الاهتمامُ بمنظومة الأخلاق
احترام عفيف المُشرّف
كلّ شيء بلا استثناء أَسَاسه بُنِيَ على الأخلاق، الأخلاق هي المحك وهي أَسَاس المجتمعات في الجاهلية والإسلام وعلى تعاقب الحقب والأزمان، تظل الأخلاق هي الركيزة لبقاء الإنسانية حتى قيام الساعة، وَإذَا انعدمت الأخلاق فلا فائدة في بقاء الحياة التي يتنفس فيها أهلها فقط وقد فقدوا الأخلاق.
ونرى أن كُـلّ الشرائع والقوانين السماوية والوضعية تحث على الأخلاق والتمسك بها لأهميتها فبها فقط ميز الإنسان على سائر الحيوان، وقد أثنى الله عز وجل على نبيه فقال:
(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
وذلك لأهميّة الخلق ومع أن كُـلّ صفات المصطفى كريمة وعظيمة إلا أن الله سبحانه أوجزها بالخلق (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْـمُتَوَكِّلِينَ) تأملوا كيف اشتملت هذه الآية الكريمة على كمية كبيرة من أخلاق المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله، اللين والعفو بل والاستغفار لهم، وَأَيْـضاً مشاورتهم في أمور الدولة ليكن بذلك قُدوة لأمته في تعاملهم مع الآخرين.
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وتعد الأخلاق منظومة متكاملة لا ينبغي أن يأخذ المرء بما يسهل عليه منها ويترك ما يشاء، فليس ذلك من الأخلاق في شيء؛ فالأخلاق بناء كامل من القاعدة وحتى القمة وعلينا التمسك بها والحفاظ عليها وتربية أبنائنا عليها.
وإذا أمعنا في التدبر نجد أنه أتى تركيز أعداء الإسلام على هدم منظومة الأخلاق في المجتمع بشتى الطرق والوسائل والتشجيع على كُـلّ ما هو غير أخلاقي، وإدخَال السموم الفكرية إلى مجتمعات المسلمين، والترويج على كُـلّ ما هو رذيل، وذلك باستخدام نماذج من المشاهير الذين تم إعدادهم مسبقًا لهذه المهمة، حتى إذَا أصبحوا ذوي تأثير في متابعيهم بدأوا بتلقينهم سمومهم اللاأخلاقية، وغير ذلك من الأساليب الشيطانية من الشذوذ والمثلية والتعري والتهتك في القول والفعل.
ونجدهم في تتبع حثيث لكل ما حث عليه الإسلام من مكارم الأخلاق ليأتوا بنقيضها تماماً، فهم يعرفون حق المعرفة أن الإسلام يشتمل على أَسَاسيات الأخلاق، وفي الحديث إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق؛ فكان حرصهم على فصل المجتمع عن دينه وعن نبيه بحجّـة المدنية والتطور، وأن العالم يتغير، ولا بدَّ من مواكبة التغيرات باستحداثات ما أنزل الله بها من سلطان، وهدفهم تفكك المجتمع وسلبه من أَسَاسيات الأخلاق الحميدة.
إذا أُصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتماً وعويلا
وعلينا في مقابل هذه الهجمة الشرسة الاستعداد والاهتمام في بناء أنفسنا وأبنائنا ومجتمعاتنا على مكارم الأخلاق والعناية بشجرة الأخلاق، وشجرة الأخلاق تحتاج إلى التعهد والرعاية وتشذيبها من الشوائب والمبيدات القاتلة للأخلاق كالحسد والحقد والتكبر على عباد الله، وبذلك تسلم سريرتها ويصفو جوهرها وتنمو فروعها وتثمر لين الجانب وحسن العريكة، ولا يخرج منها إلا الطيب من القول والعمل؛ ليكون بذلك خليفة الله في الأرض حقاً.
والأخلاق هي تاج كُـلّ شيء وهي الروح التي لا تموت بعد رحيل صاحبها، فالحياة تمضي للأمام ولن تعود للخلف؛ مِن أجلِك فاحكم خطواتك فيها بحسن خلقك، فمن الأخلاق إفشاء السلام والابتسام في وجه من يحدثك والتسامح وتجاهل الإساءة وحسن الظن، وجمال العقل بالفكر وجمال اللسان بالصمت وجمال الحال بالاستقامة وجمال الكلام بالصدق، فكل الجماليات متفرعة من دوحة الأخلاق.
ومن الأخلاق إقالة العثرات وستر العورات، فإذا وصلك فضيحة إنسان فاجعل الخبر يقف عندك، فتداول الفضائح ونشرها ليس من الأخلاق في شيء، فمن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، وحتى لو قيل لك إن الخبر منتشر فلا تكن أدَاة لنشر مساوئ أحد فيرحمه الله ويبتليك، علينا أن نحفظ ألسنتنا ونرتقي بذواتنا فارتفاع المجتمعات بأخلاق أفرادها.
وأعلم أن أكبر جريمة يرتكبها الإنسان بحق نفسه هو أن يتجرد من الأخلاق الفاضلة والصفات النبيلة، الأمر جد خطير وليس مُجَـرّد كلمات إنشائية، الأخلاق في خطر، وأعدائنا في تربص وتتبع لهدمنا وهدم مجتمعاتنا بهدم أخلاقياتنا، الأخلاق ركيزة ووتد لبقاء الحياة فهي الحياة بعد انتهاء الحياة.
دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ
إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني
فَاِرفَع لِنَفسِكَ بَعدَ مَوتِكَ ذِكرَها
فَالذِّكرُ لِلإنسان عُمرٌ ثاني