الصبرُ وحملُ النفس على السكينة والوقار دأبُ الأحرار
ق. حسين بن محمد المهدي
الصبرُ من الفضائل الخُلُقيةِ التي تعود الإنسان على السكينة والاطمئنان، وتكون بَلسمًا لجراحه وبلائِه؛ فهو سبب لحصول الضياء في القلب، والهدوء في الطبع، والعزيمة على الرشد؛ وهو مما يعين على حسن التدبير، وسلامة التقدير.
فهو أَسَاس لكثير من الفضائل بل هو أُمُّها.
الصبرُ يربِّي في النفس مَلَكَاتِ الخير، ولقد كان المصابُ الجَلَلُ بفقد أبي الفضائل الرئيس إبراهيم رئيسي رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران الفاضل فما رأينا في عصرنا هذا ما يدل على الحكمة والعزيمة والرشد مثلما رأيناه في آية الله العظمى قائد الثورة الإسلامية السيد علي الحسيني الخامنئي -حفظه الله-.
لقد تلقى نبأَ فَقْدِ الرئيس الإيراني واستشهادِه برباطة جأش وسكينة ووقار، متحليًّا بالأخلاق النبوية والسكينة والوقار العلوي، وكأنه يترجم قولَ الإمام علي عليه السلام:
أَلَا فاصْبِرْ على الحَدَثِ الجليلِ
وداوِ جَوَاك بالصبر الجميلِ
ولا تظُنَّنَّ بربِّك غيرَ خيرٍ
فَــإنَّ اللهَ أَولى بالجميلِ
فالصابرُ مستضيء بنور الله مؤيد بمعونة الله ونصره.
فالصبر خيرٌ كله، وفي الحديث النبوي (الصبر ضياء)
(وما أعطي أحدٌ شيئاً خيرٌ وأوسعُ من الصبر).
وقد خاطب اللهُ رسولَه بعد أن أُصيب بخِيرةِ رجاله وفيهم عَمُّه الحمزةُ أسدُ الله وأسد رسوله (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّاْ بِاللَّهِ)
فقد انتصر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- على خصومه حينما أصغى لتعاليم القرآن (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)
بالصبر يرتفع البلاء.
وتحل السكينة.
ويأتي الفرج.
وقديمًا قيل: إنكم لا تدركون ما تأملون إلَّا بالصبر على ما تكرهون.
وفي القرآن العظيم: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أموالكُمْ وَأنفسكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)
الصبرُ جماع الأمر، ونظامُ الحزم، ودعامةُ العقل، وفي الذكر الحكيم: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وللإمام علي عليه السلام:
إنِّي أقول لنفسي وهي ضيِّقةٌ
وقد أناخَ عليه الدهرُ بالعجبِ
صبرًا على شدةِ الأيّام إنَّ لها
عُقبى وما الصبرُ إلَّا عندَ ذي الحَسَبِ
سيفتح الله عن قُرْبٍ بنافعةٍ
فيها لمثلِك راحةً من التعبِ
إن الذين يظنون أن الجمهوريةَ الإسلامية في إيران وقادتها الشُّجعان سيضعفون بهذا الحادث الجلل هم واهمون.
فالجمهورية الإسلامية في إيران تحكمها مؤسّساتٌ ورجالٌ يتحلون بالإيمان والصبر، والصبر عزيمة ورشد وثبات ونجاح، والضعف ليس من شأن المؤمنين، فالقرآن يقولُ (وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)
إن الشعبَ الإيراني المسلم سيزدادُ قوةً وعزيمةً ودعمًا للمجاهدين في فلسطين كما كان في عهد الفقيدِ الشهيد إبراهيم رئيسي وربما أضعاف أضعاف ذلك، ولن تتأثر المقاومةُ في فلسطين بل ستزداد قوةً؛ فالكل فرحون بالجهادِ، يتسابقون إلى نيل الشهادة والانتقال إلى الحياة الدائمة (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)
وإذا اشتد الأمرُ فكأنَّ لسانَ الحال يقول باسم الشعب الإيراني المسلم وقائده العظيم لرجال المقاومة ما قاله رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لعمرو بن سالم الخزاعي حينما جاء يطلُبُ النصرة من رسول الله ومن المسلمين فقال عليه الصلاة والسلام: “نُصِرْتَ يا عمرو بن سالم!”
لقد سرت روحُ الشهيد الرئيس إبراهيم رئيسي إلى الجنة وكما قلنا ترثية له، وعزاء للسيد علي الخامنئي وللشعب الإيراني المسلم والسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي وسماحة السيد حسن نصر الله وكافةِ أبناء الأُمَّــة:
إمامُ الهدى بدرُ الدُّجى المتسنِّمُ
وخيرُ بني الزهراءِ الرئيسُ المكرَّمُ
سرت روحُه نحو العُلا فتقدمتْ
إلى جنةِ الفردوسِ تآق المقدَمُ
فقد كان للدين الحنيف مؤيِّدًا
وللعدلِ والتوحيدِ فينا معظِّمُ
نصيرٌ لدينِ الله قِرْمٌ مجاهِدٌ
لإعلاءِ دِينِ اللهِ ليثٌ مصمِّمُ
إذا حان وقتُ السلم فهو مفضَّلٌ
وإن سعرت نارُ الوغى فهو قشعمُ
فهذي فلسطينُ الجريحةُ شاهدٌ
على نصرِه يا قوم هلَّا ذكرتُمُ
رئيسٌ كريمٌ فاضلٌ ومجاهدُ
إلى الحق توَّاقٌ حكيمُ محكمُ
نعزِّي به الإسلامَ في كُـلِّ بلدةٍ
ونسعى إلى أحبابه فنُسَلِّمُ
نعزِّي به شمسَ العلوم أخَا التُّقَى
إمامَ الهُدى الخامنئي المعظَّمُ
وإيران نعزِّيها في كُـلِّ لحظةٍ
فمنها شهيدُ القدس ليثُ مكرَّمُ
وأزكى صلاةُ الله ثم سلامُهُ
على المصطفى خيرِ الورى المتقدِّمُ
العزةُ لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزيُ والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعينُ الجبناء.
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).