دولةُ “إسرائيل”.. خطيئةُ منظمة الأمم المتحدة
المسيرة – د/ عبد الرحمن المختار
قامت منظمةُ الأمم المتحدة على أنقاض عصبة الأمم، التي فشلت في منع الحروب التي تسببت في مآس وأحزان للبشرية يعجز عنها الوصف، كما ورد في ديباجة ميثاق منظمة الأمم المتحدة، هذه المنظمةُ التي أخذت على عاتقها تجنيبَ الأجيال القادمة ويلات الحروب، هذه المنظمة التي ضمّنت ميثاقَها مبادئَ غايةً في الرقي الإنساني، تتعلق بحقوق الشعوب والأمم صغيرها وكبيرها، هذه المنظمة التي ضمّنت ميثاقها، التزامًا مهمًّا في الفقرة 7 من المادة (2) وهذا الالتزام نص على أنه (ليس في هذا الميثاق ما يسوغُ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما…).
وإذا كان الأمر كذلك، وواقع النُّظُم السياسية استقر على أن نشأة الدولة يرتبط بتبلور أركانها الثلاثة، وهي: الشعب والإقليم والسلطة السياسية، التي تتمكّن من فرض سيطرتها على إقليمها بدعم من شعبها ودون أي تدخل خارجي، وَإذَا ما توافرت هذه الأركان الثلاثة أصبحت الدولة أمراً واقعاً، والاعتراف بها أَو عدمه من جانب الدول الأُخرى بوصفه مسألة قانونية، لا يغيّر من حقيقة قيام الدولة، وإنما يؤسس للتعاون بين الدول، وَإذَا كان ميثاق المنظمة الدولية لا يخولها كما سبق حق التدخل في الشؤون الخَاصَّة للدول والشعوب، فَــإنَّه كذلك لم يخولها صلاحية التصرف بجغرافية الشعوب واقتطاعها أجزاء منها ومنحها لآخرين، كما حصل لأرض الشعب الفلسطيني التي اقتطعتها منظمة الأمم المتحدة ووهبتها للمجرمين الصهاينة.
هذه المنظمة هي من أنشأ دولة الكيان الصهيوني بقرارها رقم (181) لسنة 1947 الذي قسم الأرض الفلسطينية إلى قسمَينِ:- قسمٍ تقامُ عليه دولة الكيان الصهيوني وهو ما تم فعلاً، وقسمٍ تقام عليه دولة فلسطين، وهو ما لم يتم منذ ذلك الحين وإلى اليوم، وهذا التقسيم الذي تم من جانب منظمة الأمم المتحدة وهي غير مخولة به بموجب أحكام ميثاقها، بل إنها بهذا التقسيم تعد منتهكة لأحكام الميثاق، وفي كُـلّ الأحوال هذا التقسيم لا يعدو عن كونه نظرياً بالنسبة للفلسطينيين، ذلك أن الواقع يشهد على التهام الكيان الصهيوني للقسمين معاً، مخالفاً الفقرة (ج) من قرار التقسيم ذاته، حين بدأ الكيان المجرم بإجراءات تهجير الفلسطينيين قسرياً، وارتكب بحقهم أفعال إبادة جماعية استمرت وتتابعت منذ قرار التقسيم وحتى اليوم.
وما يرتكبه جيش دولة الكيان الصهيوني من جريمة إبادة جماعية مُستمرّة ومتتابعة الأفعال منذ ثمانية أشهر ما هو إلا امتداد لأفعال الإبادة التي يرتكبها جيش هذا الكيان المجرم، تتحمل المسؤولية الكاملة عنها منظمة الأمم المتحدة؛ باعتبَار هذه المنظمة هي من ارتكب خطيئة سلب أرض الشعب الفلسطيني دون وجه حق، ومنحها للكيان الصهيوني المجرم، ليقيم عليها دولته الإرهابية العنصرية، ولو أن منظمة الأمم المتحدة كانت تقيم أي اعتبار لالتزاماتها القانونية الواردة في ميثاقها، والتي انتهكته بداية بتقسيم أرض الشعب الفلسطيني إلى قسمين، لو كانت منظمة الأمم المتحدة تقيم أدنى اعتبار لميثاقها كانت في الحد الأدنى أقامت الدولتين معاً في وقت متزامن؛ باعتبَار أنها هي من فرض قرار التقسيم وهي المعني بتنفيذه.
ويعد سلب أرض الشعب الفلسطيني ومنحها للصهاينة جريمة ارتكبتها منظمة الأمم المتحدة، وتعد هذه المنظمة بالنتيجة مسؤولة عن أفعال جريمة الإبادة المُستمرّة والمتتابعة بحق أبناء الشعب الفلسطيني منذ قرار التقسيم المشؤوم وحتى اليوم! ولا يمكنها بحال من الأحوال التنصل عن مسؤوليتها عن المآسي التي تسببت بها للشعب الفلسطيني؛ فما هي حجّـة منظمة الأمم المتحدة؟ وما هو عذرها في تنفيذها لقرارها فقط لمصلحة الكيان الصهيوني الغاصب، وعدم تنفيذها لذلك القرار بالنسبة للدولة الفلسطينية، رغم مرور ما يقرب من ثمانية عقود من الزمن على قرار التقسيم؟!
إن خطيئة منظمة الأمم المتحدة التي ترتب عليها إقامة دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربية، وما ارتكبه هذا الكيان المجرم بحق أبناء الشعب الفلسطيني من أفعال إبادة جماعية مُستمرّة ومتتابعة آخرها ما يرتكبه جيشه المجرم ومنذ ثمانية أشهر بحق أبناء قطاع غزة؛ فكل تلك الأفعال السابقة بحق أبناء الشعب الفلسطيني في عموم فلسطين المحتلّة، والراهنة بحق أبناء قطاع غزة كلها تتحمل مسؤوليتها منظمة الأمم المتحدة؛ بوصفها مرتكِبةً تلك الخطيئةَ البشعة التي أنتجت مولوداً مسخاً.
إن منظمة الأمم المتحدة -ووفقاً لما كشفه الواقع من حقائق منذ ما يقرب من ثمانية عقود من الزمن- لا تعدو عن كونها أدَاة بيد القوى الاستعمارية الصهيوغربية، هذه القوى التي استخدمت منظمة الأمم المتحدة في إقامة دولة الكيان الصهيوني لتصبغها بالصبغة الدولية الأممية، وفي الحقيقة أن دولة الكيان الصهيوني تعد قاعدة متقدمة للقوى الاستعمارية الصهيوغربية للسيطرة على المنطقة العربية، ونهب ثرواتها، وإخضاع أنظمتها وشعوبها، وهذا الأمر بات اليوم واضحًا وملموساً ومكشوفاً أكثر من أي وقت مضى؛ فأغلبُ الأنظمة والشعوب العربية غير قادرة حتى على إدانة أفعال الإبادة الجماعية، التي يرتكبها جيش الكيان الصهيوني بحق إخوانهم من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بل إن أنظمة عربية انساقت بشكل كبير في التغطية على جرائم الكيان الصهيوني، وسخَّرت أراضيها لمد جسور برية بديلة، ليصل من خلالها إلى الأراضي المحتلّة ما تعذر وصوله عبر غيرها من الطرق.
وها هي القوى الاستعمارية الغربية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية ترفض مُجَـرّد الاعتراف الشكلي بدولة فلسطين، رغم أنها من حَيثُ الأصل يجب أن تكون قائمةً ومعترفاً بها منذ قرار التقسيم وبالتوازي مع قيام دولة الكيان الصهيوني، لكن القوى الاستعمارية لها اليوم توجّـه آخر بشأن إقامة دولة فلسطينية، يتلخص هذا التوجّـه وكما جاء على لسان سفاح الإدارة الأمريكية بايدن: (إن إقامة دولة فلسطينية لا بُـدَّ أن يتم عبر التفاوض المباشر بين الإسرائيليين والفلسطينيين)، هذه القوى الاستعمارية التي تبنت قرار التقسيم لأرض فلسطين، لم تقل في ذلك الحين: إن قيام دولة “إسرائيل” يجب أن يكون نتيجة للتفاوض بين الفلسطينيين أصحاب الأرض والدخلاء الصهاينة، لكنها على العكس من ذلك عملت على فرض قرار التقسيم وانتهى الأمر.
الواضح تماماً أن القوى الاستعمارية الصهيوغربية، التي فرضت قرار التقسيم في ذلك الحين ولم تقم أي اعتبار للفلسطينيين هي ذاتها تلك القوى، التي ترفض اليوم أي حديث عن قيام دولة فلسطينية وَتربط ذلك بموافقة الكيان الصهيوني، الذي يعلن بكل صراحة ووقاحة وبجاحة رفضه لقيام دولة فلسطينية، تلك القوى الاستعمارية هي ذاتها التي روجت في ذلك الحين لما سمته بالمحرقة النازية التي تعرض لها اليهود، هي ذاتها اليوم ترفض الاعتراف بوصف ما يرتكبه الكيان الصهيوني في قطاع غزة بأنه جريمة إبادة جماعية، وتروج هذه القوى بأن ما يحدث في غزة لا يرقى إلى وصف الإبادة الجماعية وأن مثل هذا الوصف مبالغ فيه! كيف لها أن تقر بذلك وهي تدرك يقيناً أنه لولا دعمها وإسنادها وتمويلها وتغطيتها وتزويدها للكيان الصهيوني بمختلف أنواع العتاد الحربي لما كان لما يحدث في غزة أن يحدث!
الواقع أنه لا يوجد شيء اسمه منظمة الأمم المتحدة فمن تابع مندوب دولة الكيان الصهيوني وتصرفه حين تم التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أَيَّـام على منح الفلسطينيين العضوية الكاملة لدولتهم في منظمة الأمم المتحدة، حينها شتم ووبّخ مندوبُ دولة الاحتلال جميعَ أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذين صوَّتوا على القرار، واصفاً موقفهم بأنه عارٌ، ومزَّقَ صفحاتٍ من الميثاق، وسبق له أَيْـضاً أن وبَّخ أعضاءَ مجلس الأمن الدولي عقب التصويت على قرار غير ملزم يدعو إلى وقف إطلاق النار فورًا في غزة، فعبر المندوب الإسرائيلي عن اشمئزازه من موقف أعضاء مجلس الأمن الذين صوتوا على هذا القرار وطالبهم بدلًا عن ذلك بإدانة ما سمَّاه بالمجزرة الأكثر همجية، التي ارتكبتها حماس ضد الشعب اليهودي منذ المحرقة!