للمهموم وَمحيياً فيهم لمبادئ ثورتهم، وكلهم أمل أن لا يحجب ذاك الضباب عنهم، من كان لهم الابن وَالأب قبل أن يكون رئيسهم، يحفهم الخوف حول هذه الرحلة أن لا تكون هي الأخيرة له مع رفاقه.
لم يكن خوفهم عليه خوفاً على مصير إيران التي تحيطها بوتقة العداء من أعداء الأُمَّــة الإسلامية ككل؛ كون إيران منذ بزوغ فجر ثورتها الخمينية كانت سيف الأُمَّــة المسلط على رقاب أعدائها، والتي انتقلت بإيران من دائرة التبعية لأمريكا إلى دائرة المكر وَالحقد عليها بعد أن تحرّرت من قيود الارتهان؛ ما جعلها أقوى مما تصورته أمريكا التي أحاطتها بقيود الحصار وَالعداء، غير أن قادَتَها استطاعوا بثقل ما حملوه من قيم الحرية أن يجعلوا منها قوة تؤرق أمريكا والعرب الذين حرفوا بوصلة عدائهم من على عدوهم الحقيقي نحو إيران، وجعلوها تعيش عزلة سياسية وَاقتصادية مكنتها من أن تثبت عمق انتمائها الحضاري والديني والجغرافي، وغرست أسمها كأعظم دولة في الإقليم، هي العنوان الحقيقي للإسلام بأصوله المحمدية المتبرِّئ من اليهود والصهاينة، استطاعت أن تنتشل القضية الفلسطينية من نعش الموت وَدواليب النسيان إلى طور المقاومة والحياة من جديد دعماً وتسليحاً ونصرة، وكما كانت أَيْـضاً نصيرة لكل مظلومي الأُمَّــة الذين رفضوا الانصياع لمخطّطات أمريكا وَنأوا بأنفسهم عن التطبيعِ مع الصهاينة، وباتوا يخوضون حروبًا داميةً مع أمريكا تحت تهمة محاربة إيران التي أمدَّتهم بعوامل القوة والدعم العسكري والسياسي؛ وهذا ما جعل أسهُمَ العداء تتكاثر عليها مع الخوف الشديد منها!!
وفي ذات الوقت كان هناك من ينتظر من الحادثة أن تكونَ سبباً لسقوط إيران وانهيارها وزعزعة أمنها، غير أن قادتها وعلى رأسهم السيد علي الخامنئي، استطاعوا أن يحبطوا مكر أعدائها، وانتقلوا بالسلطة انتقالةً سلسَةً إلى نائب رئيسها حسب الدستور الإيراني، في غمرة جراحها على رحيل رئيسي، الذي حلَّق بروحه إلى السماء لتلتقطَها يدُ الشهادة بعيدًا عن أرض يرمقها الحاقدون بعينِ الشماتة.
وَلم تخلُ حتى برقياتُ تعزيتهم لإيران -التي جاءت في وقت كانت إيران تختار الرئيس البديل- من نشاطهم المحموم لتأجيج الصراع وإشعال الفتن بين أوساط شعبها، الذي أثبت وَحدتَه وَالتفافَه حول قيادته ودولته، لا سيَّما أن رئيسها الراحل كان قد مضى تحت سياسة ترميمِ الفجوات التي خلقت لإيران أصدقاءً كُــــثُــرًا، غيَّروا نظرتَهم لها بنظرة احترام وإجلال كدولة إقليمية عظمى، وتعاطفوا مع مصابها ونكَّسوا له الأَعلام، ووقف بعضُهم دقائَق صمت وَحزن لرحيل رئيسها في رحلته الأخيرة التي لا تزال يلُفُّها الشَّكُّ حول إن كان لأعداء إيران يدٌ آثمةٌ فيها.